منبر التراث
في يوم من الأيام جلس كسر أنو شروان على سرير الملك , وظهرت على ملامح وجهه علامات السأم والكآبة ولا يدري سبب ذلك ، فالأنهار تجري من تحته ، ومملكته تعيش في رخاء ، وقوة , والملوك من البلدان المجاورة له يخطبون وده . وفي أثناء استغراقه في التفكير. أعلن حاجب قصره ، أن وزيره بزرجمهر يطلب الإذن بالمثول أمامه . وقيل أن الوزير بزرجمهر هذا كان يتحلى بصفات الحكمة ، والرأي السديد ، والنظرة الثاقبة , وكان كذلك مطلع على السير ، والتاريخ , وفوق ذلك كان ناصحا أمينا لكسرى , وكان يسوس أمور المملكة على خير ما يرام . [c1]وزير كسرى[/c]ودخل الوزير بزرجمهر , وقبل الأرض بين يدي أنوشروان . و لفت نظر الوزير أن ملامح كسرى تشي بأن مزاجه ليس على ما يرام في هذا اليوم . وأن الابتسامة المضيئة قد غابت عن وجهه بسبب سحب الكآبة والحزن والأسى الكثيفة التي حجبت أشعتها .[c1]قصة لؤلؤة[/c] وتكلم الوزير بزرجمهر بصوت منخفض وهادئ ونبرات واثقة قائلا : ـ أيها الملك السعيد ذو الرأي السديد ، أرى اليوم حالك مهموما ، وبالك مشغولا قاتل الله الهم ، وأضحك الله سن الملك العظيم .ـ لا أدري ما سبب حزني وكآبتي هذا اليوم ؟ . ـ هل يسمح لي الملك السعيد أن أروي قصة تحمل العبر والمواعظ لعلها تبدد سحب الكآبة التي تحجب ابتسامتك ، وتعيد إلى نفسك البهجة والسرور. صمت كسرى برهة و قال : ـ ما هي هذه القصة التي سترويها لنا أيها الوزير الحكيم ؟ ، أرويها لنا لعلها تخرجنا من كآبتنا وحزننا . وبصوت هادئ وبنبرات واضحة واثقة روي الوزير القصة , فقال : أنه كان فيما مضى وتقدم من قديم الزمان ، وسالف العصر والأوان , أنه كانت هناك حورية رائعة الحسن إذا خرجت من أعماق البحر ، وألقت بجسدها البض على الشاطئ فكأنما الشمس أشرقت وأضاءت كل مكان . كانت تسمى لؤلؤة تعيش في صدفة واسعة في قاع البحر العميق الذي ليس له قرار . وكانت أجمل حوريات البحر السبع ، طلبها ملوك البحر ، وعرضوا عليها الترف والنعيم . ولكن قلبها كان مشغولا بفتى صياد وسيم يجلس على صخرة ضخمة تطل على البحر ، و يلقي بشباكه في مياه البحر قبل بزوغ خيوط الفجر , وينتظر حتى شروق الشمس .[c1]من طلب اللآلي [/c] ثم يسحبها ، ولا يظهر إلا في اليوم التالي وهكذا دواليك . تعلق قلبها به من أول نظرة وحاولت مرات عديدة الاقتراب من الصخرة الجالس عليها , وأن تلقي عليه التحية . ولكنها خشيت أن تفزعه فلا يعود مرة أخرى إلى الصخرة ، فتحترم من رؤيته . وفي يوم من الأيام ، وهي بجانب الصخرة تنظر إليه بحب وهيام وغرام ، ترامى إلى مسامعها أبيات من الشعر يقول فيها : يغوص البحر من طلب أللآليويحظى بالسيادة والنوال ومن طلب العلا من غير كد أضاع العمر في طلب المحال [c1]عين الزمان[/c]وتعجبت ( لؤلؤة ) من كلام الصياد الشاب , وعرفت من خلال أبيات أشعاره ، أنه فتى يتحلى بالعزيمة ، والإرادة الكبيرين وبالحيوية والنشاط ، وأن الخمول ولكسل لا يعرفان الطريق إلى قلبه . وفكرت وقدرت أن تساعد ذلك الشاب الشجاع صاحب الروح الوثابة . وعندما كان الليل يتسرب من أصابع الفجر , ويصير الأفق رماديا كانت بالقرب من الصخرة الجالس عليها الصياد الشاب , وقد ألقى شباكه في مياه البحر ، وكان في ذلك اليوم البحر هائجا ، والرياح شديدة تكاد تقلع الصخور الضخمة . ونادت عليه بصوت مرتفع ، ترامى إلى مسامعه الصوت ، لم يصدق نفسه أنه سمع صوتا , وهل يعقل أن يحضر أحدا في ذلك المكان وفي ذلك الوقت؟. وظن أن أصوات الرياح هي التي سمعها . ولم تمض لحظة حتى نادت عليه مرة أخرى بل أنها ظهرت أمامه . تسمرت عيناه عليها من جمالها الفاتن وضيائها الباهر . وقبل أن يفيق من صدمته تلك ، بادرته ( لؤلؤة ) قائلة : ـ السلام عليك ، لا تخشى شيئا أنا حورية من حوريات البحر العميق ، وأسمي ( لؤلؤة ) . وأنا هنا جئت لأمد يد العون والمساعدة لشاب يتحلى بالإرادة والعزيمة الكبيرين وذلك بعد أن سمعت بعض أبيات من أشعارك . قالت ما أسم الفتى : ـ عين الزمان . صياد أسعى وراء رزقي , لدى والدة أصابها الهرم وهي تعاني المرض . ـ سأعطيك حبة لؤلؤ ، تبيعها ، وتتاجر فيها , وعندما تصير تاجرا كبيرا في المدينة . تعود إلى في ذلك المكان عند بزوغ ضوء الفجر .وقبل الصياد عين الزمان مساعدتها الكبيرة ، وباع حبة اللؤلؤ , وكانت لؤلؤة عجيبة في لونها ، وفي حجمها . ومضت الأيام ، والشهور ، والسنين ، وتعاقب الصيف ، والشتاء ، والربيع , والخريف , وصار عين الزمان شيخ بندر التجار في المدينة , وصار لديه أسطولا من سفن الصيد . تذكر شرط حورية البحر ( لؤلؤة ) . وعند بزوغ ضوء الفجر ، جلس عين الزمان على الصخرة , وانتظر بشوق ولهفة أن يرى حورية البحر التي ملكت قلبه وعقله وروحه , ولم يعد يفكر إلا بها . [c1]وغابت غيبتها الأبدية[/c]والحقيقة أن بعد مغادرة لؤلؤة للصياد عين الزمان ، وإعطائه اللؤلؤة العجيبة كان قلبها الصغير يقطر حزن وأسى كبيرين ، فقد كانت تدرك تمام الإدراك أن الحب بينهما من المستحيلات ، فهو إنسان وهي حورية من حوريات البحرعلى الرغم من ذلك كان قلبها ينبض بحبها له بل أنه مع الأيام توهج ذلك الحب وصار جمرة متقدة أحرقت نفسها و كانت تتعذب عذابا غليظا . وفي يوم من الأيام وهي تسبح في أعماق البحر , وتفكر بالصياد عين الزمان , فإذا بحوت ضخم من ضخامته يحجب عين الشمس ، يقف أمامها ، فيبتلعها ، فتغيب غيبتها الأبدية . ولم يعلم الصياد الشاب عين الزمان بما حدث لحبيبته ( لؤلؤة ) . وقلنا أن عين الزمان كان ينتظر الحورية ( لؤلؤة ) بلهفة وشوق عظيمين . وانتظر موعدها ولم تحضر , وجلس على الصخرة حتى جنحت الشمس إلى المغيب , ولكنها لم تعد . وفي كل يوم كان ينتظر موعدها لعلها تأتي إليه كما وعدته ( لؤلؤة ) . وتعاقبت الأيام ، والشهور والسنين الطوال وهو على موعده يجلس على الصخرة حتى تجنح الشمس إلى المغيب . اشتعل رأسه شيبا ، ووهن العظم منه ، وما زال الصياد الشيخ عين الزمان ينتظر أجمل من رأت عينيه في هذه الدنيا ...