يعظم الخطاب الديني حرمات الدين لاسيما تلك المتعلقة بالعبادات وطاعة العلماء وولاة الأمر ويتجاهلون -ملياً- الشقّ الخاص بظلم العباد والموالي من زوجات وأبناء.. يفضّل الخطباء ‘’علك’’ المواضيع ذاتها المتعلقة بالصدقة والصلاة والحاكمية والمسائل الخلافية على تخصيص خطبة لتثقيف الرجال بواجباتهم الأسرية.. لذا فإن كثيراً ممن يسابقون غيرهم للمساجد والطاعات هم أعتى العتاة في منازلهم وأظلم الظلمة مع زوجاتهم.. فقد سمعوا -مرارا- عقوبة المرأة الناشز، وكيف أن اللعنة تطارد الزوجة العاصية لزوجها او الممتنعة عنه؛ ولكنهم لم يسمعوا عمّا يطال الزوج من لعنة إن آذى زوجته أو تركها وأهملها!شريحة المهجورات في مجتمعاتنا ليست بالشريحة هامشية العدد.. ولكنها بلا ثقل ولا قيمة في خطاب العلماء الذين يستخفّون بالمشكلة ويهمّشونها.. في صفوف هؤلاء قضاةٌ يعلّقون قضايا 846 امرأة يطالبن بالطلاق للهجر، فيحجب عنهن لحين ‘’إثباتهن للضرر الواقع’’ لأن قضاتنا لا يرون في الهجر وتداعياته نوعاً من أنواع الضرر!!إن كان هذا هو حال من يحملون لواء العدالة والدين، فما بالكم بالعامة الذين يرون تعليق الرجل لزوجة وبناءه لحياة جديدة على ركام حياتها حقٌّاً له إن هي ما ‘’عتقت’’ أو تبدّل مظهرها.. ويتخذ هؤلاء من الآية الكريمة (واهجروهن في المضاجع) رخصةً مطلقةً لهجر الزوجة متى ما شاؤوا واستبدالها بأخرى في السر أو العلن.. رغم أن غاية الهجر عند العلماء شهر كما ذكر القرطبي؛ وهو وسيلة عقاب للزوجة المتمردة لا يُلجأ لها إلا بعد استنفاد العظة والحوار!!ما يطفح لنا على السطح من هذه المشكلة هو قمة جبل الجليد.. فهناك آلاف ممن يعانين بصمت. في دراسة لجامعة الملك فهد -هي إحدى الدراسات القلائل في هذا الموضوع- تبيّن أن زهاء ربع العينة تعاني من الهجر وانفصال الزوج معنويا أو جسديا.. وكشفت الدراسة عن الآثار السلبية لهجر الزوج على الزوجة وعلى رأسها الآثار النفسية والعاطفية والشعور بالذل والمهانة في المقام الأول (49.3%) وتراكم الديون والأعباء في الثاني (33.3%) وحلّت تعقيدات عدم وجود شريك يعين في تربية الذكور والقيام بالأسرة في المرتبة الثالثة (17.3%). هذا وأوضحت الدراسة أن أكثر من ربع المبحوثات قد هجرن لمدة سنة، تليها اللواتي هجرن لسنتين ثم ثلاث سنوات ثم تساوت نسبة اللاتي هجرن سبعا أو ثماني، وبلغت نسبة من هجرن لأكثر من عشر سنوات 17%!!وساقت الدراسة قائمة -ولا أطول- للآثار السلبية لهجر الأب على الأبناء بين أمراض نفسية وتوتر وعدوانية وانطواء وتأخر دراسي، ناهيك عن الانحرافات السلوكية.. ووفقا للدراسة فإن غير العاملات هن الأكثر تعرضا للظلم؛ فهناك علاقة ارتباطية طردية بين عمل المرأة وحصولها على حقوقها.كل هذا يتمركز في كفة ويقع الظلم والقهر الاجتماعي الذي تتعرض له في أخرى.. فالمهجورة تحرم من أبسط الحقوق التي تعطى للمطلقات والأرامل كعلاوة الغلاء وبدل الإيجار والخدمات الإسكانية والمساعدات الاجتماعية، وتتعطل كثير من معاملاتهن الخدمية بدعوى أنهن متزوجات.. في وقت سابق طالب بعضهن ‘’بشهادة هجران’’ تقوم مقام ورقة الطلاق تتيح لهن فرصة للمطالبة ببعض حقوقهن، ولكن مطالبتهن تلك ذُرّت في الرياح كالعادة.. ليقبعن تحت رحمة مظالم مزدوجة: ظلم زوج لا يخشى حدود الله؛ ومجتمع واسع الذمة؛ وسلطات لا تعبأ بمعاناة الضعيفات! فويل لهكذا مجتمع وعدالته الظالمة من ظلم النساء.. [c1]--------------------------------عن/ جريدة “الوقت” البحرينية[/c]
|
مقالات
ضحايا الهجر
أخبار متعلقة