مع الاحداث
الصومال بلد جار وشقيق تربطنا به علاقات تاريخية طيبة .. يعيش حالياً حالة من التمزق والشتات والمآسي والافتراق ما بين أبنائه بسبب الصراعات السياسية والحروب الأهلية المتواصلة آخرها بين الحكومة الانتقالية ومليشيات المحاكم الاسلامية حصدت تلك الحروب آلاف القتلى من أبناء الشعب الصومالي الواحد ... والعالم كله اليوم يشهد ذلك الوضع المأساوي ولم يحرك له ساكناً .وفي الآونة الاخيرة تجدد النزاع والصراع في الصومال بين القوتين الجديدتين الحكومة الانتقالية ومليشيات المحاكم الاسلامية إلى الأذهان مرة أخرى تجربة صراع المصالح ..وقد تحولت الصومال إلى ساحة للحرب بين الطرفين .. جراء عمليات الكر والفر التي سادت بين الاطراف المتنازعة في معظم المناطق الصومالية حيث أن الحروب المتكررة فيها أدت إلى نزوح المزارعين من قراهم وعدم تمكنهم من مزاولة وسائل عيشهم ، الأمر الذي أدى لحدوث مجاعة واسعة النطاق أودت بحياة عشرات الآلاف من الصوماليين كانت سبباً للتدخل الدولي الأول في الصومال الذي قادته الولايات المتحدة في الفترة ما بين 1992-1995 تحت أسم (إعادة الأمل ) لوقف المجاعة في الصومال .. هذه المجاعة التي لم تأت بسبب عوامل طبيعية وإنما بسبب تحولها إلى ساحة حرب بين المليشيات القبلية الصومالية ..وبعد أكثر من عشر سنوات تنتاب سكان بعض المناطق مخاوف جديدة من أن تتحول مناطقهم إلى ساحة حرب جديدة بين طرفي الصراع الصومالي الحكومة الانتقالية التي تدعمها إثيوبيا عسكرياً وبين مليشيات المحاكم الإسلامية الذي قيل أنهم حصلوا مؤخراً على دعم عسكري من ارتيريا لتكون الحرب بين الطرفين مباشرة .. وكانت الحروب السابقة في الصومال قد أدت إضافة إلى المجاعة إلى حركة نزوح جماعية من المنطقة إلى المناطق الأخرى من الصومال ومعظم النازحين الداخليين ويبلغ تعدادهم نحو أكثر من أربعمائة ألف نازح حسب أرقام الأمم المتحدة يعيشون في أوضاع مأساوية في مخيمات النازحين المنتشرة في العاصمة والمدن الرئيسية في الصومال .. وإن الوضع هناك بالغ القسوة وأنه أسوأ أزمة إنسانية ملحة في العالم .. وأن 15% من السكان يعانون سوء تغذية حادة كما أن الخدمات الصحية محدودة للغاية والظروف بالغة التدني فيما يتعلق بمياه الشرب والملاجئ .وكان أكثر من مليون شخص صومالي اضطروا للفرار من منازلهم والسبب هو استمرار النزاعات السياسية والقبلية في مناطقهم .وفي تطور آخر تشهد الساحة السياسية والعسكرية في الصومال تطوراً جديداً مع تزايد نفوذ المحاكم الإسلامية من جهة واستمرار الحكومة في التحالف والاستعانة بالقوات الاثيوبية في حروبها وصراعها مع مليشيات المحاكم الإسلامية من جهة آخرى .ومما يزيد العلاقة بين المحاكم الإسلامية والحكومة الانتقالية سوءاً إستعانة الحكومة لعدد من بعض القبائل وضم مليشيات بعضهم إلى الحكومة الانتقالية وهو أمر تراه المحاكم الإسلامية تحالفاً جديداً موجهاً ضدهاً .. فترى اثيوبيا تعاملها مع الوضع في الصومال أنه من الناحية الأمنية لمحاربة الارهاب واستقطبت دعم الولايات المتحدة في دعمها على ذلك .. وعلى الرغم من أن الهواجس المشتركة بين أثيوبيا وواشنطن حول ما يسمى بالجماعات الارهابية في الصومال الا أن واشنطن ترى أن تدخل أثيوبيا عسكرياً من شأنه أن يفاقم الوضع بدل أن يحله .وفي هذه الاثناء التي يشيد فيها الصراع على الأرض بين الحكومة والمحاكم الإسلامية فإن المنظمات الإقليمية المهمة مثل الجامعة العربية والإتحاد الأفريقي على الرغم من إنها تتحدث بصوت واحد من الناحية الرسمية إلا أن هناك انقسامآ كبيرا حول الوضع في الصومال فالجامعة العربية قد ركزت على التوسط بين الحكومة الانتقالية والمحاكم الإسلامية واكتفت بإطلاق مبادرة في ذلك وهي التوقيع على اتفاقية إعلان مبادئ بين الطرفين ولكن هذه المفاوضات قد تعثرت .أما الإتحاد الأفريقي فقد تبنى خطة إرسال قوات إفريقية إلى الصومال للقيام بمهام حفظ السلام ومساعدة الحكومة في بسط نفوذها على كامل التراب الوطني إلا أن تحقيق هذه الخطوة مرتبط بأمرين الأول موافقة مجلس الأمن الدولي على رفع الحظر المفروض على توريد السلاح والمعدات العسكرية إلى الصومال والأمر الثاني هو الحصول على ضمانات بتمويل عملية التدخل العسكري في الصومال وهو ما لم يتوفر حتى هذه اللحظة .وبعد كل ذلك تبقى مسألة مهمة وهي استعداد المنظمة الدولية بقبول أن تعمل القوات الإفريقية تحت مظلة الأمم المتحدة واشراف مباشر منها وهو ما طلبه البرلمان الصومالي عند المصادقة على مشروع التدخل العسكري الإفريقي .