أضواء
تخيل لو كنت من مجتمع يبلغ تعداده تسعة ملايين وقوة العمل فيه تبلغ خمسة ملايين لكنه لا يعمل منه سوى نصف مليون تقريباً، بينما يعاني الأربعة ملايين ونصف مليون من البطالة!ثم تخيل لو أن نسبة البطالة هذه لا تقلق أحداً، ولا تهدد أحداً، بل وتتزايد، من 21.7 في المئة في عام 1423هـ إلى 26.3 في المئة في العام 1427هـ. وأن نسبة العمل فيه تبلغ 5.5 في المئة وهي تمثل الحد الأدنى للمشاركة في قوة العمل في العالم. تخيل لو كنت من مجتمع يتخرج منه 120 ألف خريج من الجامعات، يؤول بهم الحال إلى أن يعاني 95 في المئة من البطالة فيه، ثم تخيل أنك من مجتمع تتسبب فيه الأعراف والتقاليد واللأيديولوجيا المحافظة، أن لا يتاح لك من العلوم إلا تخصصات محددة لم تعد تجد من يطلبها في سوق العمل، لأنها مجرد تخصصات نظرية لا تلبي حاجة السوق، كالجغرافيا والتاريخ والتربية والاجتماع، وممنوع عنك دراسة الهندسة والمحاماة وعلوم الطيران والفضاء والقضاء، أما من يختار تخصصات علمية نادرة كالطب والصيدلة فإن مصيرهم «مفقود مفقود».تخيل أنك من مجتمع تجد فيه نفسك متزوجاً بعقد شرعي مختوم من المحكمة ثم يعترض على زواجك فرد من عائلتك فيصدر ضدك حكم قضائي، يبطل زواجك، ويحرمك من أبنائك وشريك حياتك بشعار عدم تكافؤ النسب، وإن رفضت تنفيذ الحكم توضع في دار رعاية أشبه بالسجن، هذا المجتمع هو مجتمع النساء عندنا في السعودية!وبدلاً من أن نناقش هذه القضايا، ونضعها على طاولة المواضيع المهمة والملحة، فإننا نركض لتبريرها وتسويف حلها، بل ويجتهد بعضنا بإعطاء تفسيرات متعسفة لأحاديث دينية وآيات قرانية، ليقول بأن ما يحدث من ظلم، وإهمال للنساء هو أمر رباني. أمر رباني أن تحرم النساء من العمل والتعليم والزواج، وتركهن فريسة للحاجة والقسوة التي تضطرهن لطرق غير شريفة لكسب المال. هذه الممارسات في المفهوم اللغوي والإجرائي تسمى تمييزاً ضد المرأة، وهذا التمييز، واحد من انحرافات ثقافية ما زالت مطمورة في قاع وعينا ولا وعينا أيضاً، والذي لا يمكن التخلص منها إلا بنبشها ومناقشتها وفك طلاسمها.خطاب الملك عبدالله الأخير في مجلس الوزراء منذ أيام والذي ناقش فيه قضية التمييز ودعا فيه للحيلولة دون حصول ممارسات تنطوي على ممارسات عنصرية واحترام قيمة الإنسان بصرف النظر عن جنسه ولونه وعرقه هو أول وأهم هذه المناقشات التي تعيد للإنسان باعتباره إنساناً كرامته، وتعطيه حقوقه أولها العلم والعمل وتقرير المصير. وحري بنا وهذا خطاب القائد أن تترجم مؤسسات العمل لدينا هذا الخطاب وترعاه حق قدره.[c1]*عن/ صحيفة «الحياة» الطبعة السعودية[/c]