عرف القانون رقم (39) لسنة 2006م بشأن مكافحة الفساد في مادته (2) الفساد بأنه استغلال الوظيفة العامة للحصول على مصالح خاصة سواء كان ذلك بمخالفة القانون أو استغلاله أو باستغلال الصلاحيات الممنوحة.وشكل هذا القانون المدخل الأساسي لمكافحة هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة المتفشية في جميع أجهزة الدولة حيث يهدف القانون كما جاء في مادته (3) إلى تحقيق عدد من الأهداف أهمها:إنشاء هيئة وطنية مستقلة عليا لها صلاحيات قانونية في مكافحة الفساد وتعقب ممارسية.منع الفساد ومكافحته ودرء مخاطره وآثاره وملاحقة مرتكبيه وحجز واسترداد الأموال والعائدات المترتبة عن ممارسته.تفعيل مبدأ المساءلة وتعزيز الدور الرقابي للأجهزة المختصة والتيسير على أفراد المجتمع في إجراءات حصولهم على المعلومات ووصولهم إلى السلطات المعنية.تشجيع وتفعيل دور مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني في المشاركة الفاعلة والنشطة في محاربة الفساد ومكافحته وتوعوية أفراد المجتمع بمخاطره وتوسيع نطاق المعرفة بوسائل وأساليب الوقاية منه.ولتحقيق الهدف الأول من القانون انشئت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد من أحد عشر عضواً مثلت فيها منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وقطاع المرأة، وأنيطت بهذه الهيئة وفقاً للقانون في مادته (8) ممارسة المهام والاختصاصات الآتية:إعداد وتنفيذ السياسات العامة الهادفة إلى مكافحة الفساد.وضع استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الفساد وإعداد وتنفيذ الآليات والخطط والبرامج المنفذة لها.اتخاذ التدابير الكفيلة بمشاركة المجتمع المحلي ومنظمات المجتمع المدني في التعريف بمخاطر الفساد وآثاره على المجتمع وتوسيع دور المجتمع في الأنشطة المناهضة للفساد ومكافحته.دراسة وتقييم التشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد لمعرفة مدى فعاليتها واقتراح مشاريع التعديلات لها لمواكبتها للاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجمهورية أو انضمت إليها.تلقي التقارير والبلاغات والشكاوي بخصوص جرائم الفساد المقدمة إليها ودراستها والتحري حولها والتصرف فيها وفقاً للتشريعات النافذة.تلقي أقرار الذمة المالية.التحقيق مع مرتكبي جرائم الفساد وإحالتهم إلى القضاء.تمثيل الجمهورية في المؤتمرات والمحافل الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد.التنسيق والتعاون مع الدول والمنظمات الدولية الرامية إلى منع الفساد.التنسيق مع كافة أجهزة الدولة في تعزيز وتطوير التدابير اللازمة للوقاية من الفساد وتحديث آليات ووسائل مكافحته.التنسيق مع وسائل الإعلام لتوعية المجتمع وتبصيرة بمخاطر الفساد وآثاره وكيفية الوقاية منه ومكافحته.جمع المعلومات المتعلقة بكافة صور وأشكال الفساد والعمل على إيجاد قواعد بيانات وأنظمة معلومات وتبادل المعلومات مع الجهات والمنظمات المعنية في قضايا الفساد في الداخل والخارج وفقاً للتشريعات النافذة.اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لاسترداد الأموال والعائدات الناتجة عن جرائم الفساد بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.دراسة وتقييم التقارير الصادرة عن المنظمات المحلية والإقليمية والدولية المتعلقة بمكافحة الفساد والإطلاع علىوضع الجمهورية فيها واتخاذ الإجراءات المناسبة حيالها.اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة لإلغاء أو فسخ أي عقد تكون الدولة طرفاً فيه أو سحب امتياز أو غير ذلك من الارتباطات إذا تبين أنها قد أبرمت بناء على مخالفة لأحكام القوانين النافذة وتلحق ضرراً بالصالح العام وذلك بالتنسيق مع الجهات المختصة قانوناً.رفع تقارير موحدة كل ثلاثة أشهر عن ما قامت به من مهام وأعمال إلى رئيس الجمهورية ومجلس النواب.وكان ينبغي على الهيئة لكي تنجح في تنفيذ تلك المهمات الماثلة أمامها أن تهتم أولاً بالبناء التنظيمي والمؤسسي لها من خلال أعداد اللوائح التنظيمية والتنفيذية وآلية العمل الداخلية، ولكن الهيئة منذ تشكيلها قبل قرابة عامين لم تستطع الإيفاء بذلك وتمارس نشاطها بدون وجود تلك اللوائح حيث يلزمها القانون في مادته (47) بإصدار اللائحة التنفيذية للقانون خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر. كما أن اللائحة التنظيمية التي تحدد تقسيمات الجهاز التنفيذي واختصاصاته لم تنجز هي الأخرى بعد فلا زال العاملون في الهيئة دون تحديد لوضعهم الوظيفي لعدم وضوح الإجراءات، وعدم حسم منصب الأمين العام الذي يكون مسئولاً أمام الهيئة عن إدارة وتسيير النشاط اليومي للجهاز التنفيذي الذي تحدد اللائحة مهامة واختصاصاته.ولا أجد مبرراً لدى الهيئة في عدم انجازها للوائح الخاصة بعملها ففي حالة عدم توفر الكواد لديها لانجاز ذلك يسمح لها القانون في مادته (12) أن تستعين بخبراء ومستشارين ممن تراهم مناسبين أو من موظفي الجهاز الإداري للدولة فهل كان في ذلك الأمر صعوبة؟ وبفعل عدم انجاز الهيئة للوائحها فقد جعل نشاطها متعثراً وخاضعاً للاجتهادات مما أوقع الهيئة في اخطاء وكان ينبغي تجنبها أن وجدت اللوائح وباعتبارها مؤسسة وطنية مستقلة تقوم بالدفاع عن حقوق الناس وصون كرامتهم وتحقيق مبدأ العدل والمساواة كان يتطلب منها أن تقدم النموذج والقدوة للإيفاء بالمهمات المتنصبة أمامها التي من الصعب الوفاء بها في ظل وضعها الحالي.. ومما زاد الأمر سوا أن قامت الهيئة بتوظيف موظيفها على أساس العلاقات الشخصية باعتراف من أعضاء الهيئة حتى صار محرجاً لبعض أعضاء الهيئة مراجعة كشف الاقارب وذلك مخالفاً للقانون الذي ينص في مادته (13) على اختيار الهيئة كادرها الإداري والفني من ذوي الخبرة والكفاءه والنزاهة والتخصصات العلمية وبشفافيه وعبر المنافسة وفقاً للمعايير التي تحددها اللائحة التنظيمية التي أتاح عدم وجودها الفرصة أمام أعضاء الهيئة لكي يوظفوا فيها من أقاربهم لعدم وجود المعايير التي لم تتحدد بعد بفعل غياب تلك اللائحة.وبحكم العلاقات الشخصية التي رافقت اختيار كوادر الهيئة فقد يولد ذلك لا قدر الله إلى بروز الفساد في الهيئة الأمر الذي ستجد الهيئة نفسها ضعيفة في نشاطها في مكافحة الفساد في أجهزة الدولة.كما أن قانون مكافحة الفساد يحث الهيئة على وضع استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة الفساد تهتم بكل تفاصيل العملية ولعدم انجاز الهيئة لتلك الاستراتيجية فقد مثل ذلك هو الآخر إبرز وأهم العقبات التي أسهمت في عدم تطور وضع الهيئة ونشاطها إذ أن العمل بدون استراتيجية شاملة وواضحة المعالم لا يساعد على تحقيق المهام المنتصبة أمام الهيئة. وأثر ذلك بدوره على ضعف علاقة الهيئة مع الأجهزة والمؤسسات الأخرى الرسمية وغير الرسمية وخاصة القضاء والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة واللجنة العليا للمناقصات ولجنة مكافحة غسيل الأموال وأجهزة مكافحة الفساد في جهاز الأمن القومي وجهاز الأمن السياسي ووحدات المكافحة والتحري في وزارة الداخلية لعدم وضوح رؤية الهيئة لشكل تلك العلاقة التي يجب أن تقوم على روح التعاون والتكامل عبر اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم يحدد إطارها القانون وترسم ملامحها رؤية مشتركة في تحقيق الهدف الأمثل وهو مكافحة الفساد. وفي تلك العلاقة مع أجهزة الدولة يجب أن يحظى باهتمام خاص علاقة الهيئة مع الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بحيث ينتقل هذا الجهاز من مبدأ الرقابة اللاحقة إلى مبدأ الرقابة السابقة والمصاحبة للعمليات المالية للدولة وهو الأمـر الذي يتطلب تعديل قانون هذا الجهاز بما يؤمن معه تحقيق فعاليته ويأتي مكمـلاً لعمل الهيئة في تحقيق الرقابة ومنـع حـدوث المخالفـة وأنزال المساءلة في الوقت المحدد.ومما يؤكد ضعف نشاط الهيئة في مكافحة الفساد ما أشارت إليه منظمة الشفافية الدولية في تقريرها الأخير الصادر في سبتمبر من العام الماضي بأن الفساد في اليمن لا يزال متربعاً على عرش اليمن حيث تقهقرت اليمن للعام الثالث على التوالي من المركز 111 في عام 2006م إلى المركز 141 في عام 2008م.ومع تحديدنا وبصوره موجزة لبعض الاخفاقات التي رافقت وترافق نشاط الهيئة العليا لمكافحة الفساد فذلك لا يعني أنها لم تضطلع بأي دور في سياق تنفيذها للمهمات المناطة بها لكن ما حققته من نشاطات هنا أو هناك لا ترتقي إلى جسامه المهام المطروحة أمامها حيث انحصر نشاطها خلال قرابه عامين وحسب المعلومات المتوفرة لدى وبصورة موجزة بالآتي:تفعيل قانون الذمة المالية والذي مناط بالهيئة تنفيذه، حيث تمكنت الهيئة من استلام أكثر من أربعة آلاف استمارة إقرار الذمة المالية حتى مطلع النصف الثاني من العام الماضي وتم تدشين تنفيذ القانون من مجلس الوزراء ونوابهم.استلام مجموعة من البلاغات والشكاوي التي دخلت في اختصاص الهيئة وانجزت الهيئة حتى مطلع النصف الثاني من العام الماضي (6) قضايا رفعت (4) منها إلى النيابة العامة كما أن هناك قضايا أخرى في طريقها إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات بشأنها.تشكيل لجنة من قبل الهيئة للتنسيق مع النيابة والقضاء مهمتها تنفيذ آلية عمل الهيئة مع القضاء بهدف الإسراع في بحث قضايا الهيئة والوصول إلى نتائج سريعة بشأنها.المشاركة في دورات تدريبية مشتركة لأعضاء الهيئة بهدف توحيد الروى لديهم للقضايا المنوطة بالهيئة.إلغاء الاتفاقية التي تم توقيعها بين وزارة الكهرباء والطاقة وشركة باورد كوربوريشن الأمريكية لبناء مفاعلات نووية خلال عشرة أعوام بكلفة 15 مليار دولار، والتي أقرت الحكومة في اجتماعها المنعقد في 30/10/2007م عدم الموافقة عليها لعدم أهلية الشركة لتنفيذ المفاعلات النووية.تشكيل ثلاثة قطاعات في الهيئة تعمل في مجال التوعية والتثقيف والتي ستعمل خلال الفترة القادمة على تحقيق الشراكة في هذا الجانب مع منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام لكي تلعب تلك الجهات دوراً بارزاً في مساعدة الهيئة في جانب التوعية والتثقيف.متابعة البلاغات التي تنشرها وسائل الإعلام والتي تعد بلاغات رسمية للهيئة حسب ما ورد في القانون في مادته (24) الذي أكد على ضرورة أن تأخذ الهيئة تلك البلاغات بجدية.الإعداد والتحضير الواسعين لورشة عمل تقيمها الهيئة هذا العام تناقش فيه تعارض التشريعات والقوانين بحضور جميع الجهات المعنية بغية الوصول إلى تعديل القوانين الغير مناسبة لاختصاصات الهيئة. مع العلم أن قانون مكافحة الفساد لا يتعارض مع القوانين الأخرى فحسب بل ويتناقض مع نفسه من حيث تعريفه للفساد في المادة (2) والمادة (30) وهو الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في القانون لكي لا يناقض نفسه بين مادة وأخرى وإعادة النظر في القوانين والتشريعات الأخرى لكي تأتي منسجمة مع روح هذا القانون.العمل خلال هذا العام على فتح فروع للهيئة في المحافظات بغية التخفيف على المركز الرئيسي في صنعاء ولمساعدة جميع الأشخاص الذين لديهم شكاوي وقد اجاز القانون في مادته (6) انشاء مثل هذه الفروع التي ستشكل دفعة قوية لعمل الهيئة وسيعزز من دورها ومكانتها.عقد لقاءات بين الهيئة وبعض أجهزة الدولة لكنها لم تكن ذات جدوى لغياب الرؤية الواضحة لدى الهيئة للعمل مع تلك الأجهزة للأسباب التي أشرنا إليها سلفاً.إصدار نشرة يومية للهيئة تكشف من خلالها عن القضايا الحقيقية وتبدأ في متابعتها. إلا أن تلك النشرة محدودة التداول. واقترح تطويرها إلى صحيفة يومية تكون في متناول الجمهور.المشاركة في المؤتمرات العربية والدولية المتعلقة بمكافحة الفساد. وفي الوقت الذي أدعوا فيه الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد إلى مضاعفة جهودها لإنجاز اللوائح الخاصة بعملها وإعداد الاستراتيجية الوطنية الشاملة لها حتى تتمكن من إرساء الأسس السليمة لعملها وتؤمن معه تحقيق النجاحات في تنفيذ المهمات المناطة بها لمكافحة الفساد فأننا أدعوا في الوقت ذاته جميع أجهزة الدولة ومنظمات المجتمع المدني وكافة أبناء شعبنا إلى موازرة جهود الهيئة لمكافحة الفساد باعبتاره قضية مجتمعية كما ادعوا القيادة السياسية بزعامة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح إلى تقديم العون اللازم لهذه الهيئة بما يمكنها من تجاوز العثرات المعيقة لنشاطها ويمكنها من تحقيق خطوات متقدمة إلى الأمام في إنجاز المهام الماثلة أمامها.
|
اتجاهات
هيئة مكافحة الفساد .. النجاحات والإخفاقات
أخبار متعلقة