[c1]مبارك سالمين بعض صعوبات النقد في الشعر العربي المعاصر[/c]كثيرة هي الصعوبات التي يمكن ان تعترض النقد العربي للشعر المعاصر لأنه إذا اعتمد المقارنة الكلاسيكية انقطعت به السبل بين الدال والمولول وما بينهما ، فاسرار البلاغة والنحو وحدها ـ حسب تقديري ـ لم تعد كافية لتحليل كثير من النصوص المعاصرة ولم تعد قادرة على أن تعمل كما يجب على تأطير الانزياحات التي تجترحها النصوص الشعرية الحديثة وما تكتنزه من أساطير وتصوف وايديولوجيا وفلسفة .. الخ . وخاصة قصيدة النثر ، وإذا اعتمد النقد على مقاربات الحداثة ومابعد الحداثة فانه سيكسر عنقه وهو ينظر إلى ذلك البرج العالي الذي انتجته العلوم الانسانية الحديثة من نظريات في النقد واختلاط بينها وبينه . ويمكن الاشارة هنا بصورة مبسطة إلى أن اهم هذه الصعوبات : تكمن في تلك العمارة الضخمة لماكينة النقد الادبي بمساراته واتجاهاته المختلفة والتي اصبحت شركاً جاهزاً لعدد غير قليل من الدراسات النقدية ، يضاف إلى ذلك لغة الشعر العصية الدائمة الحركة وغير القابلة للضبط ، لغة نافرة مكتظة بالانزياحات والالتفاتات الصادمة للتنظير والبلاغة وسائد المعاني ، ولايعني ذلك ان لغة الشعر تقع خارج وظيفة الكلام التواصلية ولكنها لغة تدفع بالانزياحات اللغوية إلى حدودها القصوى ،واحياناً باتجاه اللامعقول من الكلام (لقبوني بالغامض وكان الشعر مقصدي) سان جان بيرس .كما ارتبط النقد الأدبي ارتباطاً وثيقاً بالفلسفة والنظريات الاجتماعية وعلم النفس .. الخ .. أضاف متاعب جديدة للنقاد وجعلهم يعانون كثيراً من صداعات المنهج ولوازم المدرسة وفرضيات التحليل التي تتعاظم تعقيداتها وغموضها مع كل اضافة او تفسير أو شرح ، الامر الذي يدخل المشتغلين بالنظرية النقدية وخاصة اللذين جاءوا اليها من الحقل الادبي الصرف إلى ما اسماه (إيان كريب) في كتابه (النظرية الاجتماعية) ، شرك الاحجية (PUZZLE TARP). ولنأخذ على سبيل المثال النقاد البنيويين اللذين جاءتهم النظرية من علم الرياضيات والانثروبولوجيا والاجتماع وعلوم اخرى مبعثرة ، هؤلاء نجدهم في معظم نتاجهم النقدي ـ وليس كله بالتأكيد ـ يذهبون ضحية المنهج وصعوباته ، حيث الجداول الاحصائية والتكرارات التي يفترض (انها توضيحية لبنية النص الشعري، رسوم ودوائر ومتوازيات واشياء اخرى كثيرة .. تدخل القارئ في متاهة ليخرج منها في نهاية الامر مجهداً مرهق الفكر ، وقد فقد توازنه تماماً ،وابتعد اميالاً عن النص الشعري، بدلاً من الاقتراب منه) عبدالعزيز حمودة 1998 ص 44 والسبب في ذلك يمكن ان يرجع إلى الوقوع في شرك المدرسة / المنهج ومتاهاته، الشرك الذي يمكن ان يبدد الجهود ويمضي بعيداً عن المتن الشعري ـ فللمنهج اغراءاته وغوايته التي استغرقت نقاداً كباراً في مجال النقد الأدبي في العالم العربي ،وفي اليمن بالـتأكيد بالرغم من قلة الانتاج النقدي في مجال نقد الشعر اليمني المعاصر ، وضعفه عموماً ، إذا استثنينا ما كتبه الدكتور عبدالعزيز المقالح وبعض الاطاريح العلمية الجادة التي تقدم بها بعض طلاب الدراسات العليا في الداخل والخارج (كمتطلبات) للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه ،وبعض الدراسات الجادة هنا وهناك مثل (رحلة في الشعر اليمني ، قديمه وحديثه) لعبدالله البردوني و (الكلمة والكلمة الاخرى) لعبد الرحمن فخري و(قصيدة النثر في اليمن ، أصوات واجيال) للدكتور حاتم الصكر ، وغيرهم ولا تخلو الساحة الثقافية ايضاً من بعض الدراسات الجيدة ولكن المكتنزة بالخطابة والايديولوجيا والتاريخ والمجاملة احياناً ، وسنأتي في هذه الدراسة على محاولة قراءة سريعة لبضعة فصول من بعض الدراسات النقدية) كمتطلب لانجاز هذه الورقة.[c1]بعض ملامح الوقوع في شرك المدرسة [/c]قبل الولوج في تحديد بعض ملامح الوقوع في شرك المدرسة ومظاهرة ارى انه من الضروري تحديد المعنى المقصود بالمدرسة حتى لانقع في شرك الالتباس المفاهيمي ،ويفهم من ذلك اننا نقصد المدرسية بمعناها الفلسفي والتاريخي ، كما ان معنى المدرسة لدينا في هذه الورقة لايقتصر على التأطير المنهجي أو المذهبي الذي يتبعه الناقد في التحليل بكل تعقيداته ، وأنما هو مفهوم يمكن ان يتسع لجميع عناصر ورموز الفضاء الثقافية والاجتماعية والتي يمكن ان تلف العملية النقدية برمتها ابتداء باختيار المادة الشعرية موضوع النقد مروراً بالتأطير المنهجي على هذا النحو أو ذاك وانتهاءً بخضوع هذا كله لاملاءات رأس المال الثقافي والرمزي للمجتمع كموجه هام للذائقة الثقافية والنقدية بالضرورة ويتجلى ذلك الأمر في مجال الأدب مثلاً في الاحترام المبالغ فيه لعمود الشعر وعدم الترحيب بالتجارب الشعرية الجديدة ، وهو الأمر الذي تؤكده الاختيارات المدرسية لمقررات الشعر ورموزه ومقاييسه في جميع مراحل التعليم من التعليم الابتدائي وحتى الجامعة ، حيث يندر ان تجد نصاً شعرياً حداثياً في رحاب المؤسسة التعليمية العربية وكأن التجارب الشعرية الحديثة وبالذات قصيدة النثر من الامور المخلة باخلاقيات المجتمع (السوي) وليست هذه المسألة عفوية بالتأكيد. لانها ليست كذلك ، فهي على الدوام قصدية تهدف إلى تعزيز السكون في الحياة الادبية وفاعليتها الاجتماعية ، وقد يحتاج اثبات هذا الامر إلى تحليلات سوسيولوجية ونقدية ومعرفية معمقة لايتسع لها المجال الآن .وبهذا المعنى فإن بعض ملامح الوقوع في شرك المدرسة يمكن ان تتجلى في :1- استغراق الباحث / الناقد في استظهار معارفه النظرية في منهج أو مدرسة ما ، فيصدح بكل ما يعرف وما لا يعرف في البلاغة والهندسة والجبر والتشكيل لتأكيد انتمائه للمدرسة التي اعلن عنها في بداية العمل المرجو منه ان يكون نقداً ادبياً يساعد المبدع والقارئ، ثم ينحرف عن هذا كله لعدم مقدرته على تقديم مقاربة جمالية كما ينبغي ، ونجده قد غرق واغرقنا معه في بحر مفارقته العجيبة التي تركت المتن الشعري ولاذت بمحاولات فهم المدرسة التي قطع على نفسه وعداً بأن يلتزم بها .2- اتباع المدرسة لاسباب ليس من بينها سبب اتفاقها مع النص المراد دراسته ، وإنما رغبة في التقليد فتكون الدراسة ، تقليد التقليد، لان الناقد لايمتح من الاصل ، فتضيع العملية النقدية في الهامش المتصل بالمنهج .3- خضوع الباحث لاملاءات ايديولوجية احياناً يغيب معها صوت الناقد / لباحث وتضيع فرص الاستثمار الفكري والابداعي للمدرسة كأداة بحثية ، لأنها مقصودة لذاتها ، كما حدث في بعض القراءات المستندة على الواقعية الاشتراكية التي لم تكن تخجل من تكرار لي عنق الاثر الابداعي بل وكسره احياناً لتؤكد انتصار الحتمية الاقتصادية في آخر المطاف ( ان مفهوم بليخانوف عن الاساس والبناء الفوقي بتركيزه على السببية المتبادلة البسيطة ، قد تجاهل تماماً تعقد وثراء وخصوصية الأدب والفن واخترلهما كنتاجات لنسق اقتصادي مستقل) آلان سوينجوود ـ ترجمة فتحي أبو العينين "2003 ـ ص 19" وكما كنا في آمس الحاجة لبزوغ تيار نقدي واقعي اشتراكي جاد يستلهم الخطوط العامة للنظرية الاشتراكية في مجال الأدب والفن والتاريخ خاصة ونحن من بين أكثر دول العالم الثالث ابتعاثاً لطلاب الدراسات الجامعية والعليا إلى الدول الاشتراكية "سابقاً" سواء من جنوب البلاد او شمالها ، مع فارق كمي ونوعي لصالح الجنوب "سابقا" بحكم انتمائه إلى مجموعة الدول ذات التوجه الاشتراكي غير ان ذلك لم يتحقق إلا في حدوده الدنيا .4- التشبث بمدارس ونظريات صعبة الفهم وغير واضحة يهدف تأكيد الانتماء للتباهي ، فيقع من يستخدمها ممارسة نقدية في اغلالها ،وهي اغلال يضيع معها الأفق الانساني في الابداع الشعري وراء وهم البحث عن النظام المدرسة / النظرية (ان كثيراً من اللذين يصطنعون صناعة النقد الادبي في أيامنا يباهي الواحد منهم بنفسه ، ويدل بمعرفته ويغالي في وصف نفسه بالذوق الفني والاحاطة بجهات المعرفة .. وكأن الله لم يخص بالمعرفة إنساناً غيره ..) بدوي طبانة 1970 ص 66 .5- سطوة ونفوذ رأس المال الثقافي / الرمزي فيما يتصل باختيارات المتن الشعري الذي يجب أن يحظى بالتناول والنقد بل قد يتعدى ذلك الأمر إلى المدرسة / المنهج الواجب اتباعه ايضاً وهو أمر تكرسه المؤسسة التعليمية (وبالذات الجامعة) بشكل صارخ في جميع مقررات الشعر والبلاغة ، بقصد المحافظة على طرائق التفكير والقياس وإعادة انتاجها في التلقي والممارسة النقدية مستقبلاً ودليلنا في ذلك ضعف مشاركة مخرجات التعليم الجامعي في دورة انتاج الحياة الثقافية عموماً .6- واخيراً ، ليس بالضرورة ان تقع الدراسة في شرك المدرسة / المنهج، فهناك باحثون جادون ولديهم القدرة على تجنب ما أسميناه شركاً ، لديهم الافق العلمي الواسع ولديهم القدرة على المناورة والتهيئة لتقديم قراءات نقدية تتسم بالحذاقة والمهارة العاليتين ، ولعل من سنتناولهم في هذه العجالة هم بعض هؤلاء .لا أظن أن (مقاربة نقد الشعر اليمني وشرك المدرسة) على اطلاقها ممكنة في هذه الورقة لما تتضمنه بالضرورة من استطرادات وعرض للمدارس وتناول تحليلي للتجارب النقدية المختلفة ، وتصنيفها تاريخياً ومنهجياً وهو أمر يحتاج إلى كدح بحثي كبير لايستطيعه الباحث الآن ، ولان الأمر كذلك فان هذه الورقة ستكتفي بالتوصيف الاولي للمسألة ، من خلال محاولة تطواف اولي حول بعض الفصول في بعض الدراسات النقدية اليمنية المعاصرة في مجال نقد الشعر المعاصر ليس لنقدها أو التطاول عليها وانما لابداء بعض الملاحظات المرتجلة المبسطة التي عنت لي اثناء هذه القراءة الاولية لعلاقة المتن النقدي بالمنهج أو المدرسة المقترحة من قبل الباحث لتناول هذه النصوص الشعرية أو تلك ، وذلك فيما يلي من فصول مختارة من بعض الدراسات النقدية التي ننظر لاصحابها ببالغ التقدير .يمكن تلخيص مهمة نقد الشعر ولو بصورة مختزلة في محاولة التفهم في ماهية الشعر ومعرفة قواعده ومعايير الحكم عليها جمالياً من خلال كتابة نص معرفي موازٍ للنص الأدبي يتجاوزه أو يرقى إلى مستواه على الأقل ، غير ان ديناميكية الابداع الشعري المتجددة على الدوام أفسدت إلى حد كبير انجاز هذه المهمة على الرغم من ضخامة صرح المنجز النقدي على المستوى التنظيري والتطبيقي منذ حكمة ارسطو مروراًبكل الانجازات العظيمة في تاريخ الادب العربي (قدامة بن جعفر ـ ابن طباطبا ـ والجرجاني ـ وغيرهم ) وصولاً إلى كل ما حققته المدارس والمذاهب النقدية في الغرب خلال القرون الماضية ، ذلك لان الابداع الشعري عصي على المعيارية (والشعر اذ يبدو يكرر نفسه في قوانين وأدوات ، يكون في الوقت نفسه خالقاً لاضافة ما ولو جزئية، الشعر لايتكرر ، بل يتجدد في آلية عصية غير قابلة للتوضح إلا من خلال الاثر) عهد فاضل 2004 ص 8 . وهذا بالضرورة يعني ان تسوية الطريق امام النقد الأدبي ليقول الكلمة الفصل في ماهية الشعر ويحلله أمر بعيد المنال ، خاصة والابداع الشعري وهج دائم ، وزخم هائل لاينقطع دائم التجدد وعلى النقيض منه تقف آليات التعقيد والغموض في المجال النقدي مضافاً إليها الصعوبات .
|
ثقافة
نقد الشعراليمني المعاصر وشرك المدرسة محاولة توصيف أولى
أخبار متعلقة