منبر التراث
محمد زكريا[c1]رؤية شعبية[/c]لعلنا لا نبالغ إذا قلنا أن عدن منذ الأزمنة السحيقة روت عنها المأثورات الشعبية بأنها عروس فاتنة سحرت كل من يخطف نظرة من وجهها المضيء فيقع في شباك غرامها الآمرأي وبين حضنها الدافئ عاشت أجناس مختلفة المصري ، المغربي ، الشامي ، الهندي ، والحبشي وغيرهم كثير جاءت من أنحاء المعمورة وصاروا جزءا لا يتجزأ من نسيج تراثها الأصيل .و لقد دون التاريخ أحداث سياسية هامة وخطيرة وقعت في عدن أو بمعنى انفرد بتسجيل تاريخ الملوك, والحكام الذين تعاقبوا على حكم عدن فقط. ولكنه لم يعير أية التفاته أو اهتمام لآلام , وآمال الناس البسطاء في عدن فلم يسجل شؤون حياتهم الاجتماعية المختلفة . فكان عليهم أن يدونوا بأنفسهم نبض حياتهم في السير والحكايات الشعبية, وفي الشعر العامي ، والأمثال العامية . ومن يريد أن يتعرف على تاريخ أهل عدن الاجتماعي عليه أن يطلع بعمق على تراثهم الشعبي الذي كان ومازال يمثل مرآة صادقة لمختلف عاداتهم ، وتقاليدهم , وأعرافهم وأغانيهم ، وأهازيجهم ، وفي واقع الأمر، أن التاريخ الاجتماعي وما هو في الحقيقة إلا رؤية شعبية تعبر عن مشاعرهم وآرائهم ، وأقوالهم في قضية ( ما ). [c1]ابنة البحر [/c]وطالما عدن ابنة البحر ، فإن أهلها من الطبيعي أن يختزنوا الكثير من حكايات البحر الشعبية المثيرة . ولقد وصف شيوخ الصيادين الطاعنين في السن الذين بلغوا من العمر عتيا بأن البحر الذي يلف صيرة بذراعيه القويتين ، كائن حي له مشاعر وأحاسيس ، وعاطفة جياشة لا يعرف كنها إلا من ركب المراكب والمخاطر ومخر عباب البحر ، وأخترق أمواجا كالجبال الراسيات . وطاف في أرجاء البحار الواسعة . [c1]لغة مشتركة[/c]وفي واقع الأمر ، أن البحارة والصيادون بسبب ارتباطهم الوثيق بالبحر صار هناك ألفة بينهم وبينه , وصاروا يفهمون أسراره , أو قل إن شئت صار بينهم لغة مشتركة . فيعرفون على وجه الدقة متى يغضب البحر , ومتى يصير هادئ الطباع يغط في نوم عميق . [c1]البحر والأمثال[/c]وفي الحقيقة أن تراثنا الشعبي المرتبط بالبحر وحياة الصيادين والبحارة في حاجة ماسة إلى كشف النقاب عنه ، فمازال هناك الكثير من السير والحكايات الشعبية المرتبطة بالبحر لم نعلم عنها شيئا . وإذا ما أطلعنا على حلقة من حلقات الموروث الشعبي كالأمثال فإننا ـــ مع الأسف ـــ لا نجد الأمثال التي تتحدث عن البحر والبحارة والصيادين. وهذه الباحثة الأستاذة سعاد محبوب في كتابها (( الأمثال اليمنية وعلاقتها بالأمثال القديمة )) فإنها على الرغم ما بذلته من جهود جهيدة في جمع تلك الأمثال اليمنية وشرحها وتفسيرها , ومقارنتها بالأمثال القديمة الأخرى . فإنها لم تتعرض من قريب أو بعيد إلى الأمثال التي تخص قضايا البحر في مدن السواحل اليمنية كعدن والذي نحن في صدد الحديث عنها . صحيح أنها تناولت الأمثال العدنية ولكنها لم تذكر مثال واحد يفيد عن البحر وعلاقته بالبحارة والصيادين أو علاقتهم به. [c1]أغاني البحارة[/c]والحقيقة لقد تعرض الأستاذ حسين سالم باصديق في كتابه القيم (( في التراث الشعبي اليمني )) إلى أغاني البحارة بصورة مسهبة ولكنه لم يلق الأضواء على السير والحكايات الشعبية النابعة من البحر . وهذا الجانب الهام من تراثنا مازال في حاجة إلى دراسته دراسة فاحصة وتحت مجهر البحث التاريخي . والغريب في الأمر ، أن عدن الذي قيل أن البحر ولد وتربى على حجرها لم نسمع ونرى حكايات شعبية عنها من قريب أو بعيد. ولقد قلنا سابقا ، أن المؤرخين القدامى لم يسجلوا تاريخ الحياة الاجتماعية لعدن , وإنما سجلوا الأحداث الهامة التي كانت تقع في بلاط الملوك ، والحكام ، والأمراء .[c1]المؤرخ بامخرمة[/c] وحتى نكون منصفين فإن المؤرخ بامخرمة المتوفى ( 947هـ / 1540م ) يكاد يكون الوحيد من بين المؤرخين القدامى الذي سجل الحياة الاجتماعية في عدن وذلك من خلال سرده لكثير من الشخصيات المرتبطة بالناس كالعلماء ، والفقهاء , ومشايخ الصوفية . وفي هذا يقول الدكتور سيد مصطفى : " ويشتهر بو مخرمة بكتابه المطبوع المسمى (( تاريخ ثغر عدن )) ، وهو من أهم الكتب التي تتناول تاريخ عدن وأحوالها الاجتماعية والاقتصادية في أواخر القرن التاسع وأوائل القرن العاشر الهجريين لأنه تناولها بقلم شاهد عيان ". والسؤال المطروح هو هل يوجد موروث شعبي متمثل بالحكايات الشعبية عن عدن وبحرها ؟ . والحقيقة أن المصادر التراثية , والموروثات الشفهية لم تسعفنا بالمعلومات التي يجب أن تبلغنا إلى غايتنا وهي العثور على السير والحكايات الشعبية المتعلقة بأهداب البحر أو قل إن شئت حكايات البحر الشعبية أو النابعة من بيئة البحر .