عبدالله صالح حداد :هذا البحث هو احدى مجالاتي لدراسة شعراء العامية في حضرموت فقد لفت نظري ماذكره عبدالله محمد السقاف في مقدمة كتابه الشهير " تاريخ الشعراء الحضرميين " قائلاً :" على ان للكثير منهم شعراً من النوع الوطني "الخميني" فلم اذكر منه شيئاً الا نادراً لكونه شعراً موضوعياً عمر عبدالله بامخرمة فقال عن شعره ان شعره الحميني دائع الصيت في كافة الاقطار وهو لم يقل الا الحقيقة في مسألة الانتشار والذيوع على راي الاستاذ محمد عبدالقادر بامطرف وعندما تعرض لترجمة الشاعر ( خو علوي) قال : " كما لاهل السماع التغني الكثير بشعره الحميني" واذا كان لهذا الشاعر القليل من القصائد الفصيحة فإن اغلب شعره الشعر الحميني الذي يتغنى به أصحاب الطرق الصوفية واهل الطرب على السواء.ولما كانت لدي رغبة في كتابة شيء من تاريخ الأغنية الحضرمية ورايت ان الشعر العامي قد تفوق على أخيه الفصيح في مجال شعر الأغنية كان الشاعر(اخو علوي) احد الشعراء الداخلين في مجال اهتمامي ولأننا هنا في حضرموت لم نهتم فيما سبق بتدوين هذا النوع من الشعر وبالأخص شعر الأغنية ولا أصحابه إضافة الى ضرورة الاهتمام العام بتراثنا اليمني والشعر العامي والفلكلور.لماذا اخو علويعلى اننا قد اخترنا الحديث عن الشاعر اخو علوي كنموذج لرواد شعراء الأغنية الحضرمية ، لعدة اسباب نجملها في الاتي:ذلك لنطل على النشاط الغنائي في ذلك العصر ولنرى الى أي مدى كان تطوره ورأي العلماء في الغناء والموسيقى ودوره كرائد للاغنية الحضرمية اضافة الى محاولة بعث الشاعر من أضابير التاريخ فقد بدأت نعمة النسيان تصل اليه والى شعره حتى لدى الاوساط الثقافية والادبية ففي وثائق احد المهتمين بالتراث ومن رواة الشعر العامي وجدت " شاعر مجهول الاسم عايش قبل قرون" وكتب آخر:" ان علوي شاعر مغني وعازف على العود وهو من أبناء تريم وعاش قبل نحو مائتي عام".وعاد ليكتب في بحث اخر " علوي هو حسن بن عبدالله الحداد.. وحصل اشتباه علينا في هده التسمية لانه في احدى قصائده يقول " شف خو حسن" فإذا كان اسمه حسن فلا معنى ان يقول .. وهذا يتطلب بحثا في المستقبل" ويقول اخر :" وبعضهم يصعب الحصول على ترجمته ..وخاصة بعض شعراء الحميني غير المترجم لهم في أي من المصادر المطبوعة .. امثال خو علوي وابن زامل وحسين زايد والواحدي وغيرهم وقال مرة أخرى: ليس لدينا معلومات عن شخصية خو علوي حيث يرمز لنفسه بهذه التسمية أكثر من شاعر ينتسبون الى النسب العلوي " علاوة على ان كل الذين سألتهم عنه خاصة الرواة والمغنين وكذلك ما اطلعت على وثائقهم وماكتبوه من قصائده لايعرفون الا كنيته وبعضهم لقبه..كتبه الشاعر ولقبه(خو علوي) كنيته وهي في الاصل اخو علوي ولكنها لهجة حضرمية ومنها حدف (الف) الكنية في أب، اخ، ام ، مثل: بو علي ، بو معجب، بو محاضر او (قالت مهاني) في ( قالت ام هاني) وكذلك : يقول خولتين هو عمر قال او " يقول خو علوي خبريا سعيد منين يالعاشق وصولك"ومن الملاحظ ان الشاعر قد يعيد حرف الألف الى الكنية اذا احتاج وزن البيت اليه كقول الشاعر ابوبكر بن شهاب:قال المتيم بن شهاب الفهيم (ابو علي) حالي عذورة.اما (زين العابدين) او (زين العباد) او (زين) فكلها القاب تيمنا بلقب جده علي ( زين العابدين) بن الحسين بن علي بن ابي طالب. (رضي الله عنهم جميعاً) وكثير من العلويين بحضرموت يتلقبون به الى يومنا هذا.ترجمة الشاعرترجم الشاعر( خو علوي) عدداً من الكتاب والمؤرخين لكنها كلها جاءت دون المطلوب وجاءت بعضها في اسطر قليلة لاتروي غلة وبعضها جاء بها ذكر للشاعر ولكنه عرضً ولم تكن تقصد ترجمته ولسوف تقتصر هنا على ايراد عدد منهم:1)عبدالله محمد السقاف في تاريخ الشعراء الحضرميين.2)د. روبرت سيرجنت في " نثر وشعر من حضرموت"3)محمد عبدالقادر بامطرف في " الشاعر الغزل حداد بن حسن الكاف"وفي " اوراق وثائق خاصة".4)عبدالقادر محمد الصبان في " شعر الجمهور"5)جعفر محمد السقاف في بحث " الادب الشعبي في محافظة حضرموت"6)عبدالله صالح حداد ، ضمن عمود اسبوعي بصحيفة المسيلة بعنوان: اصداء الهجرة اليمنية".وهذه ترجمة مختصرة للشاعر:علي زين العابدين بن عبدالله بن علوي بن محمد الحداد، ولدبحاوي تريم 1105هـ(1693م) وهو سادس اولاد الحداد. وقد رزق به عمره واحد وتسعون عاماً وعنه تلقى اكبر قسط من تعاليمه وأكملها على بقية علماء تريم وكان شديد التعلق بأبيه، فسمع احاديثه ونصائحه وتشبع باوراده وحفظ كل اشعاره لكثرة ترديدها وإنشادها . على ان ميله للتذوق الجمالي لكل مافي الطبيعة جعله يبين عما في خلجات نفسه بأجمل القصائد واعذب الالحان.وقد لزم اخاه الحسن بعد وفاة ابيه لكنه اثر الاغتراب واستقرردحاً من الزمن بمدينة البصرة بالعراق ثم غادرها ليقيم ببلدة (صير) بية عمره حتى ادركته الوفاة فيها في 30 الحجة 1157هـ 1/فبراير/1745م.ان القول بأن الشاعر (خو علوي)احد رواد شعراء الاغنية الحضرمية وانه ملحن ومغني وعازف على آلة العود يتطلب الحديث ولو بصورة موجزة عن تاريخ الغناء بحضرموت.الغناء بحضرموت حتى القرن الحادي عشر الهجرياذا فضلنا الحديث عن تاريخ الغناء بحضرموت بدء من العهد الاول الاسلامي تاركين ماذكره الاخباريون عن حرارتي عاد وعما تخبئه الارض من آثار لم تكتشف بعد فإننا سنجد ان امهات الكتب قد اشارت الى غناء صاحبة عزف على الدفوف والمزامير واثر موت الرسول (ص) ذكر ذلك النسابه محمد بن حبيب في كتابه " المحبر" وعبدالله ابن قتيبه في كتابه " عيون الاخبار" واحمد البلادري في كتابه " فتوح البلدان" وابن جرير الطبري في تاريخه .ونحن جميعاً نعلم ان اليمنيين لم يحبروا كتباً عن الغناء والمغنين ولهذا فنحن نبحث في كل مؤلف اطلعنا عليه ووردت به إشارة ولومقتضبة الى الغناء والمغنين والقصائد المغناة والألحان وآلات الموسيقية ولسوف يكون رائدنا هنا الاختصار ما أمكننا ذلك .في القرن الخامس الهجري نجد بغيتنا في ديوان إبراهيم بن قيس الهمداني الاباضي الذي حكم حضرموت وتوفى كما يقال بالهند نحو عام 475هـ(1082م) وقد حقق ديوانه " السيف النقاد" بدر اليحمدي وصدر عن شركة العالم بسلطنة عمان عام 2002م وفي بعض أبيات قصائده اشارات واضحة الى الرقص والغناء والترنم والقيان والمعازف والمزامير والطبول ولكنها كلها من ممارسات أعدائه الذين لايتذهبون بالاباصنية وكنموذج يقول: *شعارك التدفيف والغناء ومن*شعارنا التحميد والتمجيد*ابا الفضل بات الدين وانطمس الهدي*وصارت بيوت الله مأوى المزامر*يهيم بها المفتون من شرب قهوة*وعزف قيان او لطبل ترنمااما في القرن العاشر فإن الاستاذ محمد بامطرف يشير في كتابه" الشهداء السبعة" ناقلا عن المؤرخ باسباع الى وجود مواخير ومراقص بمدينة الشحر يديرها هنود مع بعض الاهالي والراقصات يجلبن من الهند ومن لامو بأفريقيا ولايمكن الا وان يرافق الرقص غناء او موسيقى على الاقل.وفي نفس القرن عاش ابن الشحر القاضي عبدالله عمر بامخرمة المشهور بالشافعي الصغير ونقرأ بيتا من قصيدة له يصف قصيدة لاحد اصدقائه ويظهر اعجابه بها يقول وكدت اسمع من اطربه نغماكأنما ناطقات العود في أذني وفي ديوان والده الصوفي الشهير عمر عبدالله بامخرمة نجد مالانستطيع حصره هنا من ذكر للمغنين والمنشدين والمطربين من الجنسين وذكر للآلات الموسيقية كالعود والربابة والقصبة والبراعم والمزمار والطار والساج (الطبل) والالفاظ الدالة على الغناء :غن ،نسنس، ردد ويكفي ان ندلل على ذلك ببعض النماذج من شعره:فاكتبوا من كلامي ذي يؤرخ ويكتباكتبوا منه فإنه حين يروي به اعجبصار فيه الطرب وامسى يغني ويطربمطربه مافي المغنى على اهل الهوى عارماعليهم اذا ناحوا بتلحين الاشعار ذا غناء يافضيحته صوتش او نغمة العوداوسرت لي سرية من مزامير داود صوت ذا شي يرد الروح في كل ملحود ياعجب ياعجبمن سار معنا تعجبزمرنا والقصب والطار والطبل يضرب كم وكم فيك حكمت القوافي والاشعارشي على الحضرمي واخر على فقعة الطاروذا ومط احد شفتيه منكراً بأن الشعر ليس دليلاً على وجود الفعل في كل الاحوال، فإننا لانعدم الدليل القاطع في كتاب " مقال الناصحين" لعلاقة محمد عمر باجمال وهو من اهل مدينة شبام المتوفى بشهر جماد الاخر 964هـ(ابريل 1557م) والكتاب برمته نصائح وإرشادات دينية حيث يقول: ( وكذا مجلس اللهو المحرم كالضرب بالطنبور وآلة الاوتار فيجب الزجر عن كل ذلك وهجر المجلس ومواضع التهم كلها ... وهذه الآفة غالبة على جملة اهل هذه الجهة والعياد بالله تعالى).وفي القرن الحادي عشر الهجري فإن لدينا أدلة كثيرة على تعاطي الغناء وممارسته من خلال ديوان اشهر أدباء حضرموت الشاعر عبدالصمد باكثير شاعر الدولة وهو من سيؤن ثم استوطن مدينة الشحر ومات بها عام 1025هـ (1616م) ومن اقواله:في روضة مفروشة ارجاؤها*بالفل والياسمين والريحانيتراقص الندماء من طرب بها* بتراجع النغمات والعيدانثم ان الشيخ العلامة علي بن حسن العطاس :يخبرنا في احدى مخطوطاته بأن الصوفي علي عبدالله باراس الدوعني نهض من مجلس اعد لسماع مطرب على العود بمدينة الخريبة بمعية العلامة عبدالله بن علوي الحداد والد الشاعر المطرب ( خو علوي) وحضر ايضاً الوجيه حسن بن عمر العطاس الذي تبعه مباشرة سائلاً اياه عن سبب تركه المجلس فأجابه " لا اقتدي الا بوالدك سيدي وشيخي وأستاذي عمر بن عبدالرحمن العطاس وهو لايسمع ضرب العود " وكان الشيخ عمر بن عبدالرحمن العطاس صاحب حريضه قد ادركته الوفاة في 22 ربيع الثاني 1072هـ ( 12 فبراير 1662م).وعلاوة على هذا فإن السلطان علي بن بدر بن عمر بن بدر ابي طويرق الكثيري قد تولى حكم حضرموت بعد اخية عيسى بن بدر المتوفى سنة 1081هـ (1670م) بأمر الامام وكان الامام المتوكل على الله اسماعيل قد استولى على حضرموت عام 1070هـ ( 1659م).فقد خرج السلطان علي بن بدر الى حضرموت وبصحبته سالم بن محمد بن ناصر بن وثاب وكان بن وثاب من اشهر ضاربي العود في زمانه قال عنه المؤرخ محمد بن هاشم في كتابه : تاريخ الدولة الكثيرية": " رجل تصدر الدولة عن رأي ومشورة ومهارة وله فهم خارق ونظر في سياسة القبائل".[c1]* يتبع[/c]
|
ثقافة
الشعراء الرواد للغناء الحضرمي اخو علوي انموذجاً (2-1)
أخبار متعلقة