ياحمام الحسين
د. شهاب غانم[c1]ياورد ياكاديياموز يامشمش وياعمبروديا قمري الواديلك خد شامية وعين الهنوديا فل يا ناديقل لي ليالي الوصل شي باتعودإذا حدا حاديليلاً تذكرتك فرقت الرقودنسيت ميعاديمن علمك لما خلفت الوعودطيب يازين طيبمرحباً بالحبيبكل شي بالنصيبفي ليالي السعودإن هذا الهوىفي الحشا كم كوىما لقينا دوافي ليالي السعودياحمام الحسينيحبكم في الشوىالهجر مش سوافي ليالي السعود[/c]هذه القصيدة المكتوبة باللهجة اليمنية اللحجية كتبت في عام 1357هـ أي قبل أكثر من 65 سنة، كتبها الأمير احمد فضل بن علي بن محسن العبدلي الملقب بالقمندان (أي الكوماندانت) أو (الكوماندر أي القائد)، وذلك لانه كان قائداً لجيش لحج، ويعين أخاه السلطان عبدالكريم فضل في حكم سلطنة لحج، وسلطنة لحج كانت أهم وأخصب الإمارات والمشيخات في المحميات الغربية الخاضعة لبريطانيا في جنوب اليمن، وبعد استقلال الجنوب صارت تشكل جزءاً رئيساً من المحافظة الثانية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وكانت مدينة الحوطة عاصمة لحج هي عاصمة المحافظة الثانية. والواقع أن عدن نفسها كانت قبل دخول الاستعمار البريطاني إليها عام 1839م تابعة لسلطان لحج.واليوم تعد الحوطة من المدن الهامة في اليمن الموحدولد (القمندان) عام 1884م وتوفي عام 1943م، ولما يبلغ الستين، وهو إلى جانب كونه مؤسس جيش سلطنة لحج، إلا أنه المؤسس الحقيقي والأول للأغنية اليمنية اللحجية ذات الطابع الخاص الذي يتميز عن الأغنية الصنعانية أو الحضرمية أو اليافعية أو العدنية بأسلوبه الراقص المستوحى من الموروث الشعبي المحلي في منطقة لحج والمتميزة برقصاتها الشعبية التي عرفها أهل لحج قبل القمندان، كالرزحة، والشرح، والمركح، وزفة الحنا.. الخ، والأغاني المحلية التي كانت تستفيد وتقتبس من الأغاني الصنعانية في الشمال، كما كان يفعل المطرب اللحجي هادي سبيت النوبي وصالح الظاهري واحمد قاسم والد المطرب أنور قاسم وعوض سالم الطميري وفضل ماطر الشاعر والملحن والمغني الذي ربما كان أول من ابتكر الحاناً ذات طابع لحجي.وكان الأمين القمندان رجلاً شعبياً يخالط الفلاحين ويقدم لهم الرعاية ويدفع عنهم المظالم، يقول الكاتب الأديب عمر جاوي في بحثه الذي ألفه عن القمندان انه شاعر عاشق فلاح أحب الأغنية فأحب الأرض، وانه كان لا يمارس "الأميرة" من الناحية الاجتماعية وفضل مملكة الطرب على الإمارة.وكان القمندان شاعراً وملحناً، وقد ذكر عبدالرحمن جرجرة في كلمة تأبينية له انه رآه يعزف على العود ليلقن العازف على اللحن، ويقول عمر جاوي انه أيضاً كان مغنياً ومخترعاً للرقصات، أما الفنان الكبير محمد مرشد ناجي فيقول: إنه لو كان مغنياً لعثرنا على تسجيلات بصوته، وإن مركزه كأمير كان لا يسمح له بالغناء، إلا إذا كان بين أبناء طبقته، أما الرقصات فانها لا تبتكر بهذا الشكل وانما يبتكرها الذين يكدحون في الأرض طول النهار، ثم يفرحون بثمار الكدح، فيعبرون عن ذلك بالرقص والغناء، ولكن د. نزار غانم يذكر في كتاب (حمينيات صدى صيرة) أن القمندان لحن وغنى قصيدة من كلمات محمد عبده غانم في مجلس خاص بحضور الشاعر.والأغنية التي بدأنا بها المقال "مليح يا زين" هي من أشهر الأغاني التي كتبها القمندان ومازالت تطرب الألوف في اليمن، وغناها الكثيرون ومنهم فضل محمد اللحجي الذي يذكره القمندان في كلمات أغنيته "صادت عيون المها" التي غناها محمد مرشد ناجي المعروف بـ "المرشدي" فيما بعد، ومن كلماتها:[c1]هل أعجبك يوم في شعري غزير المعانيوذقت ترتيل آياتي وشاقك بيانيوهل تأملت يا لحجي كتاب الأغانيولا أنا فقط صنعاني ولا أصفهانيهل أسمعك "فضل" يوماً في الغناء ما أعانيوكيف صاد المها قلبي وماذا دعانيفهل دعاك الهوى يوماً كما قد دعاني؟صادت عيون المها قلبي بسهم المحبة..[/c]المرشدي كان قد بدأ مسيرته الفنية الطويلة التي توجت بالتكريم بوسام الآداب والفنون في احتفالات تتويج صنعاء عاصمة ثقافية، بدأها بأغنية من كلمات القمندان عنوانها "البدرية" وهي قريبة من الفصحى ومنها:[c1]طلعت بدرية بين الحسانبعيون سودفتكت في القلب طعنا بسنانلحظها المحدودكنت ياقلبي من العشق مصامن لظى الاخدود[/c]وهذه القصيدة الأغنية قد اثارت جدلاً كبيراً في زمن الحكم الشمولي بين عمر جاوي ود. أبوبكر السقاف ليس هنا مجال مناقشته، وقد ناقشه د. عبدالعزيز المقالح في كتابه "شعر العامية في اليمن".لكن القصيدة نفسها ذات أهمية كبرى من حيث إعلان القمندان فيها أنه يريد فناً لحجياً جديداً، يستغني به عن الاعتماد على الغناء الصنعاني الذي كان قبل ذلك مهيمناً على لحج، وهو يقول في أحد المقاطع:[c1]غن يا هادي نشيد أهل الوطنغن صوت الدانما علينا من غنا صنعا اليمنغصن من عقيانمرحباً بالهاشمي يجلي الشجنيذهب الأحزان[/c]أما (هادي) فهو هادي سبيت النوبي اللحجي والد الشاعر الكبير عبدالله هادي سبيت، وأما (مرحباً بالهاشمي) فإشارة إلى أغنية يقال انها من لحن فضل ماطر اللحجي.. والوطن المقصود هنا هو لحج، فالقمندان هنا يعلن خروجه على غناء صنعاء بتطوير لون محلي من الغناء يعبق بروح لحج ورائحتها، وحسب تعبير المرشدي تطبع البسمة على شفتي مستمعها في اليمن والجزيرة العربية بأسرها.والحقيقة أن القمندان ربما كان له تأثير غير مباشر أيضاً على نشوء حركة فن الغناء العدني، بعد وفاته بعدة سنوات، في أواخر الأربعينيات على يد والدي د. محمد عبده غانم ـ رحمه الله ـ كأول شاعر للأغنية العدنية، غنى له فنانون أمثال خليل محمد خليل وسالم بامدهف ومحمد سعد عبدالله واحمد بن احمد قاسم وفرسان خليفة وآخرين، فقد كان والدي من الأدباء المقربين من القمندان في مجلسه ببستان الحسيني، إذ كان الرجلان شاعرين وعالمين بالموسيقى ولكن القمندان كان أيضاً يقوم بالتلحين، أما والدي فقد كان يقدم التعليقات والاقتراحات فقط للملحنين، وكان والدي قد حزن كثيراً لوفاة القمندان ورثاه بقصيدة منها:[c1]كنا نؤمل أن تعيش طويلاًلتحارب التدليس والتدجيلاوتشق في عدن البلاد ولحجهاللعاملين المخلصين سبيلاوتجالس الرجل البسيط تواضعاًللعلم لا مناً ولا تخويلاعشت النبيل سليقة وطبيعةإن النبالة أن تعيش نبيلاًلهفي على الألحان بعدك ضيعتوغداً صداها في النفوس هزيلا[/c]والحقيقة أن القمندان كان متعدد المواهب فقد كان أيضاً مؤلفاً ترك لنا كتاباً قيّماً في تاريخ لحج عنوانه " هدية الزمن" وكتاب " فصل الخطاب في تحريم العود والرباب" وديوان شعر عنوانه " المصدر المفيد في غناء لحج الجديد" وهو ديوان يحوي نحو 58 قصيدة وأغنية 08 منها باللهجة العامية اللحجية تقريباً أما ما حاول كتابته باللغة الفصيحة فلم يكن ذا بال ، بل بعضه ركيك وكان القمندان عاشقاً للبستنة فقد طور بستان الحسيني أشهر بساتين لحج وملأه بأشجار الفواكه المتنوعة وجمال الحسيني وما فيه من فواكه يتجلى في أغنياته ، وكذلك لحج ووادي تبن الذي يسقي لحج، يقول القمندان:[c1]ياحمام الحسيني ياعسل نوب يادوا للقلوب بس قل لي اليوم طبعك ليه مقلوب وفي أغنية أخرى :سلام مني عليكم ياحبايبيوم الهنا باتجونا لا الحسيني حيا بكم بانسوي كل واجباهلا على الرأس يا أحبابي وعيني وفي أغنية " حالي ياعنب رازقي " يقول :ياخل دلابي دلاكلك يا عيوني حلا وينك ياعسل مشرقي يامشمش وذول العنبعذبني الهوى وين هب حالي ياعنب رازقي[/c]ومن أغانيه الشهيرة " نجيم الصباح" و " ياوليد يانينوه" و " واعلى أمحنا واعلى أمحنا" ومن كلمات هذه الاغنية :[c1]سعد يامسعود فاح عرف العود اسقنا الصهبا دمعة العنقود تجلي الكربة تشفى المارود جلها يا الله ياكريم الجود[/c]يقول د. محمد عبده غانم في كتاب " شعر الغناء الصنعاني" : ( ظهر في لحج شاعر كبير من رجال الشعر الحميني هو الامير أحمد فضل العبدلي الملقب بالقمندان .. فابتدع عدداً كبيراً من الاغاني اللحجية التي لم تلبث أن اكتسحت الاوساط المهتمة بالموسيقى .وبعد ظهور هذه الاغاني بما يقرب من خمسة عشر عاماً ظهر في لحج شاعر آخر برز في فن الشعر الحميني هو الاستاذ عبدالله هادي سبيت فأنشأ عدداً من الاغاني اللحجية التي لم تعالج موضوع الغزل فحسب كما فعلت أغاني القمندان ، بل تناولت أيضاً المواضيع السياسية ).والحقيقة أن القمندان يذكرنا بالامير إبراهيم المهدي الاخ الاصغر للخليفة العباسي هارون الرشيد فقد كان إبراهيم مهتماً بالفن والغناء ، حتى نافس إسحاق الموصلي في الاجادة .ويذكر محمد مرشد ناجي في كتابه " الغناء اليمني القديم ومشاهيره" أن الشاعر صالح فقيه أخبره أن القمندان استدعاه ذات ليلة بعد منتصف الليل عندما استعصى عليه إتمام القصيدة التي مطلعها " المحبة عذاب" وأتم الاستاذ صالح فقيه البيت قائلاً : يامولاي من صابه الله بها صاب ولم ينم القمندان حتى أنتهى من القصيدة .وقد تخلى القمندان عن منصبه العسكري لابن عمه الامير الشاعر الفنان صالح مهدي الذي أبدع في الفن وإن لم يستطع أن يصل الى مكانة القمندان الكبير أحمد فضل وتأثر صالح مهدي بالحسيني أيضاً وهو الذي يقول :[c1]زمان والله زمان من يوم غمزة عيانهوضحكته والكلامعلى الحسيني سلام[/c]وقد اختار الاديب السعودي أحمد المهندس عبارة " على الحسيني سلام" ليجعلها عنواناً لكتاب في الفن والأدب اليمني ، أهداه الى روح القمندان وقد كتب عن القمندان كثير من الادباء اليمنيين .. منهم د. محمد عبده غانم وعمر جاوي ومحمد مرشد ناجي وطه فارع و د. عبدالعزيز المقالح ، وعبدالله البردوني و د. نزار غانم ومحمد علي لقمان والشاعر علي محمد لقمان وعبدالرحمن جرجرة ومحمود لقمان وعبدالله هادي سبيت وصالح فقيه والسلطان علي عبدالكريم وإبراهيم راسم وذكره د. عصام غانم في بعض كتاباته وآخرون كثيرون منهم د. أبو بكر السقاف الذي أشاد به كفنان .. ولكن قيّمه بشكل سلبي سياسياً نظراً لميول السقاف الايديولوجية .وكتب عنه من العرب كثيرون منهم السعودي أحمد المهندس والاماراتي خالد القاسمي والاديب اللبناني الكبير الرحالة أمين الريحاني الذي ألتقاه ووصفه بعلم من أعلام الجزيرة العربية وكان ممن نعوه عند وفاته عام 3491م رئيس وزراء مصر يومئذ مصطفى النحاس باشا .رحم الله القمندان وعلى روحه السلام وعلى الحسيني سلام .