عبدالله علوان:عبدالله عبدالوهاب نعمان شخصية متعددة الاثر فهو سياسي صادق ، عشق السياسة ولم يجن منها غير الخيبة التي اعقبها الندم ، وندم أعقبه الحزن والضياع .وهو إعلامي صادق وجاد ، حاول ان يقول وقائع الاحرار المغدورة وتجربتهم الضالة ، ولكن هذه الوقائع ساقته إلى القمع والارهاب ، فاغلق صحيفته واتجه إلى الأدب ، والى الشعر ، فهل وجد الحقيقة في الشعر والادب بعد أن فقدها في السياسة والإعلام.ولم يترك اثراً سياسياً ، إلا من حيث هو واحد من اعضاء حركة الاحرار ، أو لانه ترعرع في وسط سياسي في بيت النعمان ومنها إلى حركة الاحرار ثم إلى وزارة الإعلام ، وكان إعلامياً بعدما ترك صحيفة الفضول ، التي لم يحاول أحد ان يدرسها .. وترك وزارة الإعلام التي تقلد فيها وزارة لم تستفد منه أكثر مما استفاد منها .فمن بيت النعمان خرج الليبرالي المهزوم والسياسي المغدور ، ومن حركة الاحرار خرج الصحفي الساخر ومن الصحافة خرج الشاعر .كانت التجربة السياسية تجربة مريرة لم تترك فيه غير مشاعر الضياع والضلال ومشاعر الحزن والندم على حب غدر به عشاقه واجهزوا عليه ومشوا على اشلائه وفوق دمائه .وكانت الصحافة تجربة اكثر مرارة من السياسة لان الصحافة ان لم تكن ذيلاً للسياسة فهي الشر الذي يجب على كل سياسي ان يجتنبه .[c1]ثم كان الشعر [/c]والشعر عند عبدالله عبدالوهاب نعمان ، قليل ولكنه الشعر الصادق ، يستوي في ذلك قصائده السياسية في ديوان "الفيروزة" أو قصائده الغنائية التي تشرق علينا بصوت أيوب طارش يومياً ونطرب لها طرباً يصل إلى حد الخفة فكل انسان يستخفه الطرب اللذيذ .قصائد الفيروزة تكاد توجز تجربته السياسية في عدة قصائد ، مثل " الفيروزة " و "ركاب المجانين " و "معبد الاوثان " و "الخوازيق" ، و "غناء للوحدة " و"عرباً كنا " وقصيدتي " اغنيات للشمس" و "وثيقة الشمس" ولا يعتد بقصيدة في "ذكرى 1948م" فهي محاججة شعرية متأخرة عن قصائد الاولى.وفي ذكرى 1948م ، تأتي التجربة موزعة على عدة جهات الاولى جهة الحركة كما يقول المطلع :[c1]في مشرق الاصباح صغت بياني وحبكته في ضوئه الفتانونسيت احزاني بها وكم ولعت نفسي ، وكم جنحت إلى اشجاني [/c]وفي هذه القصيدة يستعيد ذكرياته بثورة 1948م وبموقف عاطفي مترع بالحنية دفاعاً عن تجربة لم يتم لها النجاح او هي مجرد بسمة اصطرعت بين شفاه الاستعمار والامامة وانجز عليها الامام أحمد ومن ارتد معه من الاحرار .وجهة ثانية هي طلائع الحركة كما في قوله :[c1]كم بازغ بدأت به أيامهمكسوة غرراً من الإحسان [/c]و"البازغ" كناية عن الطلائع الجديدة التي رأت في الاحرار موقفاً لايجب إنكاره أو القذف به إلى اطلال ابراهيم ناجي هكذا بدون مراعاة التجربة .وجهة ثالثة هي جهة العاجزين فيقوله :[c1]ماذا يريد العاجزون ..؟وما له ..؟ولايستقر ترنح العرجان ..؟[/c]والعاجزون كناية عن اولئك الذين لم يصلوا إلى عنب الاحرار فنعتوه بالحامض ، وهم المعنيون بقوله :[c1]حقد القصور على التفوق محنةتلقى الحياء بسوأ العريانولطالما لقي الكمال خصومهشتمته فوق منابر النقصانلايحمل السيف الشريف غضاضةان طاولته هشاشة العيدان[/c]أما قصيدة "ركاب المجانين" فهي تصدر عن معاناة سياسية واضحة ، ومعاناة تزفر باسئلة هي جزء من أدبيات حركة الاحرار :[c1]كما تسآءلت ولم الق جواباًاين عن ارضي وجه الصدق غاباأي أرض هذه لم تبق بها الآثام للخير حساباًشبعت كل الحقارات بهاومضت كل الطهارات سغاباكمن فؤوس فوقها جأت تعمل في الاخلاقفصلا واحتطاباكلما قلت(انتهى السؤ عليها(يتبدى هرم السوء شبابا[/c]الاثام كناية عن تاريخ الامامة كما يصف ذلك الشهيد محمد أحمد نعمان في مقالته " التاريخ الآثم" والحقارات ، استعارة تعني النجاسات التي يقابلها بالطهارات والطباق بين الحقارة والطهارة بيان لقوى الشر وقوى الخير ، دون تحديد لهذه القوى من تلك ، والبيت الاخير مأخوذ من قول الشاعر القديم :[c1]كلما قلت عساها تنجليقالت الأيام هذا المبتدى[/c]هذه القصيدة "ركاب المجانين" لاتكاد تفصح ولاتبين طبيعة هذه القوى من تلك ، لكن يجب الاخذ بالحديث القائل : كل يحدثك من حيث أني" أو كل إناء بالذي فيه ينضح فليست حركة الاحرار جنساً خالصاً من التطرف أو الجنون وفساد القياس كما في قوله عنهم بالقصيدة :[c1]كم أذلوا العقل نبذاً واجتنابا وأقاموا للمجانين قباباواحتووا ملء مراعيهم ذئابا......الخ ص 36 .[/c]ليس المجانين، أو ركب المجانين، قوة متطرفة على الشاعر ومن خارج الحركة ، بل هي من قلب الحركة ، بالمعارضة أو بالخلاف المضاد لها .. فكل هذه السياسة هي احزاب مجنونة تسير بسرعة تفوق الصواريخ القاتلة والمدمرة ومثل هذه السيارة المجنونة نجد قصيدة "معبد الاوثان" التي وان أخذت دلالة لغوية رصينة (معبد) إلا انها دلالة لاتنطوي على أي معنى للعقل ، فاضافة الاوثان إلى المعبد، لايعني غير الصنمية أو الوثنية الفاقدة للقوى العقلية وعندها يتساوى ركاب المجانين بعبيد الاوثان :[c1]معبد الاوثان لم أدخله يوماً لكي يعبد عقلي وثناًاو تجد في المهانات لهاهابطاً يحبو إليها مذعناً[/c]فعبادة الاوثان ، وهي كناية عن الصنمية الحزبية أو التسليم بالبيانات السياسية المخادعة ، هي اكثر جنوناً من بيانات التحريض السياسي وشغبه :[c1]كل من جاء حسبنا إنهقد أتي في ليلنا الداجي شهاباوحشرنا حوله أنفسناموكباً يصنعه ضخماً مهابا[/c]والموكب كناية أو رمز إلى هذا الحزب السياسي أو ذاك ، فكل حزب هو موكب للجنون ، وكل حزب هو معبد للوثنية الحزبية .لكن تجربة الشاعر السياسية هي اكثر صدقاً في قصيدته " الفيروزة" وهي قصيدة تقوم على بحر الخفيف وقافية المتواتر :[c1]اين أشواقنا ..؟واين هوانا .. ؟كيف سرنا إلى الدجى من ضحانا .. ؟والهوى كان أمننا فغدرنا بهوانا حتى فقدنا الأمانا سوف نبقى بعد الهوى يا حبيبيلانلاقي على ظلال مكاناوسيمشي مع الندامة والاحزانفي ذمة الضياع كلانانثرتنا الرياح لليل لانعرف فيها بأي فج رماناكبرياء مني ومنك اطعناها فجئنا ضلالنا من هداناوسقطنا من السماء وقدكان على وجه فجرها مستواناوسرحنا في ردة واكتسينابدل الضوء مقتها واكنساناوذبحنا اشواقنا ومشينافوق اشلائنا وفوق دماناورزحنا تحت الخطيئة في الأرض كانا بها صلبنا اباناوالمحبونأهون الخلق ــ في الخلق ــ إذا كان فيهم الحب هانا [/c]هذه التجربة الشعرية ، ليست تجربة حب فاشلة ، ولا هي تجربة صداقة عابرة .. أو ما إلى ذلك من تجارب شعرية ، بل هي تجربة سياسية اصلها تجربة الاحرار ، وان تأثر فيها باطلال إبراهيم ناجي ، إلا أنها تختلف عنها جملة وتفصيلا ، فليس الهوى عند الفضول صرحا انهار ، كما عند اطلال إبراهيم ناجي ، وراح يندبه بلغة رومانسية. وانما الهوى هنا تجربة بدأ السير فيها من الضحى إلى الدجى ، أي من الثقافة الإسلامية إلى دهاليز الليبرالية التي لايكاد يفهمها ولا واحد من الاحرار فهي ورطة ، أو جردة كما يقول محمد أحمد صيرة في كتاب محمد نعمان " من وراء الاسوار" أو نكبة رثاها الشهيد محمد محمود الزبيري وغادرها إلى معقله التليد "حزب الله" وحزب الله هو اصحاب الكتاب والسنة .هنا عبدالله عبدالوهاب النعمان ، يعتبر الحركة سارت سيرا مضاداً للحق أو ان منطلقها من الضحى إلى الدجى ، كان منطلقاً تحكمه الانفعالات والاحقاد السلالية ، أو قل ان التجربة كانت تحركها رياح هوجاء قذفت بالاحرار والامامة معاً إلى فج لايعرفونه او إلى هياج الحرب والدمار .وكان هذا السير يقوم على المقامرة والمغامرة أو هي كبرياء اطاعها الاحرار وانصاعوا لها انصياع العبد لسيده ، فكانوا كمن ترك هداه إلى الضلال : "اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم .. الاية" ، ومن ثم كان السقوط المريع ، سقوط الحركة بصورة ابشع من سقوط النمرود .كانت الحركة ، ردة من جادة الحق إلى دهاليز الحزبية الغادرة فاكنسوها بالكره ، والبغضاء من الجماهير حينها ومن التاريخ حتى اليوم ، ثم اكتساهم المقت والكراهية أبد الدهر ، حتى اصبحت الحركة ندبة في جبين التاريخ المعاصر ، وندبة لايقدر على محوها أحد أو هي الخطيئة التي تفوق خطيئة قابيل واصبحوا مطاردين بهذه اللعنة التي لاتغتفر ، إنها لعنة الشيطان وسقوطه من الجنة مذموماً مدحوراً .[c1]لانرى مأمناًولو ان للغفران ارضاً ، لكان عنها نفانا [/c]لماذا .. ؟ لانهم كفروا بأنعم الله فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف ، بما اقترفوا من آثام :[c1]لو فقرنا من الوجود وكان الحب قد عاش بيننا لكفانالم يكن ما بنا من الحب إلا ،لؤلؤاً فوقها اردنا رحانا .. ![/c]كان سوء فنهم بس موقف الواعي ، وانما موقف الظن :[c1]خدعتنا الظنون أنابها اكبر من حبنا وأكرم شأناورأينا على الحقيقة ان الحقيقة من لوحة العظيم محانا [/c]ستقولون اطلت الكلام في السياسية ولم تدخل في اغاني الفضول ، فما هي اغاني الفضول ، وما كنهها .. ؟ هل هي مجرد تجربة حب عاشها وعبر منها .. ؟ وأقول هذا صحيح ، لكن الحب الطارىء عليه ليس سبب هذا الشعر ، وانما هو الباعث الذي فجر الطاقة الشعرية ، واتجه بها إلى عالم الحب الصادق والشعر الذي انسبك بمعاني الحب في اسبانيا متأثراً بمناخها اللطيف :[c1]مكانني ظمآنشق الظمأ قلبيواشعل في عروقي الظمأوالحب لايكفيه شنان ماء والحب لايرويه ماء السماء [/c]هذا المقطع فيه من الايحاء ما يكفي من القول بأن الرجل رجع إلى ضلاله القديم الذي لايقر بأن الارزاق مقدرة وفي السماء من الرزق ما يكفي اليمن عبر التاريخ .. ؟ قال تعالى : " وفي السماء رزقكم وما توعدون " لكن الفضول لايرى في ما السماء ما يرويه .. ؟ ولا في الامطار ما تكفي الأرض ومن عليها ..؟ ستقولون هذا شعر في الحب ، وأقول هو شعر في الحب ، ولكن الشاعر كتب هذه القصيدة في اسبانيا وتحت تأثير مناخها الاوروبي .
|
ثقافة
عبدالله عبدالوهاب .. غدر السياسة وصدق الشاعر
أخبار متعلقة