الزواج الجماعي يتحول إلى تحدٍ جديد للعمل السكاني في ظل تدني الوعي بتنظيم الأسرة
تحقيق/ بدر الغشم:تزايدت خلال الأعوام الثلاثة الماضية ظاهرة الزواج الجماعي في مجتمعنا اليمني وأصبحت الجمعيات الخيرية المحلية والخارجية وغيرها من المؤسسات الحكومية تتبارى في تحقيق أرقام قياسية لحشد الآلاف من الراغبين في الزواج في إطار الزواج الجماعي .. ومع أن هذه الظاهرة وهذا المسعى عمل إنساني وخيري في نظر الجميع ويعين المعسرين على الزواج ويسهل لأكبر شريحة من الشباب إكمال نصف دينهم .. الا أن هناك من يرى أن هذا التوجه رغم أهميته ونبل مسماه يشكل تحدياً حقيقياً للخطط والبرامج السكانية التي تسعى اليمن من خلالها إلى تحقيق نتائج إيجابية في مضمار التصدي للمشاكل السكانية الناجمة عن الانفجار السكاني الكبير غير المقدور السيطرة عليه حتى الآن بسبب ارتفاع نسبة النمو والخصوبة العالية .. فإذا كانت الدولة في سياستها السكانية تحاول بأسس علمية وبمجهود سنوات من الزمن وفقاً لعدد من المعايير الدقيقة والدراسات الميدانية التي تعتمد على أرقام ونسب تقريبية لعدد السكان والمواليد ـ تحاول ـ خفض نسبة الخصوبة من 6 مواليد لكل امرأة في سن الزواج إلى أقل ما يمكن وبالتالي تخفيض نسبة النمو السكاني من 3% إلى أقل ما يمكن .. فكيف سيكون الحال في ظل تنامي وانتشار ظاهرة الزواج الجماعي الحاصلة حالياً والذي يتزايد أعداد المنتسبين اليها من عام إلى آخر .. هل تستوعب خطط وبرامج السياسة السكانية مثل هذه الظاهرة ؟ وهل يتسبب الزواج الجماعي في إضافة أعباء جديدة تشكل تحدياً أمام العمل السكاني .. كيف ينظر المواطنون لهذا الزواج وما هي انعكاساته السلبية في الحياة الأسرية والسكانية ..؟صحيفة 14 أكتوبر سلطت الضوء على هذه الظاهرة من خلال هذا التحقيق الذي أجرته مع عدد من المواطنين الذين عبروا عن آرائهم للإجابة على تلك الأسئلة المطروحة .. فإلى الحصيلة:[c1]زواج دون السن القانوني[/c]بداية تحدث الأخ/ علي محمد محمد عمر ـ مهتم بالشأن الاجتماعي والعمل الخيري ـ قائلاً: ظاهرة الزواج الجماعي الذي تقيمه عدد من الجمعيات الخيرية والتي بدأت تتزايد في بلادنا بشكل ملفت، وتتسابق الجهات الخاصة والعامة في إقامة هذه الأعراس الجماعية حتى صارت عدداً من الجهات الحكومية في القطاعات المدنية والقوات المسلحة تتبنى إقامة مثل هذه الأعراس السنوية في أوساط منتسبيها .. وهذا من حيث المبدأ عمل خيري واهتمام جيد، ويصب في إطار تحصين الشباب اليمني المسلم وبناء الأسرة في ظل البناء المجتمعي للمجتمع اليمني .. وأضاف: من خلال المتابعة لمثل هذه الأنشطة الخيرية في هذا الجانب الذي نتحدث عنه فيمكن القول أن متوسط عدد الملتحقين بالزواج الجماعي عن طريق الجمعيات الخيرية والجهات الحكومية على مستوى اليمن وفي العام الواحد مابين 10 ـ 12 الف (زوج وزوجة) مشيراً إلى أن هذه الجمعيات لا تضع ضمن معاييرها لتحديد الأولوية في الزواج (السن) والقدرة الصحية والمالية والاجتماعية .. إذ لا قانون يحدد سن الزواج للذكر والأنثى .. والتقاليد المجتمعية في مجتمعنا اليمني المسلم بشكل عام تدعو إلى تحصين الشباب بالزواج المبكر من منطلق إسلامي محافظ دون الأخذ بالاعتبار الظروف الاجتماعية الأخرى، والتي بدأت تبرز من خلال ارتفاع نسبة المواليد بنسب عالية تزيد عن المعدلات المعقولة وحتى الموجودة في الدول المجاورة .. مؤكداً أن نسبة 25 ـ 30% من عدد المزوجين عن طريق الجمعيات وأعراس الزواج الجماعي هم في سن أقل من 18 ـ 20 سنة بالنسبة للإناث وبالنسبة للذكور ممن قد لا تكون ظروفهم المادية والقدرات الأخرى لتحمل البيت والأسرة وقد يكون أمامهم من سنتين إلى أربع سنوات تقريباً لإتخاذ قرار الزواج هذا في الظروف الطبيعية وبحسب تقديراتهم ..وأختتم الأخ/ علي عمر حديثه مستنتجاً أن الجمعيات التي تقيم الأعراس الجماعية في ظل عام أخذ المعايير تساهم في تزويج ما نسبته 30,25 % من الشباب دون السن القانونية وبالنسبة للذكور دون مراعاة توفر الظروف المناسبة لتحمل مسؤولية الأسرة من حيث المقدرة المالية والنضوج الجسمي والنفسي والمعرفي لواجبات وحقوق الزوجية والتربية للأبناء ولمتطلباتهم .. وهذا يعمق الكثير من الإختلالات في الجانب الاجتماعي والصحي والتعليمي والتنموي ويربك الدولة في العمل السكاني.[c1]السير عكس الخطط السكانية[/c]من جانبه يرى الأخ/ محسن محسن محمد الدار ـ مدرس في دار رعاية الأيتام: أن الزواج الجماعي كظاهرة اجتماعية تتبناها الجمعيات الخيرية وبعض الجهات الرسمية، تسير عكس الخطط السكانية التي تتبناها أكثر من جهة خصوصاً والمستهدف في هذا المشروع في الغالب هم ممن ليس لهم المقدرة على الزواج .. والأهم من ذلك أن برامج الزواج الجماعي تتطرق إلى موضوع ما بعد الزواج وهو تكوين الأسرة، ومن المعلوم أن الأسرة هي الغاية من الزواج وينبغي أن تكون أسرة قوية ومتماسكة تحظى بالرعاية الكاملة من الدولة.وأضاف: اليمن تعتبر من أعلى البلدان فيما يتعلق بارتفاع نسبة الخصوبة ومع انتشار الزواج الجماعي كظاهرة رسمية وشعبية مؤخراً يجعل المعاناة في ازدياد وبحسب تقديري أن من يشملهم الزواج الجماعي في العام الواحد قرابة الـ 10 ألاف وفي حال بقاء هذا العدد وبنفس الرقم خلال عشر سنوات سيكون لدينا 100 ألف عريس يكون نتاجهم خلال العشر السنوات قرابة نصف مليون طفل وهذا عائق كبير للإستراتيجيات والخطط التنموية في ظل الظروف الراهنة للدولة مما يؤدي إلى انتشار الفقر والجهل وقلة الرعاية الصحية وانتشار البطالة وظهور التسول وأطفال الشوارع لاحقاً.مشيراً إلى أنه إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن مشروع الزواج الجماعي لا يشترط التعليم ومصدر دخل المستهدف والسن القانونية للزواج فإن النتائج بلا شك سنكون كارثية .. خاصة ان وأهم شرط للزواج من منظور إسلامي هو الاستطاعة على تحمل مسؤولية الأسرة وهذا لا يتوفر في مشاريع الزواج الجماعي .. داعياً الجميع أفراداً ومجتمعا مدنيا وجهات رسمية إلى وضع معايير دقيقة ومدروسة وبالتنسيق مع جهات الاختصاص في مجال العمل السكاني وضمن خطط الدولة للخروج بمجتمع نوعي يسهم في البناء والتنمية ومتسلح بالعلم ومثمر في شتى ميادين الحياة.[c1]دراسة وتقييم الأثر[/c]وعلى النقيض من ذلك اعتبر الأخ/ محمد عبده الوصابي الزواج الجماعي بالظاهرة التكافلية التي تسهم إلى حد كبير في مد يد العون لكل من خذلتهم ظروفهم الاقتصادية في تحمل تكاليف ونفقات الزواج، وأن هذا العمل فيه من الأجر والثواب الكثير والكثير لأنه يحقق هدفاً سامياً من أهداف وسنن الحياة في (الزواج) من خلال مساعدة المعسرين على أكمال نصف دينهم تحصين أنفسهم من الانحراف أو الوقوع في الرذيلة وجرائم الزنا .. وأضاف: لا أعتقد أن الزواج الجماعي سيزيد من الكثافة السكانية أو يؤثر على الجهود المبذولة للحد من الانفجار السكاني .. فهؤلاء الذين يشملهم الزواج الجماعي ذكوراً وإناثاً هم اصلاً موجودون في إطار فئات المجتمع الشابة المحسوب حسابها في التعداد السكاني والخطط الإستراتيجية المتعلقة بهذا الأمر وفقاً للفئة العمرية لهذه الفئة. وهؤلاء في سن الزواج وسيتزوجون خلال فترات أو سنوات متقاربة .. لذلك فالزواج الجماعي أختصر وقرب لهم الفترة الزمنية للزواج ليس الا باعتبار زواجهم سيتم آجلاً أو عاجلاً ومعمول حسابه في التقديرات الإحصائية.واستدرك الوصابي قائلاً: لكن يجب أن تخضع ظاهرة الزواج الجماعي للدراسة وتقييم الآثار باعتبار أن عدد المواليد مستقبلاً سيكون كبيراً وسيحتل مساحة اكبر في قاعدة الهرم السكاني الحالية، وهؤلاء الأطفال يحتاجون إلى الكثير من الرعاية والاهتمام على صعيد حياتهم صحياً وتعليمياً وغذائياً وغيره، معتبراً أن تكثيف العمليات التوعوية السكانية وبخاصة ما يتعلق بالصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة ومخاطر الإنجاب المبكر وضرورة المباعدة بين الولادات وأهميتها في صحة الأم والطفل هو الحل الأنسب لتوعية المجتمع وعبر مختلف الوسائل لتجنب كافة المشاكل السكانية التي تترتب عن الزيادة السكانية التي تعاني منها البلاد .. مشيراً إلى ضرورة أن تنفذ للجمعيات التي تتبنى الزواج الجماعي وبالتالي ستقوم هذه الجمعيات بإعطاء هذه المسألة اهتماما كبيرا، وستمارس بدورها عمليات توعوية سكانية عن الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة.[c1]كثافة سكانية كبيرة[/c]ويقول الأخ/ محمد شايف الشاوش :هناك بعض الآثار السلبية تترتب على الزواج الجماعي وأهمها الأعداد الكبيرة للمواليد الذين ستحتفل بقدومهم اليمن كل عام وبهذا الكم وفي وقت واحد، ولذلك يعتبر الزواج الجماعي قنبلة موقوتة تهدد بنسف العمل السكاني .. فلو افترضنا انه تم تزويج 9 آلاف عريس فقط خلال عام واحد، سيأتي العام الذي يليه وربما تسعة أشهر فقط ولدينا على الأقل 7 آلاف طفل .. بغض النظر عن المواليد في اليمن خارج إطار الزواج الجماعي حيث يولد كل خمس دقائق مولود بحسب آراء المختصين في المجال السكاني .. مضيفاً أن هؤلاء المواليد بشكل عام سواء اتوا عن طريق الزواج الجماعي أو غيره يشكلون كثافة سكانية كبيرة ويعيشون مرحلة الطفولة يحتاجون فيها إلى الرعاية الصحية الكاملة والمأكل والمشرب والملبس والتعليم الجيد وبالتالي مزيداً من الضغط على كافة الخدمات، وخير دليل على ذلك هو عدم قدرة المدارس الحكومية رغم كثرتها على استيعاب كافة الأطفال، فالفصل الواحد في المدرسة يحشر فيه من 150 ـ 200 طالب في بداية مراحل التعليم الأساسي والحصيلة التعليمية ستكون لا شيء .. وعقبىالمستقبل الذي سيكون هؤلاء الأطفال هم أجياله .. وقال (شايف) : أن رقعة الفقر ستتسع أكثر وأكثر بوجود هذا الكم الهائل من الأطفال وستكون المهمة صعبة للغاية على من يتولون رسم السياسات السكانية والاقتصادية في البلاد .. فالكثافة السكانية ستزيد ويصعب التحكم فيها، داعياً المجلس الوطني للسكان والجهات المعنية إلى إيلاء هذه المسالة الاهتمام الكبير وتنسيق الجهود مع الجمعيات التي تتبنى الزواج الجماعي لما من شأنه توعية الداخلين الى الأقفاص إلى أقفاص لـ (الذهبية) بأهمية تنظيم الأسرة حتى لا تتحول هذه الأقفاص إلى أقفاص الفقر تحاصر أرباب الأسر والأطفال والمجتمع فمن المعيب ونحن نسمع الخطب الرنانة المختلفة في مهرجانات الزواج الجماعي أن لا نسمع خطبة توعوية في هذه المهرجانات أو منشورات أو بوروشورات تتعلق بأهمية الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة ومخاطر الزواج المبكر والإنجاب المبكر، ونتمنى أن يكون للعمليات التوعوية السكانية حضورًا كبيراً في هذه الأوساط.[c1]التفكير فيما بعد الزواج[/c]أما الأخ/ رياض احمد النهاري فيرى: أن الزواج ذاته سنة إلهية لتكوين الأسرة، والزواج الجماعي عمل إنساني تصب أهدافه في هذا الإطار .. ومع إيماننا جميعاً بأن الرزق على الله ، وقال الرسول (ص) تزوجوا فقراء يغنيكم الله الا أن هناك بعض المتهورين والمتسرعين من المعسرين يندفعون نحو هذه الجمعيات التي تتبنى الزواج الجماعي للانضمام إلى من سيتزوجون برعاية هذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية .. هؤلاء المتهورون لا يفكرون الا في زواج وبس .. زواج في نظر بعضهم زواج (عرطة) ويتناسون أن هناك ما هو أهم من الزواج نفسه وهو التفكير فيما بعد الزواج .. سيكون هناك أسرة وأطفال يكون الأب مسؤولا عنهم أمام الله وعن تربيتهم وتعليمهم وإطعامهم .. فمنهم من لا يسأل نفسه هل لديه مقدرة كاملة على تحمل مسؤولية ما بعد الزواج وبالتالي تكون النتيجة توسيعاً وزيادة في نسبة الفقر .. وبسبب هؤلاء المتسرعين في طلب الزواج يتحول مسعى الجمعيات الخيرية التي تتبنى الزواج الجماعي من مسعى خيري إلى مسعى ينظر إليه البعض انه غير خيري ومنهم من يرى تحوله إلى ظلم لأنه تسبب في تزويج أشخاص غير آهلين اوقادرين على الزواج أنجبوا اطفالاً وعجزوا عن الإنفاق عليهم، خاصة ونحن في مجتمع لم يتفهم فيه الكثير أهمية تنظيم الأسرة والاقتناع بعد قليل من الأولاد .. لذلك أطالب هذه الجمعيات أن تدرس بعناية كل طلبات المتقدمين للزواج وأن تكون الأهلية هي الأساس لقبول المقدم وليس مسألة العوز فقط أو العمر أو المقدرة الجنسية، فإذا كان المتقدم مؤهلاً لتحمل مسؤولية تكوين أسرة والإنفاق عليها يتم قبوله ومساعدته على الزواج والا فالرفض أول ما يجب أن تتبعه هذه الجمعيات في معايير اختيارها في التزويج.ومهما يكن الأمر فإن الزواج الجماعي بشكل عام يتسبب بشكل أو بآخر في إضافة أعباء جديدة على مسار وتوجهات العمل السكاني ويمثل تحدياً ستظهر عواقبه مستقبلاً ما لم يتم تدارس هذه الظاهرة ووضع الضوابط المناسبة لها والتوعية في مهرجاناتها .. فقد تطل علينا بعض المؤسسات أو الجمعيات لتفاجئنا بمهرجانات سنوية لتزويج 50 ـ 100 الف عريس خلال العام.