بنية الخطاب النقدي
ضمن منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين ، صدر كتاب الأستاذ الناقد / حسين خمري ، والموسوم (بنية الخطاب النقدي). وهذا البحث ، كما يورد الروائي الجزائري واسين الاعرج ، على الغلاف الاخير للكتاب (هو جزئية صغيرة من اهتمامات الناقد الجزائري حسين خمري الكثيرة ، في اطار المناهج النقدية الجديدة (على الأقل من حيث تطبيقاتها على النص الأدبي الجزائري ) التي تقتحم الساحة الأدبية بخجل كبير ، ولكن بثبات اكبر ، وتحاول ان تجيب عن بعض الأسئلة النقدية ، النظرية ، المتعلقة بشعرية النص وقوانين اشتغاله الداخلية ، بهدوء وبعيداً عن الجعجعة السياسية والخطابية والتاريخية ، التي اكلت جزءاً مهماً من الممارسة النقدية في الجزائر .ودون أدنى شك ، فان النص الأدبي تختلف عن النص النقدي من خلال طريقة كل منهما ، وموضع كل واحد ، وان كان النص النقدي يطمح إلى استيعاب النص الابداعي وتجاوزه بواسطة طرائق تناوله . ذلك مايقرره المؤلف في مقدمة كتابه مبنياً ، الغرض من النظرية النقدية لمعاصرة التي تحاول ان تتجاوز النظرية النقدية التي لاتهتم بالنص الأدبي إلا قليلاً ولاترى فيه إلا (وثيقة) تحاول - عبرها - تحريرها رسالة معينة ، وهذه الرسالة هي ، في غالب الاحيان - رسالة اجتماعية او سياسية ، وهكذا يحتل النص الأدبي - الذي هو موضوع الدرس - مرتبة ثانية ويصبح وسيلة لاغاية ، الهدف منه إعطاء نصائح - وعظية - لا البحث في مكونات النص وطرائق تسجيل ( الحدث ) .ويعد كتاب الناقد خمري محاولة متواضعة للتنقيب في تراثنا النقدي والبلاغي القديم عن نقاط التلاقي بينه وبين النقد البنيوي بوصف ان كل منهما يركزان على اللغة وطاقتها التعبيرية والجمالية وطرائق تشكيلها ، ويعد الكتاب كذلك ، محاولة لفتح حوار مع تراثنا النقدي والبلاغي القديم - بعد ان عطل دورة الاستعمار والاستلاب الثقافي -مع الاستفادة من الانجازات النقدية المعاصرة ، وذلك قصد صياغة نظرية نقدية عربية قادرة على مواجهة النص العربي واحترام خصوصيته .ويسعى الكاتب في كتابه إلى ربط معطيات الحداثة بنقدنا القديم والاستفادة من بعض جوانبه وكذا فتح الحوار مع تراثنا الأدبي الذي يعاني من التغريب والإهمال وانبهار المتثقف العربي امام الإنجازات الفكرية الغربية المعاصرة .ويطمح حسين خمري ( من خلال القضايا التي اثارها ) ان يرفع بعض جوانب التحدي الحضاري والثقافي ، وإلى جانب كل ما سبق فان الكتاب يعد محاولة لقراءة جديدة لبعضنظريات النقد العربي التي لها حضور فقال في حياتنا الثقافية .وبالرغم من الحجم الصغير للكتاب إلا ان اصالته وثراءه ، باد للعيان ، وذلك بتناوله لقضايا النقد الأدبي ، التي لايمكن عزلها عن قضايا النص اذ ان الحديث عن الأول دون الحديث عن الثاني يعد اخلالاً بالعملية الأدبية فاقضايا النص الأدبي هي قضايا النقد ، لذلك يذهب الباحث وهو على حق ، إلى القول ان مايشاع عن أزمة نقدية هو تشويه لحقيقة أعم وآشمل ، هي الأزمة الحضارية والتحديات الراهنة على المستويات الاخرى ، فاذا كان النقد يعاني من ازمة فان ذلك يعود إلى أزمة التعبير ذاته ، فالقضايا التي يعكسها النص النقدي هي ذاتها التي تنتجها النصوص الابداعية ولايمكن ان نتصور النصوص الابداعية تتمتع بسلامة وعافية تعاني النصوص النقدية من عسر في الهضم وقصور في الرؤية والتحليل .هذا هو مستوى الطرح وعمقه عند الخمري الذي عُني كثيراً بدراسة العلاقة بين النص الأدبي والنص الابداعي بوصفها علاقة تلازم في الحضور والغياب اذ لايمكن ان نتصور نصاً نقدياً كتب في الفراغ اي اعتماداً على نص وهمي لم يتحقق بالفعل وبالممارسة الادبية (النص الغائب ) .ووفقاً للمؤلف ، يجب على النص النقدي احتواء وتجاوز النص الأدبي ، ولايعني الاحتواء اعادة كتابة النص الادبي باسلوب جديد آؤ تلخيصه أو أية عملية أدبية اخرى ولكن يجب ان يعيد تشكيل مفاصله المهمة ذات الدلالة ، ومن خلال عمليتي الاحتواء والتجاوز يكون الفائدة مزدوجة بالنسبة للقارىء فهو يقرأ ، ويعيد قراءة النص الأدبي ، بالاضافة إلى ما يلقيه النص النقدي من اضواء واشادات أو تحاليل حول النص الأدبي ، تحاول قدر الامكان تقريب الرموز والمعاني إلى دحض القارىء ، كما انها تعطي للنص الأدبي ذاته قيمته الثقافية والجمالية .هذا ، ويؤكد المؤلف على ضرورة توطيد العلاقة بين النقد والنص المفقود ، منوهاً إلى أن ذلك لايعني الانغلاق في حدود النص ( بل يجب البحث في خلفياته والسياقات العديدة المرتبطة به ولكن يجب اعطاء الصدارة للنص ثم السياقات ثم المحيط الثقافي إلى غير ذلك من المواقف بمعنى ان ( اية قراءة تبتعد كثيراً عن جوهر النص بدعوى البحث في القرائن التاريخية والاجتماعية للنص ، تعد قفزاً خارج حلبة الابداع واعتبار النص وسيلة لاغير لالقاء خطب لم تجد مناسبة للاداء إلا على هامش هذا النص ) .ولم يغفل الباحث التميز بين النص والنقد فموضوع الأول هو العالم ، أما موضوع الاخير فهو النص الأدبي ذاته ، وتتبدى الفروق جلية عند البحث في طبيعة ووظيفة كل من اللغة النقدية واللغة النقدية فهي لغة محمولة ، وقد كثر الجدل بين الفلاسفة المسلمين والمناطقة منهم بصفة خاصة ، حول الموضوع والمحمول ، الذي لايعني في الدراسات النقدية الحديثة إلا التفريق بين مستويين في الخطاب .ويذكر الباحث ان وظيفة اللغة النقدية قد (شكلت مركز اهتمام بالنسبة للأمام عبدالقاهر الجرجاني الذي تنبه لذلك منذ البداية موضحاً الفروق بين المعنى »النص« ومعنى المعنى»النقد« وتقترب من هذا المعنى مقولة رولان بارت (النقد هو خطاب عن خطاب ) .ويفند الباحث الاقاويل الباطلة بشأن الناقد ، فالناقد لدن الخمري بالدرجة الاولى اديب مبدع ، مشيراً إلى تنبه النقاد العرب منذ القديم إلى (ان الناقد ليس هو كل من هب ودب واستطاع فك الرموز اللغوية للنص الأدبي ، بل هو أديب من نوع خاص تتوفر فيه ميزات المبدع من ذوق وحساسية لغوية رفيعة وذكاء في استقراء مواقع الجمال وسرعة في استخراج المعاني .. ) ليخلص إلى القول (ان كل ناقد يختبىء في داخله اديب مبدع ) .وقد أشار الباحث إلى المعارك بين النقاد والادباء في تاريخ النقد العربي ليخلص إلى المقولة الذاتية القائلة ( ان الناقد يجب ان يكون مبدعاً بالدرجة الاولى والا ضاعت الفائدة بمعنى ان الناقد لايستطيع ان يقوم بمهمته على أكمل وجه اذا لم يمارس فعل الكتابة.) .ان دور الناقد لايقتصر على القيام بدور الوسيط بين المبدع والمتلقي ، اي ان الناقد ليس قناة يعبر منها النص في طريقه إلى القارىء . ان دور الناقد دور فعال اي تحويل النص الأدبي إلى نص نقدي ، وعملية التحويل هذه تتضمن مجموعة العمليات النقدية والاجراءات الأدبية لتشكيل النص الأدبي تشكيلاً نقدياً . ومن بين هذه العمليات التحويلية ما يلي :1 ) اعادة كتابة النص وفق منظور نقدي .2 ) ترتيب مواد النص قصد استخراج المعاني المتداخلة والمتشابكة .3 ) اختزال ما يبدو فائضاً .4 ) ترجمة الدلالات ترجمة نقدية أي تحويلها من مستوى الابداع إلى مستوى النقد .5 ) إعادة وضع التراكيب اللغوية وفق هيئة جديدة تسمح لها بممارسة وظيفة النقد .وعلى الرغم من هذا الدور الفعال للناقد فان مكانته الادبية على حد قول الباحث (ماتزال غير معترف بها وهويته لاتزال ضبابية عند الكثير من المتعاملين مع الثقافة ، بل ان البعض يعد الناقد طفيلي عجز عن الابداع ، أو اصيب بعقم ابداعي فحول كل امكاناته الادبية من قراءات مطالعات ، تجارب أدبية إلى البحث في خصائص البحث في خصائص النصوص الأدبية وليس ذلك الا دافع عقدة النقص والعجز ).ويجد الباحث الرد على مثل هذه الاراء عند أبي حيان التوحيدي الذي استوعب كل معارف عصره بالاضافة إلى تكوينه في الفلسفة والمنطق ، إلا انه يعترف - أبو حيان التوحيدي - بان العملية النقدية أصعب من الانتاج الأدبي ، ويأتي اعترافه هذا في أول حديثه حيث يقول : (ان الكلام عن الكلا صعب ) .ويتناول الكتاب ، طبيعة النقد بوصفه نشاط أدبي ولغوي قبل أي شيء ، ناهيك عن (ان النقد يعد جهاز مفهومي من أهم خصائصه ، الشمولية في الرؤية ، أي أقتراح نظرة متكاملة للنص الأدبي في علائقه مع السياقات الاجتماعية والثقافية والنفسية دون اغفال أي جانب من جوانبها ، اضافة إلى انفتاحه على مجموعة من الاحتمالات أي التشكيلات الممكنة للنص الواحد ) .ويناقش الكتاب ، العلاقة بين النص والناقد ، متناولاً الجدل حول العملية النقدية ، وهل هي عملية ذاتية أو موضوعية ، إلى جانب وظيفة النص ، وهل اثار حساسية معينة أم لا ؟ وهل كرس نموذجاً ثقافياً أمكسره وحطمه .. الخ ووقف المؤلف عند وظيفة النقد المتمثلة بانتاج معرفة بالنص الأدبي ليخلص إلى ( ان النقد بوصفه فعالية انسانية فانه نص ابداعي وعملية حضارية واعية تبحث في وسائل الأدب واهدافه ومصادر النص الواعية واللاواعية وكذلك البحث في النصوص والواقع على اساس ان النقد عملية مرتبطة بعدة حقول معرفية ) .هذا ، وينتقل المؤلف لتقصي مراحل العملية النقدية ، علماً ان هذه (المراحل تختلف من منهج إلى اخر ومن نظرية إلى اخرى ومن مدرسة إلى اخرى . ومع ذلك يذكر ان ( هناك مراحل ثابتة في كل النظريات النقدية وتعد لبنات اساسية في العملية النقدية وهذه المراحل هذه :- ما قبل القراءة النقدية .- القراءة النسقية / الافقية .- التفسير والحكم .ويرى المؤلف ان الموقف النقدي هو أصلاً موقف من الثقافة بمعنى عدم عزل النص عن السياقات الثقافية والاجتماعية التي شهدت ميلاده ، وكل موقف يحاول ان ينظر إلى هذا النص من الزاوية التي تدعم نظريته .واذا كان الموقف النقدي هو نوع المقارنة التي بواسطتها يقارب النص ، فاننا يمكن ان نحدد انواع هذه المقارنة وموقفها من النص ، وماهي الوسائل المستعملة والخطوات المتبعة للوصول إلى (جوهر) النص وهذه الواقف - بحسب المؤلف ثلاثة :1 ) ما قبل النص .2 ) في صميم النص . 3 ) مابعد النص .ويقول خمري ( ان كل موقف من المواقف الثلاثة ، قد افرز مجموعة من النظريات النقدية والمناهج الادبية التي تحاول ان تقتني العمل الأدبي وترسم له القنوات التي يجب ان يمر منها ليؤدي مجموعة من الوظائف الثقافية والتاريخية .ويحدد المولف اطراف العملية النقدية ، بوصف ان عملية التواصل الادبي لاتتم إلا اذا اكتملت كل اطراف المعادلة (الكاتب / المنتج / النص / القناة / القارىء/ الناقد ) .وينتصر المؤلف للناقد يصطف معه قائلاً : ( الناقد ليس متطفلاً على الثقافة او عالم الابداع بل هو دليل القارىء . لكنه ليس وسيطاً ولا سمساراً بل وله وظيفة ثقافية كاملة لاتقل أهمية عن وظيفة النص .. والنقد ليس ترسانة من المفاهيم او شبكة من العلاقات الميكانيكية بل هو ايضاً فن وابداع ولاتحصل له هذه المزيه الا اذا استطاع تجاوز النص الادبي وخلق سياقاته الخاصة وعالمه المحدد وتحقق نوعاً من الاستقلالية بالنسبة للنص موضوع النقد ) .واذا كان قدر الناقد ان يبقى مرتبطاً بالكاتب فان المؤلف والباحث والناقد حسين خمري يرى ( ان هذه الارتباط حر وودي إلى أبعد حد ، كما ان الكاتب يخضع للناقد لانه هو الذي يقوده إلى التجارب الابداعية الراقية ، الذي يدق ناقوس الخطر كلما انحرف النص ) .واخيراً ، ليعذرني القاريء ، ان ظن اني اطلت ، فبعض الظن أثم .