فكرته طرحت في مؤتمر الشيخوخة بـ «أبو ظبي»
القاهرة/14اكتوبر/ عادل دسوقي محمود: لم يعد ذلك المنزل الذي كان يعج بضجيج الأطفال وضحكات الشباب إلا مجرد مأوى للذكريات.. ومعاناة لأحد المسنين الذين يعانون من فراغ الوحدة بعد وفاة شريكة الحياة وانشغال الأبناء والأحفاد عنه الأمر الذي ينعكس على حالته الصحية بل وتجعله يعد الدقائق والساعات في انتظار أجله المحتوم. من هنا كانت فكرة «زواج المؤانسة» الذي طرح مؤخرا في مؤتمر الشيخوخة بأبوظبي بمثابة بارقة أمل للمسنين من جديد ، حيث لا مانع من أن يكون الزوجان المسنان كبقية أفراد أسرتهم الجديدة من خلال كفالة أطفال يتامى فهل هذه الفكرة تعد مقبولة اجتماعيا؟ وإن كان الأمر كذلك، فما أثر ذلك على نفسية المسن أو المسنة؟من كتاب «دموع القلب» للراحل عبد الوهاب مطاوع، أرسل أحد قراء بريده إليه بمشكلته، موضحا في بدايتها أنه رجل عصامي تخرج من إحدى كليات القمة ورزقه الله بنعمة الزوجةو الذرية الصالحة، واستطاع أن يبني عمارة بها شقق بعدد الأولاد وزوجاتهم جميعا إلا الابن الأصغر، وبعد مشوار طويل تركته زوجته وانتقلت إلى الرفيق الأعلى، ولم يؤنس وحدته إلا ابنه الأصغر الذي انشغل هو أيضا باستعداده للزواج، ولم يعد يراه الأب إلا طالبا للنقود أو المشورة.ويقول الأب : أصبحت أعاني من مرارة الفراق والحرمان من الأنيس والجليس أوقات الليل والنهار، مع أن أبنائي المتزوجين يقيمون فوقي وتحتي في المنزل نفسه، لكن كل منهم أصبح له حياته الخاصة وأصبحت لا أجد من أتكلم معه، سوء صورتي ودعائي لربي بأن يخرجني من كربي وحزني، وأشعر دائما بالاكتئاب والميل إلى البكاء والانطواء، لولا تمسكي بالصبر والصلاة.ثم جاءني صديقي العزيز وجاري لزيارتي، فدهش لما وصل إليه حالي، واقترح على ضرورة الزواج مرة أخرى، لأن الرجل في حاجة دائما إلى زوجة ترعاه ويرعاها، خاصة أني وقتها لم أبلغ الستين وقادر صحيا وماديا على الزواج.. اقتنعت بوجهة نظره وفاتحت أبنائي برغبتي في البحث عن زوجة تناسبني من حيث السن والمستوي الاجتماعي والثقافي، لكنهم فتحوا علي أبواب الجحيم، وفوجئت بالرفض القاطع الذي لا يبرره شيء إلا الرغبة في الرفض.تألمت كثيرا، ولكني لم أشأ إيلامهم أو إحراجهم، وتساءلت عن الحل البديل الذي يرضيهم لوحدتي، فكان الحل الذي اقترحوه هو أن يتكفل الأبناء بالتناوب كل يوم بشئوني المنزلية، فرضيت بهذا الحل المنقوص إكراما لأبنائي.انشغلت بعملي عن وحدتي حتى بلغت سن المعاش، فبدأ الجدول المقرر لخدمتي في الاضطراب، حتى أصبحت لا أري أولادي ونحن نعيش في منزل واحد، واكتفوا جميعا بالسؤال عني عند صعودهم إلى شققهم أو نزولهم منها، ولولا صديقي وجاري العزيز، الذي يؤنس وحدتي ويسأل عني، ويساعدني في بعض شئوني لظروف مرضي لتعفنت في شقتي خاصة بعد إصابتي بجلطة في القلب شفيت منها سريعا وأصبحت في حاجة إلى عناية غذائية وصحية وأنا في السبعين من عمري.يقول د. محمد فكري مدرس الطب النفسي بجامعة عين شمس: إن زواج المؤانسة، فكرة حميدة قائمة على التفكير العقلاني وتلبي الاحتياجات النفسية للمسن الذي باتت تقتله الوحدة بعد انشغال أولاده عنه، كما أن أهم ميزة فيه أنه لا يثقل كاهل الزوجين بالمسؤوليات كما هو حال صغار السن.ويعترض على استكمال المسنين حياتهما الأسرية بتبني أو كفالة أيتام في المنزل، مؤكدا أن ظروف المسن الصحية والفجوات الثقافية الموجودة بين الجيلين لا تسمح له برعاية أطفال خاصة وأننا في سباق تكنولوجيا المعلومات التي لا يتقنها غالبية المسنين وتستحوذ على اهتمام جميع الأطفال بلا استثناء، وليكن مثالنا العبء الذي تشعر به الجدة رغم وجود خادمة عند رعاية حفيدها أثناء وجود أمه في العمل.[c1]الدعم لا يأتي بالزواج[/c]أما د. سعيد المصري أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة فيري أن معاناة كبار السن في مجتمعنا تكمن في احتياجهم للشعور بأن حياتهم لها معني، ومازالوا محل تقدير من جميع المحيطين، فكبير السن يشعر بالإهمال وعدم الاكتراث ورفض المجتمع ويتجلي ذلك عندما يخرج إلى المعاش، وعندما ينشغل أولاده عنه بحياتهم الخاصة.ويضيف: في رأيي أن الدعم النفسي لا يأتي بالزواج، وإنما بوجود أدوار ذات معني يقوم بها المسن في الحياة، كيلا يعد الساعات الباقية حتي ينتهي أجله في الحياة.ويؤكد أن فكرة زواج المؤانسة، مأخوذة من مجتمعات غربية، وطبيعي أن يتزوج فيها المسنون بعد السبعين ويكون لديهم قابلية للحياة والحب من جديد، أما في المجتمع العربي غالبا ما يعيش المسن في أوساط عائلية، وإن نظرنا إلى الحالات الموجودة في دار المسنين نجدهم لم ينعموا بنعمة الإنجاب، أو أن أولادهم مشغولون لدرجة لا تسمح لهم برعاية والديهم وهذه قلة.ويضيف : كما أن فكرة زواج المسن مرفوضة لدينا في المجتمع العربي، خاصة لو كانت امرأة، إذ ترفض ثقافة المجتمع السائدة زواج المطلقة أو الأرملة من جديد، ولا ننسي أيضا أن فكرة زواج المرأة مرتبطة بالخصوبة والعطاء والرغبة في الزواج، وهذه الرغبة لا تتوافر لدى كثير من النساء إلا أنها تتوافر لدى كثير من الرجال، وعند تطبيقها لا يتطلعون إلى امرأة مسنة تؤنس وحدتهم بل إلى فتاة في الأربعين من عمرها فاتها قطار الزواج قادرة على خدمة المسن والعمل على راحته.ويختتم د. المصري أن هذه الفكرة لا تصلح للتعميم على جميع فئات المجتمع لأن الطبقة الفقيرة لا يشغل بالها الاحتياجات النفسية وكل همها توفير قوت اليوم، والطبقة المتوسطة مطحونة تحت عجلات الحياة لتوفير الاحتياجات الأساسية، ومنخرطة في إطار أسري لا بأس به، لذا فإن أنسب طبقة هي الطبقة العليا من الأغنياء والمثقفين ومشاهير النجوم، فنحن لا نتعجب عندما نسمع الفنان العالمي عمر الشريف يشكو وحدته.و تؤكد د. سامية الساعاتي - أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن انشغال الأبناء عن أبيهم أو أمهم لا يعني بالضرورة وجود خلل في تربية الأولاد، ولكن طابع الحياة وأزماتها الاقتصادية لم تعد تتيح للابن تمضية أكثر من يوم مع أبيه المسن، تاركا الأب أو الأم يعيشان في فراغ بقية الأسبوع.وتري أن فكرة زواج المؤانسة هي فكرة بحاجة إلى مزيد من الدراسة خاصة أنها من الأفكار المستوردة من الغرب وقد لا تناسب مجتمعاتنا الشرقية.