بيني وبين الليل
بيني وبين الليلمن غير كلام نجوىعطف وقلي الليلليش كل ذي الشكوىرديت عليه : ياليلحتى النجوم تهوىتهوى وتتذكرمثلي أنا وتسهرياليل ..!هذه الأبيات باللهجة اليمنية العدنية، مطلع أغنية رقيقة من كلمات الشاعر الرومانسي الشهير لطفي جعفر امان، ولحن وغناء الفنان العدني المبدع سالم احمد بامدهف، وهي إحدى الأغاني التي اشتهرت في عدن أواخر الخمسينات في الفترة الذهبية للفن في عدن، وكان لطفي أمان احد شعراء عدن البارزين في الشعر الفصيح، وكان ممن شاركوا في تلك الفترة بكلمات الأغنية العدنية باللهجة المحلية، إلى جانب محمد عبده غانم و علي لقمان ، واحمد شريف الرفاعي، وعلي عبدالله امان، ومحمد سعيد جراده، ويوسف سلطان وغيرهم.ولد لطفي أمان في عدن في 12 مايو 1928م في أسرة متوسطة الحال تهتم بالشعر والرسم والموسيقى، فكان شقيقة جعفر يكتب الشعر، وشقيقه فتحي رساماً ( وكان يدرسني الرسم في المدرسة المتوسطة). وكان من أشقائه من يعزف على العود، ومنهم من يغني. أما لطفي فقد كان شاعراً مرموقاً، وكان رساماً جيداً. وقد زين أغلفة بعض دواوينه برسوماته، وكان أيضا يعزف العزف أو مبادئه، وكذلك مبادئ التلحين، فنرى انه، على سبيل المثال، لحن أغنيه " ماكانش ظني"، وقد غنتها الفنانة فتحية الصغيرة التي ارتبطت بالفنان احمد بن احمد قاسم بالزواج، ومن كلمات الأغنية:[c1]ماكانش ظنيتغدر وتخوننيبعد الذي كانبينك وبيني[/c]وقد سافر لطفي أمان بعد المرحلة الثانوية إلى السودان للدراسة، وهناك تطورت ملكته الشعرية، وتأثر بالشعراء الرومانسيين أمثال التيجاني يوسف بشير الشاعر السوداني الذي مات شاباً، وخلف ديوان " اشراقة"، والشاعر المصري محمود حسن إسماعيل، والشاعر التونسي أبي القاسم الشابي الذي توفي شاباً، والشاعر اللبناني الياس أبي شبكة الذي مات شاباً، وبدأ ينشر أشعاره في صحيفة ( فتاة الجزيرة ) لمحمد علي لقمان في عدن وهو طالب، وكان يكاتب أصدقاءه أمثال: محمد عبده غانم، وكان يعده أستاذه، وأهداه قصيدة طويلة بمناسبة نشر غانم ديوانه " على الشاطئ المسحور " ومنها:[c1]ياشاعراً كلما دنت قياثرهحسبت إن مآسي الكون لم تكنتالله مافاض شعر أنت قائلهإلا وخلته لحناً في فم الزمنسجا بي الليل إلا نغمة طفرتكأنها جرس خطو الغادة الحسنهفت من الشاطئ المسحور راقصةنشوى تعربد في قلبي وفي أذنيوودعتني على لقيا فقلت لها[/c]زفي سلامي على الأحباب في عدنوقد عاد لطفي إلى عدن بعد إنهاء الدراسة حاملاً شهادة دبلوم تربية من السودان، وكان زملائه هناك في أثناء فترة الدراسة قحطان الشعبي الذي صار فيما بعد أول رئيس لجمهورية اليمن الجنوبية، والمهندس علي غانم كليب الذي كان أول عدني يحصل على شهادة بكالوريوس هندسة مدنية فيما بعد ( من بريطانيا ).والتحق لطفي بمهنة التدريس في عدن، وكان من حسن حظي انه درسني عام 1948م في المرحلة الابتدائية، وكان مدرساً لتاريخ الحضارات القديم، وكانت دروسه لا تخلو من الشعر، وكان يحاول أن يعلمنا الأوزان وتقطيع الأبيات، وينجح في ذلك على الرغم من إننا كنا في المرحلة الابتدائية. ويقرأ لنا من شعره أبياتا من قصيدة " بركان " مذكراً إن عدن نفسها كانت مدينة مبنية على فوهة بركان خامد ومنها:وهذه القصيدة تدل على إن لطفي كان قريباً إلى الشعر التفعيلي منذ بداياته تقريباً. وهذه القصيدة لم ينشرها في ديوانه الأول " بقايا نغم "، بل نشرها في ديوانه الثاني " الدرب الأخضر " أما ديوانه الأول " بقايا نغم " فقد كتب مقدمته محمد عبده غانم، وصدر عن دار فتاة الجزيرة عام 1948م، وكان بذلك احد الدواوين الشعرية الأولى في تاريخ النشر، ليس في عدن فقط بل في اليمن. وعلى الرغم من إن الديوان في معظمه كان شعراً عمودياً، إلا انه كانت فيه لمسات من شعر التفعيلة كما في قصيدة " الإهداء " وفي قصيدة " خطيئة غريب"، وقد درسنا لطفي اللغة العربية أيضا، وفرض علينا قصيدة " حديث الجماجم " لوالدي د. محمد عبده غانم رحمه الله.وقد هاجر لطفي لفترة إلى شرقي إفريقيا مع زوجته، حيث عمل مديراً لمدرسة أهلية، فاوحت إليه التجربة في إفريقيا بكثير من الشعر، كما يظهر بشكل خاص في ديوان " الدرب الأخضر " ( 1962) .. وقد عاد لطفي للتدريس في عدن، وكان من حسن حظي أن جاء لتدريس التاريخ في كلية عدن، وكنت احد تلاميذه، وهناك رأيت نماذج من رسوماته الجميلة، كرسمه صورت الفنان " مايكل أنجلو ".. وفي تلك الفترة كان يقدم في الإذاعة قراءات شعرية لشعراء من عدن بما في ذلك نماذج من أشعاره وأشعار والدي د. محمد عبده غانم، ولا شك إن لطفي كان أحسن شعراء عدن في إلقاء الشعر من دون منازع.وقد نشر لطفي أمان ثلاثة دواوين فصيحة أخرها هي " كانت لنا أيام " الذي نشر أيضا عام 1962م ولكن في بيروت، بينما نشر " الدرب الأخضر " في القاهرة بواسطة دار المعارف، ونشر بعد ذلك في بيروت " ليل إلى متى ؟" عام 1964م في فترة الثورة في عدن ضد الاستعمار.وإذا كانت الرومانسية تطغى على دواوينه السابقة، فستجد في هذا الديوان الحس الوطني وبعض ملامح الواقعية، ومثل ذلك نجده في ديوانه الخامس " إليكم يا إخوتي " الذي نشر عام 1969م بعد رحيل الاستعمار، وهو ديوان مفعم بالهم الوطني، وفيه قصيدة " بلادي حرة " التي كتبها عند الاستقلال، مقتبساً العنوان من قصيدة للشاعر السوداني محي الدين فارس وفيها يقول:[c1]على أرضنا بعد طول الكفاحتجلى الصباح لأول مرةوطار الفضاء طليقاً رحيباً بأجنحة النور ينساب ثرةوقبلت الشمس سمر الجباه [/c]وقد عقدوا النصر من بعد ثورةإلى جانب الدواوين التي ذكرناها نشر لطفي أمان ديواناً باللهجة العدنية بعنوان " ليالي " وفيه أكثر من عشرين أغنية لحنها وغناها مجموعة من أشهر الملحنين والمغنيين العدنيين، وهي أغان تنتمي إلى مرحلة الخمسينات، فالكتاب نشر عام 1960م ، وكان لطفي ينوي إصدار مجموعة ثانية، ولكنها لم تصدر كما أكد لي ذلك د. نزار غانم ( وهو باحث خبير في شؤون الموسيقى والأغنية العدنية ).. وقد صدر للطفي ديوانان فصيحان بعنوان " موكب الثورة "و " إلى الفدائيين في فلسطين"، وكلاهما عام 1966م وهو عام صدور ديوانه " إليكم يا إخوتي " .. ولكن هذين الديوانين لم يضمهما إلى الأعمال الشعرية الكاملة التي صدرت عام 1997م، ولعلهما قد دمجا أصلا في ديوان " إليكم يا إخوتي ".ونحن في هذا المقال يهمنا بشكل خاص ديوان " ليالي "، وكلمات الأغاني التي كتبت بالعامية وأول أغنية في ديوان " ليالي " هي " الحب " من تلحين وغناء ابوبكر سالم بلفقيه، وتقول الأسطر الأولى منها:[c1]وصفوا لي الحبأكثر من مرةقالوا لي الحبمن أول نظرةعيون تناجي عيونوترد عليها السلاموعيون برمش الجفونتشبك مواعيد غراموعيون آه من عيونترمي القلوب بالسهامالحب نظرة عينفيها هنا اثنين[/c]وهذه الأغنية هي نموذج لمعظم أغاني لطفي في مجموعة " ليالي " كلها حب وغرام وغزل. وقد غنى له ابوبكر أغنيات أخرى مثل " زمان كانت لنا أيام " ومنها:[c1]ليالي الحب تطويها يد الماضيبقت ذكرى لنا فيها وكاس فاضي[/c]أما الأغنية الثانية في الديوان فقصيدة " خايف احبك " ، وقد لحنها الفنان الكبير يحي مكي ( وهو أستاذ احمد بن احمد قاسم ، وكثير من فناني عدن أمثال : عبده زيدي، وباجنيد)، وغناها محمد صالح همشري، وأيضا أغنية " ما كنت ادري" هي الأخرى من تلحين يحي مكي، وغناء محمد صالح همشري، أما أغنية " كلمة احبك " فكانت من تلحين يحي مكي، ولكن من غناء محمد عبده سعد.ومن أغاني الديوان أغنية من وحي مدينة لحج الجميلة، وهي " طير من وادي تبن "، وقد لحنها الأمير محسن بن احمد مهدي وغناها عبدالكريم توفيق ومنها:[c1]طير من وادي تبنحط في قلبي وسكنوالهوى فيه ما سكنطير من وادي تبنطير خفاق الجناحجدد الماضي وباحبالذي فيه من جراحاسمها الحب والشجنآه من جيده وآهمن عيونه والشفاهكلما أتنهد معاهذاب قلبي وافتتن[/c]ومن الذين توفقوا كثيرا في تلحين وغناء كلمات لطفي، الفنان سالم احمد بامدهف الذي غنى عدداً كبيراً من الأغاني من كلمات د. محمد عبده غانم. وإضافة إلى أغنية " نجوى الليل" التي افتتحنا بها هذا المقال وغنى بامدهف أغنية للطفي بعنوان " ماشي كماك " ( أي لا احد مثلك ) وتقول :[c1]من جمالك من دلالك من بهاككل من شافك يقول ماشي كماككل مافي السحر من فتنة هواك ورمى كل القلوب صرعى هواكوأنا ماحب حد شريكي في هواك[/c]ومن الذين لحنوا وغنوا للطفي الفنان المعروف محمد مرشد ناجي المعروف بالمرشدي، وقد غنى له من " ليالي " " ياريت ماكنا" ، و " أنت السبب " ومنها :[c1]تقلي ليش التعب وأنت أنت السببالحب لوما يكوننيران تكوي الشجون اقل مافيه جنونيلهب بفكري اللهب[/c]وقد لحن للطفي أغنية " ليش هذا الهجر " وغناها الفنان محمد سعد عبدالله: [c1]ليش هذا الهجرمن بعد المحبة والصفاليش كبيت الهوى ومليت لي كأس الجفا[/c]وفي هذا البيت الأخير صورة طريفة، حيث إن المحبوب افرغ الكأس من الهوى وملأه بالجفاء.ومن الذين لحنوا وغنوا للطفي الفنان ياسين فارع، وأخوه الفنان ابوبكر فارع، وقد غنى ياسين أغنية ميعاد التي تقول:[c1]رمى بالنظرة والبسمةومكن في الهوى سهمهومن كلمة إلى كلمةشبكنا في الهوى ميعاد[/c]أما ابوبكر فارع فقد كان من الفنانين الذين لحنوا وغنوا للطفي عدة أغنيات منها " يازين زين الملاح " ، و " اسمر وعيونه "، ومن هذه الأغنية نقتطف هذه الأبيات التي تدل على محاولات لطفي التجديد في الأغنية:[c1]اسمر وعيونهتلعب بي.. وتلعب بفنونهميلاد الفجر على جبينهوجماله وحسنه وفتونهانه اسمراسمر مولودمن روح العنبر واصل العودعاد لما يدور عيونه السودآه من اسمر[/c]وأغنية اسمر أيضا لحنها وغناها الفنان الكبير احمد قاسم الذي ربما كان أكثر الفنانين الذي لحنوا وغنوا من كلمات لطفي.. ومن الأغاني التي لحنها للطفي أغنية " قالت لي " ، و " قلبه سأل قلبي "، والتي يقول فيها :[c1]قلبه سأل قلبيوعيونه تلعب بي من علمك تهوىوتكثر الشكوىعلشان يزيد حبي[/c]ومن أشهر أغنيات احمد قاسم من كلمات لطفي أغنية " على ساحل أبين " المعروفة أيضا " بصدفة " ومنها:[c1]صدفة التقينا على الساحل ولا في حدصدفة بلا ميعادجمع الهوى قلبين سمعت أبين على الأمواج تتنهدكما حواك الفؤادوالعين تناجي العين والبحر والرمل والبدر الحبيب يشهد على الهوى والودادما بيننا الاثنين[/c]يقول الأديب علوي عبدالله طاهر في كتابه " لطفي أمان دراسة وتاريخ " : " إن من يسمع الأغنية أعلاه ، فانه لا شك سينجذب إلى اللحن، والى النغمات الراقصة ، ولكن مضمونها في رأيه مبتذل .. ومن أغاني لطفي لأحمد قاسم الأغنية الشهيرة " ياعيباه " وهي ليست في ( ليالي ) أيضا. ومن أغاني لطفي التي ليست في ديوان " ليالي " أغنية " حبيب القلب " من لحن وغناء علي احمد جاوي، وأغنية " فين حلفاتك" لأحمد قاسم ، وأغنية " ألومك وأعاتبك " لسالم بامدهف، وهي أغنية مشهورة ومنها :[c1]ألومك وأعاتبك لأني احبكوليش بس تزعل تقلي خدعتكوحلفاني يبطلوعمري ما خنتك[/c]وإذا كانت كل هذه الأغاني تدور حول الحب والغزل والصد والهجران ، فان لطفي في المرحلة الأخيرة من حياته قدم عدداً من الأغاني ذات الهم الوطني مثل: " أخي كبلوني " للمرشدي ومنها:أخي كبلوني وغل لساني واتهمونيبأني أقدس حريتيوكذلك غنى المرشدي " يابلادي ":يابلادي كلما أبصرت شمسان الأبي شاهقاً في كبرياء حرة لم تغلبصحت ياللمجد في أسمى معالي الرتبوهي كما نرى قصائد فصيحة، وكأن الأغاني الوطنية عند لطفي لا تكون إلا بالشعر الفصيح ، وما يؤكد إن الأغاني الحماسية التي غناها الآخرون أمثال بامدهف واحمد قاسم هي أيضا شعر فصيح.. يقول في أغنية " أخي كبر الفجر في أرضنا " لبامدهف: [c1]أخي كبر الفجر في أرضناواجلي الزمان لنا يومناوقد وحد الحق ما بينناعلى الدرب تزحف منا الجموعوفي أغنية " صرخة المجد التليد " لاحمد قاسم يقول :صرخة المجد التليد من فم الطود العتيدهي نار وحديد ومتى كنا عبيدوكذلك أغنية " على أرضنا بعد طول الكفاح " لأحمد قاسم:على أرضنا بعد طول الكفاحتجلى الصباح لأول مرة[/c] لطفي جعفر أمان الشاعر الرومانسي اليمني الكبير، والذي حصل على جائزة الشعر من هيئة الإذاعة البريطانية على قصيدته " غزو الفضاء " في أواخر الخمسينات، والذي ترقى في سلم الوظيفة في التربية والتعليم حتى درجة وكيل وزارة التربية والتعليم.. رحل عن العالم وهو في تلك الوظيفة في 16 ديسمبر 1971 عن 43 سنة، بعد أن ترك لنفسه مكانة مرموقة في عالم الشعر والابداع في اليمن..نسأل الله له الرحمة والمغفرة..