تأسست هيئة الاستثمار منذ نحو 15 سنة بغرض جذب رأس المال الأجنبي وتسهيل نقل المعرفة والتقنية لتخطي الجهاز البيروقراطي بغرض دعم اقتصاد المملكة. تحت قيادة سمو الأمير عبد الله بن فيصل ثم الأستاذ عمرو الدباغ حاولت الهيئة إعطاء الاستثمار في المملكة وجها إعلاميا جديدا مثل جائزة التنافسية، وحاولت بعض «المناوشات» مع الأجهزة البيروقراطية مثل «العمل» ووزارة التجارة و«الخارجية»، إلا أنها تخطت ذلك الدور في السنوات الأخيرة إلى محاولة «الإدارة الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة» من مدن اقتصادية إلى محاولات في استثمارات محتملة كبيرة ليست بالضرورة ذات بعد اقتصادي تنافسي ومستدام. يقابل هذه الخلفية المتغيرة حقيقة اقتصادية مفادها أن المملكة بلاد مصدرة لرأس المال. كذلك يصعب أن ترسم علاقة واضحة بين دور الهيئة وتكلفتها وحجم الاستثمار الأجنبي في المملكة. جذب الاستثمارات الأجنبية المؤثرة الذي يراهن على مزايا المملكة التنافسية في إنتاج الطاقة والصناعات البتروكيماوية لم يبدأ بالهيئة ولم ينته بتغيير أو نهاية دور الهيئة. بل إن أحد أخطاء الهيئة كان في ما سمي مجازا الاستثمار الأجنبي حين شجعت بعض الأفراد والمؤسسات الصغيرة التي كانت في غالبها مدخلا وفرصة للكثير للتخلص من نظام «الكفيل» أكثر منها استثمارا أجنبيا وتقنية عالية، وفي هذا بعض الضرر على جهود السعودة، فهذه كانت لورش ومناجر ولم ترتق للغرض الأساسي من تأسيس الهيئة. نظرا لدرجة الاستقلال وديناميكية رئيسها استطاعت ملء بعض الفراغات في القرار الاقتصادي وأخذت على عاتقها رسم بعض السياسات الاقتصادية، وهنا يتضح مدى الطبيعة البيولوجية للمؤسسات البيروقراطية فهي تستطيع التكيف والمنافسة وإيجاد مجالات جديدة، وهذا كله رغبة في البقاء والحياة الإعلامية على حساب الغرض الأساسي من تأسيسها وبطء حركة بعض الجهات الأخرى. يقاس أداء الهيئة أو المملكة حول جاذبية الاستثمار بناء على توافر العوامل الجاذبة مثل حجم السوق ومهارة الأيدي العاملة وعمق المعرفة والتقنية والبيئة النظامية والقانونية، وما الجانب الإعلامي إلا جزء بسيط من هذه المنظومة. المراقب لعمل الهيئة اليوم يلاحظ الدور الإعلامي النشط الذي ينافس وزارة الإعلام والثقافة ولكن بلون اقتصادي، وهذا يبعث على مزيد من الإثارة. إحدى خواص المملكة أنها تاريخيا مقصرة في الإعلام الخارجي المنظم الذي يخدم رسالة البلاد عموما وثقافتها واقتصادها خاصة. فهناك خليط بين الرسالة الإعلامية الاقتصادية لدى الهيئة وبين الأدوار الإعلامية لعدة وزارات من جهة وبين رسم وإدارة المنشآت الاقتصادية ودور الهيئة وبين المؤسسات الاقتصادية الفاعلة مثل وزارات المالية والاقتصاد والصناعة وشركة أرامكو و«سابك» وغيرها من جهات أخرى. هذا الخليط يضعف الرسالة السعودية الشاملة والدقيقة تخصصيا. يقع الحل في إعادة تأهيل الهيئة وتحديد دورها بدقة أو إعطائها بعض الأدوار المناطة بجهات أخرى. ولكن ترك تلك «القبائل» البيروقراطية في نصف أدوار وضبابية في السياسات وضعف في التنفيذ لا يخدم الاقتصاد السعودي ولا يعطي المستثمر الأجنبي الانطباع الصحي عن طبيعة المؤسسات السعودية أو حتى السياسة الاقتصادية. حان الوقت لإجراء مراجعة جادة بعد جرد حسابات الربح والخسارة في تجربة الهيئة والمردود الفعلي على البلاد ومقارنة ذلك بالخيارات الإعلامية الاقتصادية الممكنة.
هيئة الاستثمار العامة .. بين العلاقات العامة والحقيقة الاقتصادية
أخبار متعلقة