مرافئ
[c1]* أجمل مسرحيات وقصص وأغاني الأطفال من يوصلها إليهم؟! [/c]يعتبر العلامة العراقي د. حسين علي محفوظ نفسه من " صرعى الكتب" كما كان يفعل القدماء. وقد اصيب بنوبة قلبية عام 1972م، لانه اضطر ذات سنة ان يبيع كتبه تحت الحاح الحاجة وقسوة الظروف.وكان الاديب زهير القيسي وهو قارئ مدمن ايضاً ، وصاحب علاقة خاصة مع الكتاب والمكتبات تمنى ان تكون اغماضيته الاخيرة على حرف ، ويكون على وسادته كتاب لحظة موته.اما الجاحظ فقد قضى صريعاً فعلاً تحت مكتبته.جاكلين كنيدي" ارملة الرئيس الامريكي المقتول جون كيندي شعرت بالصدمة وبخواء الروح بعد زواجها من الثري اليوناني، "اوناسيس" عندما اكتشفت ان مكتبته عبارة عن مغلفات بلاستيكية لزوم الديكور ولاتحتوي على اي كتاب و لم يكن لدى اغنى رجل في العالم حينها وقت للقراءة لكن كان عنده كل الوقت لجمع المال والاستمتاع به !ولم تكن " جاكلين كنيدي" نسيج وحدها في ذلك فقد كان صديقي المرحوم احمد الحنكي " رحمه الله" وكان مثقفاً رائعاً وقارئاً نهما يتملكه النفور اذا دخل بيتاً من بيوت اصدقائه ولم يجد فيه مكتبة ، يقول بحسرة ان البيت الذي ليس فيه مكتبة كالجسد الذي ليس فيه روح!اما الشاعر الكبير محمد سعيد جرادة - رحمه الله- فقد كان يعيب على " الشعراء الشباب ، انهم لايقر أون كفاية ويستعجلون كتابة الشعر قبل ان يحفظوا منه الكثير ، ويشبه هؤلاء بمن يريد ان يسحب نقوداً من " البنك" دون ان يودع فيه رصيداً وكان الجرادة حافظاً لعشرات الآلاف من الابيات ومئات القصائد للشعراء من مختلف العصور!اديب قاسم الكاتب والصحافي المعروف نموذج آخر لاولئك الذين يعتبرون " الكتاب خزانة المعرفة وكنز التراث ووعاء العلم وفيه عصارة العقول وخلاصة الافكار" وكلما زرته في منزله اجده مشغولاً بالمطالعة والكتابة والتأليف وغارقاً بين ارتال من الكتب والاوراق والصحف والمجلات التي راكمها طوال اكثر من نصف قرن ، وانفق فيها جل دخله " المحدود"..مع الوقت تصبح القراءة عادة وربما ادماناً لايستطيع صاحبها الفكاك منه ، ويصبح الامر اكثر تعقيداً اذا كان من ابتلي بها له علاقة بالكتابة وبالموهبة وبحرفة الادب مثلما هو حال صديقي اديب قاسم وامثاله ممن ينتمون الى عالم الثقافة والابداع.وصاحبي فوق انه ابتلي بعادة القراءة الى حد الادمان الحميد، فإنه " مدمن " كتابة ايضاً ، وهو وان منح جزاءاً كبيراً من جهده وعمره لادب الطفل والكتابة للاطفال في الشعر والقصة والمسرح والبحوث فإنه كاتب متعدد المواهب والميول فإن اردته شاعراً فهو شاعر مجيد ، وان اردته مسرحياً فهو كاتب مسرحي ، وان اردته ناقداً وباحثاً فهو ناقد وباحث لايشق له غبار، وله في كل ضرب من هذه الضروب وفي سواها مؤلفات خرج اقله الى النور ومازال اكثره " مخطوطات" لم تجد طريقها الى المطبعة والى القارئ.وكلما زرته ورأيت تلك المخطوطات المرصوصة بعناية في ارفف مكتبته تملاني الحسرة ، واشعر مايعتصر قلب صاحبي من الم ، وهو الم طبيعي لان عصارة السنين من الكتابة الجادة الابداعية وبينها مؤلفات في ادب الطفل من قصص ومسرحيات ومؤلفات في تاريخ المسرح اليمني وادب الرحلات وتاريخ العلاقات العربية - الصينية- بما في ذلك اليمنية وغيرها تنام هكذا في وداعة داخل ارفف مكتبته، وجدران منزله ، ولاتجد طريقها الى الناس الذين كتبها بمداد قلبه لكي يقرأوها،وهب اديب قاسم جزءً كبيراً من وقته وجهده لادب الطفل لذلك فإن من الطبيعي ان يكون عدد كبير من مؤلفاته يدور حول الطفل وعالمه الاثير ، ومن العناوين التي استطعت تسجيلها على عجالة من فوق رف مكتبته :" عشر اغنيات للعصافير" ، " الاقزام والعمالقة" وهما اشعار وقصائد للأطفال ، ومجموعة قصصية بعنوان: " حكاية علبة المداد" ومسرحية : " فرفور اسمر وعين الشمس" ودراسة نقدية في ادب الاطفال و" الضوء الاعمى" وهو سيرة طفولة الكاتب نفسه.وتحتوي مكتبته على مخطوطات اخرى مثل " المسرح الغنائي العربي في عدن" ، " الحكاية تروى مرة اخرى - حكايات شعبية عدنية" ، " العرب والصين - ملامح تاريخية ودراسة مقارنة عن الاديان"، و" يوميات اديب في برلين" وهو مؤلف في ادب الرحلات، " الطائر الاخضر" وهو مؤلف في سيرة الفنان عبدالكريم توفيق ، اما اخر ما استطاعت عيناي التقاطهما فعنوان: روايتين هما : " الظلام يضئ بما فيه الكفاية" و" طواحين الهواء- اوانين النمو".وكنت قد قرأت للمؤلف كتبه الصادرة ، واستمعت كثيراً بمجموعتيه القصصيتين: " العجوز الذي قال وداعاً " و" ارجعي ارجعي ياسلمى" المطبوعتين في بيروت ودمشق ، كما افادتني كثيراً دراسته الموسومة: " ادب الاطفال - دراسة في اصل الظاهرات الشعرية الغنائية عند الاطفال العرب" وعن " دار عبادي" صدرت للكاتب 5 قصص للأطفال هي : " القمر بعدي بعدي، فقاعة الصابون المتكبرة قشة لها تاريخ طويل ، شجرة الصمت الازرق والعصافير المضيئة، التلي باتي" كما له كتاب بعنون: " مزرعة القمر- قراءات وتخطيطات في ادب الاطفال" .اول ما قرأت لاديب قاسم لفت انتباهي عمق اسلوبه وكان ذلك في منتصف الستينيات من القرن الماضي وكنت مجرد قارئ يتلمس طريقه الى عالم الكتابة الرائع والصعب وكان هو يكتب في مجلة الـ ( B-P) الصادرة عن " المصافي" بعد ذلك بسنوات التقيت به في عدن ، وتزاملنا لفترة على صفحات " 14 اكتوبر" هو كاتباً لزاوية اختار لها عنواناً دالاً هو " قبص .. قبص" ومن خلال زاويته هذه كان ينتقد بقسوة كل ماكان يراه خطأ بينما كنت اكتب بين وقت واخر قصصاً قصيرة او مقالات في اوقات متباعدة لانشغالي بادارة التحرير، ولم يكن كثيرون يتقبلون نقده اللاذع وينزعجون منه ..أما اهتمام اديب قاسم بأدب الطفل وحبه للاطفال وانغماسه في عوالمهم فيعود الى وقت مبكر من عمره اي عندما اذاعت له اذاعة عدن في عام 1960م اغنيته ( قفز الحبل) التي سبق وارسلها للإذاعة فإذا به يفاجأ تذاع من الاذاعة بصوت الفنانة ايمان سندي بعد ان قام بتلحينها الفنان حسن فقيه، وكادت الدنيا لاتسعه من الفرح حتى انه لم يصدق ان هذه اغنيته للوهلة الاولى فلم يكن قد تجاوز عمره حينها الثالثه عشرة بعدها غنت له نفس الفنانة ومن الحان نفس الملحن " عيد الهنا" و" الدرهانة" وكان ذلك بين عامي 1962،1967م والاخيرة اشتهرت على نطاق واسع، وكانت تذاع باستمرار في البرامج الموجهة للاطفال وفي جميع الاعياد، وتربت على سماعها اجيال واجيال، ومنذ ذلك الحين لم يبرأ من عشقه للأطفال والكتابة لهم وعنهم ، والتغلغل في عوالمهم المدهشة والمحيرة والان بعد كل هذه السنين التي تقترب من نصف القرن يحز في نفسه ان الكثير مما كتبه لم يجد طريقه الى النشر.وليس هناك ما هو اكثر الماً لكاتب مثقف مليء بالقلق وبالحساسية مثله من رؤية جهد السنين وحصاد العمر يصطدم بعقبة كأداء ليس ماهو اقسى منها على الكاتب والمبدع هذه الحساسية وهذا القلق اللذين يجعلانه في حال تفكير دائم وصاحب موقف من الحياة ، ومن كل مايدور حوله في هذا الكون بما في ذلك وطنه ويجد كل ذلك تعبيره في كتاباته ومؤلفاته ومع ذلك لايحظى بالنشر.واديب قاسم ليس الوحيد في هذه المعاناة، انها مشكلة كل صاحب ابداع في اليمن ، ماعدا قلة محدودة وجدت سبيلاً لنشر انتاجها، اما على نفقتها الخاصة او متوسلة اخرين لطباعتها في الداخل او الخارج.وطالما لاتوجد في بلادنا صناعة كتابة ، ولامشروع جاد لتشجيع طباعة ونشر انتاج الكتاب والمبدعين اليمنيين ماعدا محاولات موسمية هنا وهناك فسيظل هذا هو حال ابداعاتهم مجرد " مخطوطات" على ارفف مكتباتهم كما هو الحال لمخطوطات اديب... !