نبض القلم
إن من يشاهد ما يجري في صعدة في هذا الشهر الكريم يختلط فيه الشجا بالرضا ، ويأتي الشجا من كون المتمردين الحوثيين هم من أبناء جلدتنا ، وأبناء عمومتنا ، الذين ما كان ينبغي أن تسفك أرواحهم ، وتراق دماؤهم لولا انحرافهم عن جادة الصواب ، وتمردهم على الدستور والقوانين ،وإضرارهم بالوطن والمواطنين ،وإعلانهم الانقلاب عن النظام وتحدي السلطات ، وهو ما دفع بالسلطة إلى مواجهتهم والتصدي لفتنتهم الرامية إلى شق الصف الوطني ، والإضرار بالوحدة الوطنية وتدمير السلام الاجتماعي . ويأتي الرضا من كون أفراد القوات المسلحة والأمن قد سارعوا لأداء الواجب الوطني والديني ، ووقفوا بصلابة ضد الحوثيين دفاعاً عن الثورة والجمهورية والوحدة ، وهنا يستحضر المرء بخياله مرأى أولئكم الأبطال من أفراد القوات المسلحة والأمن الذين بقيت دماؤهم على ثيابهم وساماً فوق صدورهم ، في ميادين الشرف والبطولة ، كما يستحضر مرأى أولئكم النازحين من ديارهم جراء هذه الفتنة التي أكلت الأخضر واليابس، ويستحضر كذلك مرأى تلك القوافل الإغاثية التي تتقاطر من جميع المحافظات في مشهد إنساني لا نظير له ، هدفها دعم القوات المسلحة والأمن ومساعدة النازحين وتخفيف معاناتهم .ومن يتأمل جيداً في المشهد القائم في صعدة حالياً يجد نفسه حائراً بين لونين من الحمرة : حمرة الدم المراق ، وحمرة الذهب المجلوب لتمويل معركة ما أنزل الله بها من سلطان.فإذا كان دم الشهداء في حرب صعدة لونه أحمر ، فإن الذهب المجلوب لتمويلها لونه أحمر كذلك، وشتان بين اللونين . فحمرة دم شهداء أفراد القوات المسلحة والأمن الذين قتلوا في هذه المعركة تبعث في نفوس المقاتلين عند رؤيتها شهامة وشجاعة ، وتبث في قلوبهم قوة وفتوة ، وتعطيهم عزيمة واقتداراً أما حمرة ذهب الخيانة ، أو صفرته الداكنة فإنها تبعث في نفس صاحبها حب الدنيا ، والتكالب عليها، والتعلق بها ، والانغماس في ملذاتها ، فتحدثه نفسه بالعمالة والخيانة ، وممارسة الباطل والضلال ، وهذا هو شأن جماعة الحوثيين وإذا كان دم شهداء القوات المسلحة والأمن يسيل ويتجمد ، فإن الذهب يسيل ويتجمد كذلك ، غير أن دم الشهداء يسيل لغرض نبيل وقصد جميل ، ويتساقط من جسم صاحبه بعد أن مات ميتة كريمة فيتجمد جزء منه على الأرض الطاهرة ليكون شاهد صدق على أن الوطن عزيز، تكتب وثيقة كرامته وعزته بقطرات زكيات من دم الشهداء، ويتجمد باقي الدم على جسم الشهيد وثيابه فلا يغسل ولا يكفن بثياب جديدة بل يبعث يوم الحشر الأكبر وقد تجمد حوله هذا الدم، فيصبح حينئذ نطاقاً يمنعه العذاب يوم القيامة.أما ذهب الخيانة فإنه ينصهر ويسيل دموعاً وندماً في أولئكم العملاء المخدوعين ثم ينحدر هذا السائل إلى خزائن القادة المأجورين، فإذا وصل إليها تجمد فيها، ويلزم الخزائن ولا يبرحها ليظل عنواناً صارخاً على بغي جامعيه، ودناءة فعلهم.ودم شهداء القوات المسلحة والأمن يرافق صاحبه في دنياه، فيجري في عروقه قوياً حاراً ينبض بالحياة فيحرضه على الإقدام والمواجهة ويدفعه إلى ميادين التضحية والفداء.ودم الشهداء وذهب الخيانة كلاهما مدخرات لصاحبه، لكن دم شهداء أبطال القوات المسلحة والأمن في صعدة سيكون عملاً مسجلاً لهم يلقونه حينما يلقون ربهم، وسيكون جواز مرورهم إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، وصدق رسول الله القائل: “للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده في الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، يتزوج باثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه” أما ذهب الخيانة فسيكون هو الآخر جواز مرور لأصحابه إلى عذاب السعير، وسيكون جزاءً حقاً، لكنه جزاء الهوان والعذاب.وبعد، لو كانت القلوب ميتة لأحياها ما يجري في صعدة على أيدي المتمردين الحوثيين، ولو كانت الضمائر نائمة لأيقظتها صرخات النساء النازحات اللاتي أجبرن على ترك منازلهن ليبتن في العراء، ولو كانت النفوس غافلة لصحاها بكاء الأطفال المشردين جراء هذه الحرب التي يحركها الذهب لتحقيق أجندات خارجية، تعود بنا القهقرى سنين إلى الوراء، وتذكرنا بالحروب ضد فلول الملكية في الستينات من القرن الماضي، والتي هبت فيها جماهير شعبنا في عموم اليمن للدفاع عن الثورة والجمهورية، وها هي قوافل الدعم الشعبي اليوم تعيد من جديد التحام الشعب بقيادته لدعم المجهود الحربي، وإيواء النازحين.[c1]* خطيب جامع الهاشمي الشيخ عثمان[/c]