الشاعر، عبدالله هادي سبيت (1920 – 2007)
محمد نعمان الشرجبيالشاعر عبدالله هادي سبيت، حوطة لحج،1920م - 2007م، سيرة بذل وعطاء وطني وإنساني ونوراني. بين الصبا واليفاعة قال الشعر في عمر ربما يزيد قليلاً عن السادسة عشرة، فطاوعه الشعر العامي، فلحن وعزف وغنى بهذا القول الذي لا يقل تفوقه وإبداعه فيه عن قصائده ذات القول الفصيح.شعره وسيرته تكشفان عن إنسان يتحلى بالعرفان، ويتمتع بروح وطنية عالية، واستقامة أخلاقية.. شاعر سيبقى اسمه مرادفاً لقوله..[c1]سألتني عن هوايافتناثرت شظايا[/c]شعر يتنعم بلحن يطرب الأسماع، ويهز القلوب، وكأنما ينظر سبيت إلى الجمال في حواء لا بعين القلب وحده بل بعين العقل.. وكلام مثل هذا لا يصدر إلا عن شاعر بلغ ما بعد أشده الشعري، وتصدر شعراء الغزل إلى جانب لطفي والجرادة وأحمد الحابري.وهو إلى جانب ذلك شاعر وشعر لن يتناهى بتوالي الزمان، وقل من أهل زمانه من لم يردد قوله المغنى بلحني الشاعر الأمير عبده عبدالكريم، والفنان اسكندر ثابت..[c1]هويتـــه وحبيـتــــــه في القلـب خبيتــــــههويتــــه وياليتــــــه تجمل معي ليتــــــههويته ومن أجله تحملت جور الناس وكم يمنعوا أهله وكم كثروا الحراسومن خاطري والروح والقلب حبيته ومن أجل طرفه والحور عشت حبيته [c1]مع الطيــر غنيتــــه مع الزهر شميتــــهوبالصبــر ربيتــــــه وبــــالآه غنيتــــــه[/c] وسبيت العاشق، عندي عاشق يرى في العشق مالا تراه عين في اليقظة والنوم. قلبه من مأواه يحلق، ويخترق مسافات التحليق والتواصل والبحث في المكان والفضاء، ولا يستريح من التحليق ليلاً، حتى هبوب الرياح الرطبة مطلع الفجر، بحثاً عن أنسه الآتي، وعزاؤه شاعر تنسكب دموعه شجناً من غلبة الوجد.. لنقرأ لبعض منها بصوت الفنان الكبير محمد سعد عبدالله.[c1]سرى قلبي المضنى سرى ذاب في الألحان سرى دور المركب ولحن الهوى ربانكــم القلب يتمنى وكم ذاب في الأشجان وكم هـان وتسيبظمــا والهنا وديانمع الطير لا غنى مع الفجر يــارحمـن بكأس الهنا بشربمدى العمر والأزمان[/c]هذه الغنائية وما قبلها، ودمعتك، غالية - القمر كم بايذكرني - والله ما فارقته - يابوي يبوي يابوي - ذا حبيبي - ليه يابوي - يا أبن الناس - يا أبن الغرام - تذكر ياحياة الروح - لا وين أنا - وريت الهوى بالسوية..تحمل من عذب الكلام العشقي حملاً جميلاً، نجوى وغراماً متقداً.. إنها والله غنائيات تفجر الأشواق، وتلهب العواطف بموسيقى شعرية عذبة.هذا الشاعر، قلمه وصوته ونغمات عوده، مذياع كان ينقل هموم لياليه وأحزانها وأفراحها ووقوفه متوهج الغضب يتحدى اخطبوط الاحتلال بعدن في العام 1957م يوم أن شهدت عدن المستعمره صدور قانون (تحريم جمع التبرعات) من بين جملة القوانين الخاصة بالمستعمرة والتي تصدر كتدابير احتياطية، ومواد لقوانين نافذة تتم بموجبها كتم أنفاس الغضب الشعبي، حينذاك قال:[c1]ممنوع تتبرع للذي منك وفيكأو للذي وقت الشدائد يدركوكممنوع تتبرع على طالب فقير خليه وسط السوق يتدرج يسيرلا قد تعلم با يقع فعله نكير قد هكذا قالوا الذي هم يحكموك[/c]ونحن نرى في ابن هادي روحاً تشربت حب الوطن فظل حتى وفاته يجوس بداخله، وعندما نقول سبيت الوطنية الصادقة، والوطنية الصادقة سبيت، فإنما نعني بأن الوطن يعيش بداخل ابن هادي لا ابن هادي الذي يعيش في الوطن وهذه هي الوطنية الصادقة، وللدلالة قال .. [c1]وطن يترجمه الشعور قصيداومنى يردده الفؤاد نشيدا وجعلت من وطني حبيباً حبًّه يملي الشقاء فيكتب التخليدا ما أن شقيتُ به وذبت صبابة إلا طلبت من الشقاء مزيدا [/c]يعشق الوطن، والوطن يعشق عشقه، فتخضر غصون الشعر في نفسه، يهب قلب الوطن نبضاته، ولا أقول هذا إلا أنصافاً والشاعر يعمل بداخله عشق حقيقي لوطن يسكنه، يسكن بين ضلوعه ... لنقرأ..[c1]فيا وطناً حل بين الضلوعلقد فاض بالنفس حرمانهاويا أملاً أرسلته الدموعكما ترسل العين أجفانهاانسلوا هواك وفي جسمنادماء تصلب شريانهاوفي روحنا نفحات الإلهوقد تغلب شيطانها[/c]ليس ذلك فحسب، ولكن تراه في قصائد عشقية أخرى يؤكد على التمسك الذي لا فكاك منه على حب الوطن مهما اعترض هذا الحب من شديد العثرات والهوان بقصائد هي بحق لسان حاله وترجمانه، ومنها:[c1]وطني ما عشت إلا لرضاكوسأقضي العمر كله في هواكذقت في حبك ما أرهقنيوطعمت الهون حلواً في رباك سقمت نفسي وجفت أدمعيوفؤادي لم يزل يتلو ثناككلما آلمني منك الجفازدت للموت اشتياقا في حماك[/c]أما في البعد عن الوطن فلا تراه إلا يعيش حالات التواصل الذهني والوجداني داخل الوطن يبثه نجواه، ويعبر له عن غرامه المتقد دونما التفاته لحسرات ذلك البعد الذي يتجدد في مضجعه كل ليلة، إذ كان في حالة الاغتراب ينفصل عن الوطن شخصاً ويتصل به عقلاً، وذلكم عندي أعلى مراحل السمو الوطني، والالتزام الأخلاقي والعشقي للوطن.وقبل الإغفال نشير إلى أن ابن هادي ذكر في ديوانه البكر، الفصيح/ العامي، الموسوم، (الدموع الضاحكة) بأن أكثر قصائد المناسبات في هذا الديوان، قيلت بين جمع حافل بكل متعطش إلى الحرية، مستعد كل الاستعداد لا فتدائها.ومثل هذا القول لا يصرح به إلا من تشربت روحه حب الوطن.وفي اتجاه آخر، أحسب أن حالة الخوف والتحاشي عن ابن هادي من الحساد تتساوى وعند بقية الشعراء، بما فيهم شعراء العذريين وما جرى لهم من فتن وكيد الحساد،والوشاةالذين قالت العرب فيهم(قاتل الله الوشاة والحساد.وفيهم قال النابغة الذبياني من قصيدة اعتذار لملك الحيرة النعمان بن المنذر:[c1]فلا تتركني للوشاة كأنني إلى الناس مطلي به القار أجربُ[/c]وهذا قيس بن الملوح المفتون حتى الثماله بليلى العامرية يصف خبث كيدهم الذي ينفذ إلى خارج المكان:[c1]ولو كان واشٍ باليمامة دارهوداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا[/c]أما عبدالله هادي سبيت فقال في الحساد والوشاة وما يفعلوه من الفتن والمكائد بين النفوس المتحابه:[c1]صدّقت قول المحارش،ذي بالكياده قتلنيصدقت حاسد ومفتنقد عاب فيني غذرني[/c]والشاعر أبن هادي بعد ذلك كله يجيد فن التشطير ولا يقل جودة عمن قال من الشعراء المحليين والعرب مطولات في نفس الاتجاه على مطولة أمير الشعراء،أحمد شوقي ومطلعها:[c1]يا جارة الوادي طربت وعادنيما يشبه الأحلام من ذكراك.[/c]وفي تشطيرها قال ابن هادي:[c1]قد كدتُ أنسى الوجدَ حتى زارنيطيفَّ اعاد تلهفي فأعادني يليته لمادعوت أجابني(ياجارة الوادي طربت وعادني مايشبه الأحلام من ذكراكِ) [/c]وأصدقكم القول بأني لا أعلم لماذا عندما تقع عيني على قصيدة عبدالله هذه،أو استمع إلى يا جارة الوادي بصوت فيروز،استذكر على وجه السرعة قصيدة الشاعر محمد سعيد جراده،تشطيرية المنحى في،(ياجارة الوادي)،وفي فاتحة المقطع قال:[c1](ياجارة الوادي طربت وعادني)طيف أعاد إلي عهد لقاكذكراك مرت بي فعاود خاطري(ما يشبه الأحلام من ذكراك)[/c]والسلام ختام،ورحم الله الشاعر عبدالله هادي سبيت الذي كانت دموعه تتقطّر شجناًَ من غلبة الوجد.