بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين لقيام الثورة ..الدكتور الأصبحي في حديث لـ 14اكتوبر :
صنعاء / سمير الصلوي, لؤي عباس غالب:الثورة اليمنية هي نقطة ومحور التحول في حياة الشعب اليمني، وفي ظلها خطت اليمن خطوات كبيرة في مختلف مجالات التنمية والثقافة والبناء، فقد جاءت ثمرة لتضحيات جسيمة قدمها أبناء الشعب اليمني عبر مراحل تاريخية مختلفة ومن أجل أهداف محددة. صحيفة(14 أكتوبر) وفي هذه المناسبة الوطنية التقت بالدكتور أحمد الأصبحي عضو مجلس الشورى وناقشت معه عدداً من المحاور في تاريخ الثورة اليمنية وأهدافها النبيلة وما اعترض تلك المسيرة من تحديات وكانت الحصيلة في الآتي. كانت بداية الحديث عن مسيرة الثورة والالتفاف الشعبي الجماهيري وقد سردها الدكتور الأصبحي بقوله:عندما نتحدث عن الثورة اليمنية ينبغي أن يتبادر إلى أذهاننا جميعاً أن ثورة 26 سبتمبر هي النتاج النهائي للنضال والكفاح الوطني الذي أخذ وقته ونضجت فترته وكان للضباط الأحرار شرف إشعال فتيل الثورة وتفجيرها في ذلك اليوم المجيد. فالثورة ليست ثورة أفراد أو جماعة معينة بقدر ماتعبر عن إرادة شعب أكتملت إراداته وتضافرت جهوده ووصلت إلى تفجير الثورة في ذلك اليوم المجيد, وقد سبق ذلك اليوم إرهاصات متكررة شارك فيها قطاع واسع من الشعب علماء ومفكرين وسياسيين ورجال قبائل وطلابا وعمالا وكانت مشاركتهم على مراحل مختلفة ومتداخلة. فثورة 1948م كانت البداية في أحداث الهزة غير العادية في اتجاه مقاومة الظلم والاستبداد، وقد سبقها أعمال شعبية منظمة قامت بها حركة الأحرار والجمعية اليمنية الكبرى الذين طوردوا من قبل الإمامة ونزح الكثير منهم إلى عدن آنذاك. وهناك أتيحت لهم الفرصة لإنشاء الجمعية اليمنية الكبرى التي ضمت كل المناضلين من الشمال والجنوب, وهدفت ثورة 48م إلى قيام دولة دستورية وإلغاء النظام الاستبدادي الفردي. ورغم عدم نجاح الثورة إلا أن عدداً من الثوار استطاعوا النجاة بأنفسهم وكانوا عامل استمرار لحركة الثورة وتواصلها، وكان لثورة 1948م دور كبير في إنضاج ثورة 26 سبتمبر وانتفاضة 1955م في محافظة تعز ومقتل الثلايا وعدد من الثوارحيث أزكت روح الحنق على الظلم وتفاقمت الأمور وصولاً إلى العملية الغدائية التي قام بها اللقية والعلفي والهندوانة الذين أعربوا عن إرادة شعب في التخلص من نظام استبدادي كما شكلت نقطة من نقاط الثورة والتحرير مع عدد من الحركات مثل حركات الشباب وعصيان القبائل على الحكم الامامي واستمرار المجاميع الرافضة للحكم الاستبدادي الإمامي.[c1]التخطيط للثورة[/c]ومن هنا كان التخطيط الذكي للثورة من قبل عنصرين هما: العنصر العسكري والعنصر المدني الذي ومع الأسف قليلاً ما نتحدث عنه وينقسم هذا العنصر إلى خطين خط في الداخل وخط في الخارج فالخط الداخلي تمثل برجال الأعمال بدرجة أساسية وبكثير من المناضلين والجنود المجهولين الذين لم تسلط عليهم الأضواء. وكانت هناك خلية غير عادية داخل مدينة تعز وهذه الخلية كان يغلب عليها الجانب المدني من تجار ورجال أعمال وموظفي دولة مع مجموعة محدودة من الضباط وكان التنسيق بينها وبين خلية الضباط في صنعاء عبر بعض الأفراد الذين نسقوا جهودهم فيما بينهم، وكان التسليح يتم من تعز وعبر عدد من المراحل. ومن العجيب كيفية حصول الثورارعلى السلاح وكيفية نقله من عدن إلى تعز إلى الحديدة وإلى صنعاء والتمويه في نقل السلاح وروح المغامرة الموجودة لديهم والتي كانت محفوفة بمحاذير غير عادية خشية أن يكشفوا كما اكتشف الثوار في عام 1948م وكانت عملية نضالية غير عادية على وكان التنسيق واللقاءات بين الضباط الأحرار في صنعاء وفي بني مطر وبمساعدة الكثير من الرجال المحسوبين على الإمام الذين امتلكوا قدرة غير عادية في التخطيط كما عدد من الثوار في الخارج دوراًكبيراً في إشعال الثورة. حقيقة أن الثورة يصعب أن تحددها بأشخاص لأن المشاركين فيها أعداد كبيرة ومن مختلف محافظات اليمن مدنيين وعسكريين ومن داخل الوطن وخارجه وممن أشعلوا ثورة 1948م التي تعد أصل الثورة.وإذا نظرنا إلى الثورة اليمنية فهي ثورة بكل المقاييس كونها نتاج إرادة شعب وقامت بمشاركة الجميع وتؤكد ذلك أهداف الثورة التي تم إعلانها آنذاك والتي كان أولها التخلص من الاستبداد والاستعمار ومن مخلفاتهما معناها التزام من قبل الثورة اليمنية ثورة السادس والعشرين من سبتمبر بأن تكون السند والداعم الأساسي لقيام الثورة في الجزء المحتل وهذا التوجه كان صادقاً في الميدان وحتى لم يمض سوى عام تفجرت ثورة 14 أكتوبر من جبال ردفان وكان ثوارها من الشمال والجنوب وفتحت المعسكرات ومراكز الإيواء والدعم بالمال والسلاح والمادة والدعم المعنوي والميداني وهذه الأمور شكلت الخلفية الأساسية لانتصار ثورة الـ 14 من أكتوبر. وهنا تحقق الهدف الأول من أهداف الثورة اليمنية في التخلص من الاستبداد.. قامت الثورة والرفض الذي واجهته جعلها تتجه نحو قضية مهمة وهي ترسيخ النظام الجمهوري والدفاع عن الثورة وقد انخرط المناضلون في الحرس الوطني من شمال الوطن وجنوبه ودون انتظار أجر أو أي حوافز فالجندي لم يكن يشعر بفرق بينه وبين الضابط فالكل سواسية في المعاناة ولديهم هدف مشترك وكان الدفاع غير عادي سواًء في ممن انخرط في القوات المسلحة أو من انصرف إلى البناء بتشكيل التعاونيات بصورة عفوية التي قامت وعملت على شق الطرق وبناء المدارس حسب الإمكانيات المتاحة وهنا التفت المواطن إلى بناء ذاته لإدراكه عدم قدرة الدولة حينها على البناء لضعف إيراداتها حتى جاءت الدولة وأكملت ما تبقى. ومن ذكريات ما بعد قيام الثورة أن جمعية الهلال الأحمر جاءت لمكافحة الملاريا في عهد أول وزير للصحة الشيخ علي محمد سعيد أنعم. وعند الاجتماع جاء أحدهم من عدن وكان لا يملك سوى سيارة فتبرع بها وعاد ماشياً على الأقدام وهذا دليل على الرغبة الكبيرة والضمير الحي للمواطنين آنذاك وإدراكهم أن ما يقدمونه هو واجب ثوري لا يمكن أن يضيع كما انعقدت المؤتمرات الشعبية التي كانت تمثل المجتمع المدني المبكر في المشاركة الشعبية في صنع القرار وهو ما يؤكد شعبية الثورة وثورية الشعب.[c1]أهداف تتحقق[/c]يؤسفنا ما نسمعه من قلة قليلة من الأكاديميين الذين تجرؤوا في فترة من فترات الحرب الباردة لتأثرهم بعدد من القوالب الجاهزة من الأفكار بقولهم إن ما حدث في اليمن ليس ثورة وربطهم ذلك بتعبيرات خاطئة تثير الاستغراب وإذا عدنا للوراء نجد أن أولئك المنظرين أنفسهم كانوا غير مقبولين عند الإمام وكانوا مشردين في بقاع العالم من أجل العلم فالثورة ضد الظلم ثورة من أجل المساواة في الحقوق فبعد قيام الثورة كان الجميع متساوين ولا يوجد طبقية وكان الحرفيون أكثر سعادة من بقية الطبقات في العصر الإمامي, وكانت أهداف الثورة وما تضمنته من كرامة وعدم طبقية بين أبناء الشعب وأن من أراد أن يملك فليملك في إطار النظام والقانون وفي إطار الحقوق ودون أن يضر غيره لها أثر على أبناء الشعب حيث شعروا أنهم انعتقوا من أسار الطبقية الخماسية التعيسة، وأصبح كل إنسان يشعر بالكرامة والوجود وهذه هي الثورة فالكرامة هي الشعور بالوجود وعدم الفوارق فيما بيننا، وعدم وجود ظالم ومظلوم، إضافة إلى وجود دستور نحتكم إليه, فأهداف الثورة أخذت في التفاعل إلى جانب المشاركة الشعبية في صنع القرار التي تمثلت في البحث عن دستور من خلال المؤتمرات الشعبية التي كانت تعمل على تعديل الدستور ومراجعة الحكومة. وإذا نظرنا إلى الوحدة الوطنية كهدف نجد أنه بدأ العمل على تحقيق هذا الهدف منذ البداية بدعم الثورة في جنوب اليمن وواحدية النضال ما قبل الثورة وواحدية الثورة والأهداف، على هذا الأساس وفي تلك الفترة كان هناك أحد دها السياسة البريطانية الذي قام بتجاربه في العراق ومصر واليمن ويدعى السن همفري تريفلين وهو رجل المهمات الصعبة للاحتلال، وكان قد حدد توقيت الاستقلال تزامناً مع حصار السبعين بغرض الانتقام وخلق مصائب. ولكن مما يؤكد ثورية وشعبية الثورة أن التوقيت سقط بالارادة الشعبية عندما هب أبناء الشطر الجنوبي للدفاع عن صنعاء إلى جانب إخوانهم من جميع المناطق اليمنية في القوى الشعبية والجيش الشعبي الذين دربوا على كسر الحصار وجنباً إلى جنب مع أبناء القوات المسلحة. وهو الهدف الثاني من أهداف الثورة ببناء جيش وطني وكان الجميع يدرك أن القضية قضية مجتمعية وأن الوطن وطن الجميع وأنه ينبغي وقوف الجميع درعاً واحدة. وهنا وفي هذه المرحلة لابد أن نشير إلى أن فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية كان في تلك الأيام في أحد المواقع المدافعة عن صنعاء لكسر الحصار إلى جانب عدد من زملائه الذين منهم من استشهد ومنهم من لا يزال موجوداً. وحز في نفوس هؤلاء بعد كسر الحصار أن يبقى الوطن ممزقاً فكان لابد من العمل لإعادة تحقيق الوحدة وكان للاستقطاب العالمي في الحرب الباردة انعكاسات على ما يجري في الساحة اليمنية خصوصاً وأن النظامين كانا مختلفين وصار ذلك الصراع يدفع ثمنه الشعب اليمني. في تلك الظروف استفاد العابثون من تلك المتناقضات ولكنها كانت متناقضات مصطنعة سرعان ما اختفت أمام إرادة الشعب. ففي عام 1970م كان أول عمل لإعادة تحقيق الوحدة وحصل حينها بعض العبث باغتيال محمد علي عثمان أحد أوائل مناضلي الثورة اليمنية و تعطل العمل لفترة ووصلت الأمور إلى احترب الأخوة في الشطرين من أجل الوحدة، فالجميع في الشمال والجنوب يرفعون شعار الوحدة ولكن كانت الالتباسات والشكوك تسيطر على الموقف وبعد هدوء الحرب كان لابد من المصالحة بين النظامين الوطنيين لأن الطرفين لديهما إصرار على إعادة تحقيق الوحدة وقلة من المحسوبين على الوطن هم من كانوا يحاولون أن يزرعوا الشكوك بين النظامين السياسيين وهم من المتأثرين بصراع الحرب الباردة وتلا ذلك اجتماع القاهرة وكان الجميع يرى أنه لابد أن يكون تحقيق الوحدة بالصورة الاندماجية لأننا شعب واحد ولسنا شعبين وأرض واحدة وخريطة واحدة وهذا ما رآه الثوار والمناضلون الذين شاركوا في قيام الثورة في مراحلها. وهذه الوحدة الاندماجية التي قاموا بها هي التي نعتز بها ولا يمكننا التفريط فيها وأي ممارسة خاطئة تحسب على فاعلها ولا تحسب على الوحدة الاندماجية على أي مستوى وحين بدأ العمل من أجل تحقيق الوحدة. اغتاظ العابثون وقامت حرب ثانية وكان اجتماع طرابلس الذي أضيف فيه موضوع لجنة التنظيم السياسي الموحد وهناك اكتملت الصورة ونضجت الأمور بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني.وعند الحديث عن أهداف الثورة لابد أن نؤكد أن الهدف عادة ينفذ بحسب ظروف الزمان والمكان فالأهداف غير منتهية وإذا قلنا إننا تخلصنا من الاستعمار فهناك رواسب الاستعمار ورواسب الاستبداد والإمامة وهناك من يريد الانتكاس بأهداف الثورة والعودة إلى عصر الإمامة والكهنوت والتخلف والاستعمار والتشطير وهذه الأمور جميعها ما زالت عامل تحفيز لكل المناضلين والشرفاء الوطنيين ولكل من كافحوا وناضلوا ممن لا يزالون على قيد الحياة ويتذكروان كفاح زملائهم الأوائل. ولهذا أقول الثورة ما قامت من أجل أن تجهض ولا من أجل أن يعود الاستعمار والتشطير والإمامة مهما حاول البعض أن يستغلوا النظام الديمقراطي والتعددية السياسية والمصطلحات الراقية التي نؤمن بها وندافع عنها ونحن أحق بها من أن يستخدموها كما قيل: ( كلمة حق أريد بها باطل) أو يغذوا الساحة بالمفاهيم الخاطئة مغلفة بالقيم العظيمة التي نؤمن بها فهذه قيمنا ومبادئنا التي نؤمن بها وهي أهداف الثورة وأهداف المناضلين.والنضال الوطني الذي دام أكثر من (130) عاماً شارك فيه كل المناضلين وأبناء المناضلين تدعمه الأجيال المتجددة والمتلاحقة وليس من اليسير أن يمحى بين عشية وضحاها لمجرد أن هناك حالمين بالعودة إلى الوراء.