كان ومازال الفنان اليمني مجداً ومتابعاً دقيقاً لمجريات الحركة الثقافية الابداعية في الواقع العربي ولما تختزنه من ابداعات راقية متنقلاً بين افيائها بجوانحه ليكتشف نفسه في ساحة الفن والطرب ورائعة الشاعر الغنائي الشاب / خالد قائد صالح أحد الاعمال التي ابرزت خاصة صوتية فريدة للفنان / سعد مانع وتبرز مع ذلك عظمة العلاقات الثنائية الطيبة التي تربط شاعراً وفناناً وكما أفرزت هذه التشكيلات الكثير من الروائع لعمالقة الفن والطرب اليمني ..فكان الشاعر لطفي جعفر أمان (في الليل أغني لك) وأحمد قاسم والشاعر / حسين البار (رحمه الله) (بربك ياابنة الوادي) ومحمد مرشد ناجي (هنا ردفان) و عبدالله هادي سبيت ومحمد محسن المحسني وأحمد علي قاسم ومحمد سعد عبدالله (كلمة ونغم) (أوعدك) علامات بارزة أثرت الساحة الفنية وألهبتها بالكثير من الاعمال الوطنية والعاطفية وأذهلت المستمع العربي وليكن هذا الترابط اليوم أكثر ثراء .. في جميلة الجميلات (ملهمة) ولقد استمعنا الى هذه الخامة الصوتية النادرة (سعد مانع) والذي ينطلق بالمناداة باحثاً عن (ملهمة) بصوت فيه تصاعد درامي ثابت وخفيف ومن سلم موسيقي شرقي (بيات) (نوى)(الى حتى اذا أنتي مؤلمة) وفي هذه العبارة أسى وحسرة ومضيفاً عارضة صغيرة ليفتح باباً جديداً لمقام موسيقي حزين (صبا) ليأخذنا الى ( اوانتظر صمتي) وفيها تسمع ثورة وعزم الى ( جروحي) عينه المقام الأخير وليدخل في مقطع (او مهما كنتش ظالمة لي ملهمة) وفيها إقرار وتأكيد على مصدر الهامة ثم .. يتثاءب بعارضة re-do ويتنفس وكأنه يبكي بعد الفناء ويصل الى (منك الألم غنوة ) مع (غنوة ونغم) وهكذا يستمر ويشرع في مقام (الراست نوى) ويتهيأ للغناء بعد مقطع موسيقي مشبع وبهذا يكون الفنان سعد مانع قد عرج على (5) مقامات موسيقية ونذكر مثلاً (إرتكازه) على (من دونك انتي غنوتي) مستخدماً مقام (الراست) ووقوفه على صرف ولرقم موسيقي معين..(كاسي1/4 ) ربع المسافة ويمر على (عجم عشيران) وبعدها الى السلم الصغير (نهاوند) ويتركه ليبدأ مقاماً موسيقياً آخر (الحجاز) وصولاً الى (أمري عجيب) (فكرة اديب) وعلى الحجاز لكنه يغني من (النهاوند) الى الخاتمة وفي إبطاء تدريجي متكرر .. إذا ..لقد تعامل الفنان سعد مانع باسلوب اعتمد فيه التمهل على شفط الشوائب مستفيداً من كمية الاوكسجين المتوافر لديه .. ما ساعده فطرياً على وضع نقلات لعوارض موسيقية أغنت هذا العمل بشكل جميل وفريد ومثير لأذن المستمع وبدون إلمام بمكونات المقام الموسيقي وفي خلق عناصر تشويق جديدة والتي الهمته الانطلاق أكثر في صهرها . وهذا ما يؤكد أن التطور الفني الموسيقي قد ظهر في أغانينا اليمنية ولأنه لم ير طريقاً آخر غيرها والاسماء التي ظهرت كنقاط ضوء ولم ينتبه لها قد أعطت ما لم يعط الآخرون فالدكتور أنور عبدالخالق عبدالرب كان له أول عمل غنائي بصياغته اللحنية ومن كلمات الشاعر الراحل (أحمد علي النصري) بعنوان (صدفة) وأداء الفنان عبدالكريم توفيق ومن مقام (fa uagey) (فار ماجور) وبتوزيع موسيقي بحث يتغلغل في النفس .. وكأنك تحرك ارشيا بالعقل وبمدخلات صوتية فريدة (تتراقص أمامك) ويعد مقام (fa magor) (فار مأجور) أحد السلالم الموسيقية الغربية وينحدر منه السلم الصغير (re-mino) ويطلق على الأخير في الموسيقى الشرقية بـ (النهاوند) ويمكن الحصول عليه باستخدام (6) درجات من (فا) صعوداً او (3) درجات من النغمة نفسها (هبوطاً) لذلك سنجد أن الفنان سعد مانع قد أجاد في صيغته اللحنية مضيفاً التكنيك البارع فيها .. وذلك ما يؤهل هذا العمل الى الأعمال الموسيقية الخالصة وهو بذلك يمخر عباب البحر العربي على أن تأخذ هذه الأعمال مكانتها وكما أثبت نجاحه وتميزه عن محبي الفن التقليدي المستهلك وكم نحن بحاجة ماسة الى إضفاء صبغة منهجية جديدة أم أننا ما زلنا نشعر وكأننا في بداياتنا الأولى !!؟أحمد درعان
|
ثقافة
الصيغة اللحنية لأغنية (ملهمة)
أخبار متعلقة