الفكر السياسي المتعدد في ظل اليمن الواحد
أ.د/ قائد محمد طربوش ردمان اتسم الفكر السياسي اليمني بالتعددية في ظل الإجماع على الوحدة اليمنية ، وأستندت هذه الأحزاب على العمل الوحدوي في برامج نشاطها العملي . وكانت كتيبة الشباب اليمني أحد بداية عمل الطلاب اليمنيين في الخارج التي قررت ( نشر الثقافة بين اليمنيين ، وإيقاظ شعورهم وتذكيرهم بماضيهم المجيد ، وتفهيمهم واجبهم في المستقبل وتزويدهم بالتعاليم الصحيحة ، التي تعود على الأمة بالنفع العام) ( الفقرة د من المادة 2 من قانون كتيبة الشباب اليمني بتاريخ 1940/9/28م ) . وقع على هذا القانون كل من الأستاذ أحمد محمد نعمان والقاضي محمد محمود الزبيري والسيد محمد علي الجفري ، وغيرهم من الطلاب اليمنيين الذين ينتمون لمختلف المناطق اليمنية . وكان لإنتشار التعليم في أوساط المهاجرين من أرياف اليمن إلى عدن أن يعجل بإنخراط الكثير منهم في حزب الأحرار اليمنيين عام 1944م ، ورابطة أبناء الجنوب العربي في الخمسينات في هذه المدينة . ونظراً لسفر أعداد كبيرة من اليمنيين للدراسة في مصر وسوريا والعراق ولبنان ، انضم أعداد منهم للأحزاب القومية والسياسية والدينية التي تكونت آنذاك في البلاد العربية ، مثل حزب البعث العربي الإشتراكي وحركة القوميين العرب والناصريين ، والماركسيين والإخوان المسلمين ، تلك الأحزاب و الجماعات التي إنتشرت في النصف الثاني من القرن العشرين . لقد تزايد تأثير هذه الأحزاب على الطلبة اليمنيين الذين كانوا يدرسون في تلك البلدان ونقل الطلبة العائدون إلى اليمن تلك الأفكار وأسسوا فروعاً لتلك الأحزاب في مدينة عدن ثم في المدن اليمنية الأخرى . وحين قامت ثورة 26 سبتمبر 1962م إنتشرت الأفكار السياسية والإجتماعية في اليمن وأنخرط أبناء اليمن في الأحزاب السياسية العلنية والسرية بصرف النظر عن المنطقة أو المذهب أو الوضع الإجتماعي ، وكان الفكر اليمني ( الأحرار ) والقومي (البعث وحركة القوميين العرب والناصريين ) والأُممي ( الماركسين والإخوان المسلمين ) شكل هذه الرابطة السياسية . وتوسع الشكل النظالي الوحدوي بإشتراك اليمانيين من كافة مناطق اليمن في الحرس الوطني للدفاع عن الثورة ، كان منهم من أبناء الجنوب اليمني من تولى أرفع المناصب القيادية في الشطر الجنوبي بعد إستقلاله ، منهم على سبيل المثال لا الحصر علي عنتر وصالح مصلح وسعيد صالح الذين قاتلوا في مناطق شمال الشمال للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر 1962م . وأشترك في النضال ضد الإستعمار البريطاني الكثير من أبناء كافة مناطق اليمن بعد قيام ثورة 14 أكتوبر 1963م ، كان منهم من تولى أرفع المناصب في الشطر الجنوبي بعد الإستقلال من أبناء الشمال منهم على سبيل المثال لا الحصر عبد الفتاح إسماعيل ومحمود عشيش ومحمد سعيد عبدالله محسن . وكانت التشكيلات الوزارية في شمال اليمن وجنوبه قبل الوحدة تضم وزراء من جميع أنحاء اليمن في هذا الشطر او ذآك . وبذلك إتسمت الحركة السياسية اليمنية بالإتجاه الوحدوي حتى بعد قيام تنظيمات وطنية تستند على الوطنية اليمنية ، من أهمها المؤتمر الشعبي العام أكبر التنظيمات السياسية القائمة على أساس الوطنية اليمنية حالياً . وكانت الوحدة اليمنية التي تحققت في 22 مايو 1990م على أساس الديمقراطية والتعددية الحزبية والسياسية ومساواة المواطنين أمام القانون والكفاءة في تقلد الوظائف العامة ...الخ نقطة الإنطلاق نحو مجتمع مدني ، تعمق هذا النهج بعد ضرب محاولة الإنفصال عام 1994م ، وبذلك سارت الأمور بما تقتضيه متطلبات العصر ومنطق الحياة المعاصرة . لم يقتصر الأمر على ما ذكرناه أعلاه فقط بل وبالعودة إلى التاريخ نجد أن اليمن على مر الأزمان والعصور كل لا يتجزأ وإن تباين فيه عدد الدويلات المتنافسة على حكمه قبل الإسلام أو بعده . فإذا أخذنا بعين الإعتبار الجغرافيا والتاريخ نجد أن موقع الإقليم اليمني وتكوين شعبه الواحد في عاداته وتقاليده وتراثه وثقافته وتكوينه النفسي واحد على مر التاريخ . وإذا أمعنا النظر في تاريخ الدويلات اليمنية المتنافسة التي إشتركت في حكمه وتفحصنا صراعاتها وإتفاقاتها نجد أنه لم تقم أي واحدة منها بالإعلان عن عدم ولائها لليمن ، أو أنها ليست جزءاً منه أو خارجة عليه أو تنصلها منه ، وإنما كانت تختلف في أسلوب حكم اليمن وتوحيده ، كل وفق عقيدتها السياسية والفكرية وطموح حكامها . ويوضح تاريخ الصراع كله أن كل دولة من تلك الدويلات قد كانت تحاول أن توحد اليمن أما بالحرب أو المصالحة أو بالإثنين معاً . وبناء على ما تقدم فإن الوحدة ليست تتويجاً للتاريخ المشترك لليمانيين ولطبوغرافية بلادهم وديمغرافيتها فقط ، بل ولما تقتضيه المعطيات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية الراهنة في هذا العصر الذي لن يكون فيه التقدم والديمقراطية والرخاء سوى للجماعات الكبيرة . وعليه فإن قيام الوحدة اليمنية على أساس الديمقراطية وفي ظل دولة المؤسسات يقود إلى إندماج السوق اليمنية وتحقيق الإنجازات في كافة مجالات الحياة ، وهو العمل الناجح الذي تحقق عام 1990م ، لحل المشاكل التي كانت قائمة في البلاد آنذاك ، والأساس الصحيح لبناء اليمن الجديد وتقدمه وتطوره نحو الأفضل . إن خيار الوحدة الديمقراطية القائمة هي الإطار السليم التي يمكن في ظلها حل أي إشكالات ناشئة من خلال النفس الوحدوي الديمقراطي القائم على الحرية والإخاء والمساواة بين كافة أبناء الشعب اليمني والتقيدً بأحكام الدستور والقوانين النافذة [c1]رئيس مركز البحوث الدستورية والقانونيةاستاذ القانون العام بكلية الحقوق/ جامعة تعز. [/c]