نبض القلم
مدينة تريم بمحافظة حضرموت تحتفي هذه الأيام بكونها عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2010م وهو تشريف تستحقه هذه المدينة العريقة كونها مدينة قديمة تمتد جذورها إلى أيام التبابعة الحميريين في القرن الرابع للميلاد، وقد دخلها الإسلام في السنة العاشرة للهجرة، عندما عاد وفد حضرموت من عند النبي محمد صلى الله عليه وسلم حاملاً راية الإسلام، حيث كان النبي قد أرسل معهم أول عامل على حضرموت من قبله وهو زياد بن لبيد البياضي الأنصاري، والذي كان يقيم بتريم تارة وشبام تارة أخرى.وعندما جاءه كتاب الخليفة الأول أبي بكر الصديق بوفاة النبي، أخذ البيعة للصديق من أهل تريم فبايعوا أبا بكر. وفي عهده ارتد بعض أهل كندة فأتت بعض جيوش المسلمين لقتالهم، ووقف أهل تريم مع جيوش المسلمين ضد المرتدين، وكان لوقفتهم تلك عظيم الأثر في انتصار جيوش المسلمين، وجرح في هذه المعركة رجال من الصحابة، ومات فيها جماعة من الصحابة الذين شهدوا بدراً ودفنوا في مقابرها.وبقيت تريم تحت راية الدولة الإسلامية أيام الخلافة الراشدة ثم في دولة بني أمية، إلى أن قام طالب الحق الكندي بتمرده على الدولة الأموية عام 129هـ فدخلت تريم وغيرها تحت سلطة الإباضية وانتشرت الإباضية في حضرموت بعد ذلك إلى أن وصل إليها الإمام المهاجر إلى الله أحمد بن عيسى الحسيني سنة 318هـ فقام بنشر مذهب أهل السنة في الأصول ومذهب الإمام الشافعي في الفروع، وخلفه من بعده أولاده وأحفاده وتلامذتهم حتى تلاشى المذهب الأباضي تماماً من حضرموت في أوائل القرن السادس الهجري، على ما هو مذكور في كتب التاريخ، وفي هذه الفترة قدم إلى تريم السلطان عبدالله بن راشد المتوفى سنة 616هـ وأسس فيها دولة آل راشد. ثم أتت بعدها دولة آل يماني التي أسسها مسعود بن يماني عام 648هـ واستمرت دولتهم حتى تلاشت وظهرت على أثرها الدولة الكثيرية الأولى في أواخر القرن الثامن الهجري، واستمر حكمهم حوالي ثلاثة قرون حتى استولى عليها آل يافع، ثم عادت تريم مرة أخرى لسلطة الدولة الكثيرية في أواخر القرن الثالث عشر الهجري، بعد سلسلة من الحروب الداخلية.وكانت الدولة الكثيرية ضمن المناطق الخاضعة لحماية الإدارة البريطانية طوال فترة الوجود البريطاني في عدن والمحميات. وبعد الاستقلال صارت تريم إحدى مديريات محافظة حضرموت، وكذا الحال في مرحلة ما بعد الوحدة المباركة.وتكتسب تريم مكانتها الرفيعة كونها مدينة العلم والعلماء، ففيها بنيت المساجد والأربطة والزوايا، وفيها ظهر الفقهاء والعلماء والمفتون، والمحدثون، فذاع صيتها، وتوافد إليها طلبة العلم من جميع المناطق والأصقاع، ونهلوا من معينها، وتخرج في معاهدها الدعاة والمرشدون والمفتون، وخرجوا منها إلى مختلف الأنحاء والأرجاء لينشروا رسالة الإسلام عن طريق الكلمة الطيبة والقدوة الحسنة. واشتغل أهلها بالتجارة فكانوا مثالاً للأمانة وحسن المعاملة، فتأثر الناس بهم وحذوا حذوهم، لأنهم جسدوا في سلوكهم روح الإسلام ونهجه القويم المسالم، وبفضلهم انتشر الإسلام في مناطق شتى من المعمورة، وعلى وجه الخصوص بلدان جنوب شرق آسيا، وشرق أفريقيا وغيرها، ليس بحد السيف وقوة السلاح وإنما بالمعاملة المثلى والسلوك الحسن، والعمل بما في كتاب الله وسنة رسوله، ما جعلهم مثالاً يحتذى.واعترافاً من المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم بالدور الفاعل الذي أسهمت به مدينة تريم في نشر الثقافة عبر العصور الإسلامية، وتقديراً لإسهامها في خدمة الإسلام والمسلمين، قررت المنظمة اعتبار مدينة تريم عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2010م وهو ما يستوجب الاحتفاء بهذه المناسبة بما يليق بمكانتها العالمية.[c1]* خطيب جامع الهاشمي - الشيخ عثمان [/c]