نبض القلم
يستقبل المسلمون في هذه الأيام موسم حج بيت الله الحرام، وهم في أثناء أدائهم للحج يؤدون بعض المناسك التي تعد من لوازم الحج وفروضه. والحديث عن الحج يجرنا للحديث عن بعض المشاهد المؤثرة ذات الدلالة العظيمة، والمعاني السامية، كزمزم، والصفا والمروة، والسعي بينهما، ومنى ومتى يتم التوجه إليها، وما يصنع فيها، وعرفة وما يلزم الحاج في يومها ويوم النحر وما يقوم به الحاج من أعمال فيه. فأما زمزم ، فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن هاجر لما أشرفت على المروة حين أصابها وولدها العطش سمعت صوتاً فقالت لنفسها : صه ، ثم تسمعت فسمعت أيضاً. فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث. فإذا هي بالملك عند موضع زمزم ، فبحث بعقبه أو قال بجناحه، حتى ظهر الماء، فجعلت تحوصه بيدها، وتقول : هكذا تغترف الناس من الماء في سقائها ، وهو يغور بعدما تغترف، قال ابن عباس : رحم الله أم إسماعيل ، لو تركت زمزم، أو قال: لو لم تغترف من الماء لكانت زمزم عيناً معيناً. قال فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك: لا تخافوا الضيعة ، فإن هاهنا بيت الله، يبنيه هذا الغلام وأبوه، وأن الله لا يضيع أهله، وكان البيت مثل الرابية ، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله، وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، شرب من ماء زمزم ، وأنه قال: ( إنها مباركة إنها طعام طعم وشفاء سقم ) وأن جبريل غسل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائها ليلة الإسراء. ومعروف أن ماء زمزم خير ماء على ظهر الأرض، فقد روى الطبراني ، وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال: (خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام الطعم وشفاء السقم )، وقال أيضاً: ( ماء زمزم لما تشرب له، إن شربته تستشفى، شفاك الله، وإن شربته لشبعك أشبعك الله). وكان ابن عباس رضي الله عنهما، إذا شرب ماء زمزم يقول: اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاءً من كل داء.وهناك الصفا والمروة، والسعي بينهما، وفي أصل مشروعيته، روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : «جاء إبراهيم بهاجر وبابنها إسماعيل عليه السلام، وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت، عند دوحة فوق زمزم، فوضعهما تحتها (أي تحت الشجرة) وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء ووضع عندهما جراباً فيه تمر وسقاءً فيه ماء، ثم مضى إبراهيم منطلقاً فتبعته أم إسماعيل، فقالت : يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنيس ولا شيء، قالت له ذلك مراراً فجعل لا يلتفت إليها، فقالت : آلله أمرك بهذا؟ قال : نعم، قالت : إذن لا يضيعنا).وفي رواية قالت له : إلى من تتركنا؟ قال : إلى الله، فقالت : قد رضيت، ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيت لا يرونه استقبل بوجهه الكعبة (البيت) ثم دعا بهذا الدعاء، ورفع يديه وقال : «ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة، فأجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون».وقعدت أم إسماعيل تحت الدوحة، ووضعت ابنها إلى جنبها وعلقت شنها تشرب منه، وترضع ابنها، حتى فني ما في شنها، فانقطع درها واشتد جوع ابنها حتى نظرت إليه يتشحط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فقامت على الصفا وهو أقرب جبل يليها، ثم استقبلت الوادي تنظر لعلها ترى أحداً، فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها، ثم سعي إنسان مجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحداً؟ فلم تر أحداً وفعلت ذلك سبع مرات.قال ابن عباس رضي الله عنهما : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ولذلك سعى الناس بينهما (أي بين الصفا والمروة)، ولذلك كان السعي بينهما واجباً في الحج والعمرة.أما الحديث عن منى فيذكرنا باليوم الثامن من ذي الحجة ، وهو المسمى بيوم التروية، لأن الحجيج يرتوون فيه بالماء ، استعداداً لصعود عرفة، فهم يجمعون ما يحتاجون إليه من الماء في أثناء وقوفهم في عرفة في اليوم التالي ولذلك عد المبيت بمنى ركناً من أركان الحج، لأنهم ينطلقون منها غداة اليوم التاسع من ذي الحجة إلى عرفة لإقامة فرض الوقوف بعد الزوال فإذا أتى الحاج عرفات يضرب خباءه بنمرة قريباً من المسجد ، حيث ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبته ونمرة هي بطن عرفة دون الموقف ودون عرفة ،فإذا أزالت الشمس خطب الإمام خطبة وجيزة ، وقعد وأخذ المؤذن في الأذان ووصل الأذان بالإقامة ، ثم يجمع بين الظهر والعصر بأذانين وإقامتين ، وقصر الصلاة ثم روح للموقف ليقف في عرفة ، والأفضل أن يقف عند الصخرات بقرب الإمام مستقبلاً القبلة ، ولا يقطع التلبية يوم عرفة بل الأحب أن يلبي تارة ، ويكب على الدعاء تارة أخرى.فإذا أفاض من عرفة بعد الظهر بعد غروب الشمس إلى مزدلفة جمع في مزدلفة بين العشاء والمغرب وقت العشاء جمعاً وقصراً، بأذان وإقامتين وعليه أن يبيت فيها ومن خرج من مزدلفة في النصف الأول من الليل ولم يبت فعليه دم، فإذا انتصف الليل أخذ في التأهب للرحيل ، ويجمع الحصى منها، وهي سبعون حصاة، فإذا انتهى إلى المشعر الحرام وقف ودعا إلى الأسفار ثم يدفع منها قبل طلوع الشمس حتى ينتهي إلى موضع يقال له (وادي محسر) فيسرع حتى ينتهي إلى جمرة العقبة وهي على يمين مستقبل القبلة يرميها بسبع حصيات في يوم النحر مكبراً مع كل حصاة. وعن الأضحية قال صلى الله عليه وسلم: « خير الأضحية الكبش الأقرن والبيضاء أفضل من الغبراء والسمراء» أخرجه أبو داود.ثم ليحلق، والمرأة تقصر الشعر، ويرمي جمرة العقبة وبذلك يحل له كل شيء ما عدا النساء والصيد.ثم يفيض إلى مكة ليطوف الطواف الركن، ويسمى طواف الزيارة، فإذا طاف حل له كل شيء حتى النساء، ولم يبق أمامه إلا رمي الجمرات في أيام التشريق، والمبيت بمنى.فإن فرغ من الطواف عاد إلى منى فيبيت فيها ، فإذا أصبح اليوم الثاني من العيد وزالت الشمس رمى الجمرات الثلاث الأولى والثانية والثالثة، ويعود للمبيت بمنى وتسمى هذه الليلة ليلة النفر الأول ، ويصبح فإذا صلى الظهر في اليوم الثاني من أيام التشريق رمى في هذا اليوم كاليوم الذي قبله ، ثم هو مخير بين المقام في منى وبين العودة إلى مكة، فإن خرج من منى قبل غروب الشمس فلا شيء عليه، وإن تأخر إلى الليل لزمه المبيت حتى يوم النفر الثاني ثم الرمي بواحد وعشرين حجراً وبذلك تنتهي مناسك حجه.[c1]* خطيب جامع الهاشمي / الشيخ عثمان[/c]