صباح الخير
الأمية ورم خبيث يجب محاربته بشتى السبل الممكنة، وهو يعطل كل مشاريعنا ويؤخر تقدمنا، ويضاعف من تخلفنا، ومع ذلك أصبحنا نعالجه معالجة سطحية بالمسكنات لأن أي خطة لمحو الأمية لا يصاحبها التشريع والمساندة من جميع المسؤولين لن يكتب لها النجاح.لقد أصبح من العار أن نشهد نسبة الأمية تزداد، بدلاً من أن تتقلص في أغلب أجزاء وطننا العربي، ففي آخر إحصاء لمنطقة الاليكسو التابعة للجامعة العربية بلغ عدد الأميين في الوطن العربي من مئة مليون أمي يجهلون القراءة والكتابة. إن الأمية أخذت تستنزف مجهود أمتنا وطاقاتها، وقد حان الوقت للتخلص منها بشتى الأساليب الحديثة الممكنة، حتى نتهيأ لتطوير ثقافة المتعلمين، فيلحقوا بالتبدلات السريعة التي تطرأ يومياً على عالمنا. إننا نؤمن أن ثقافة الإنسان العربي يجب أن تمتد من المهد إلى اللحد. وهذا لن يتم إلا إذا تبدلت عقلية مجتمعنا، وعرف مدى الفائدة المرجوة من تعليم الكبار.في البلدان الأجنبية توصلوا بعد تجارب عديدة إلى عمل إحصائيات قالوا فيها: “إن التعليم البسيط الذي حصل عليه العامل في سنة واحدة زاد إنتاجه بنسبة 30%، والذين تعلموا أر بع سنوات زاد إنتاجهم فوق إنتاج الأميين بنسبة 43% والمتخرجون في الثانوية زاد إنتاجهم على إنتاج الأميين بنسبة 108%. أما خريجو الجامعات فيزيد إنتاجهم على إنتاج الأميين بنسبة 300% هذا بالطبع في حالة تهيئة الظروف المحفزة للعمل لكلا الصنفين. هذه هي حالة بعض نتائج التعليم التي وعاها الغرب وعمل على الاستفادة منها، ومع الأسف فإن فشل هذا الوعي مازال ينقصنا في المجتمع العربي.إن برامج التنمية القائمة حاليا تقع مسؤولية تنفيذها على الأفراد الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 – 50 سنة، أي الفئة المنتجة في البلاد العربية النامية، وبالتالي ينتج عن إهمال هذه الفئة في محو أميتها تباطؤ عجلة التنمية. وقد ثبت علمياً دحض الفكرة القديمة التي كانت تشكك في قدرة الكبير على التعليم واكتساب المهارات اللغوية، ولكن وجدنا الدارسين ينهون المرحلة الابتدائية في سنتين من الزمن.. ثم يعملون على تكملة تعليمهم ليحصل على شهادة الثانوية في نهاية المطاف.يرى بعض الباحثين أن النشأة الحقيقية لتعليم الكبار في المجتمع الأوروبي ترجع في جوهرها إلى عملية التصنيع التي تعود هي الأخرى بدورها إلى تطوير الطاقة البخارية والكهربائية لعمليات الإنتاج.. وهكذا ظهرت الآلات ونشأت المصانع، وتطورت المجتمعات من النشاط الزراعي إلى الصناعي. وكان لزاماً على الكبار أن يتعلموا الطرق والوسائل الصناعية الجديدة حتى يسيروا تلك الآلات المختلفة. وبما أن الحضارة الصناعية تتطور بسرعة يتجه للاكتشاف والمخترعات العلمية المختلفة، فقد كان على الكبار أن يتعلموا ويتدربوا حتى يسايروا ذلك التطور. وهكذا بدأت أهمية وضرورة حركة تعليم الكبار لمواجهة التطور الصناعي القائم.مما تقدم نفهم أن تعليم الكبار في الدول المتقدمة ارتبط بمحاولات واسعة شملت النواحي المهنية والاجتماعية والاقتصادية بمساعدة الحكومات، وفتحت الجامعات الأوروبية والأمريكية أبوابها ليتعلم فيها الكبار فيما اصطلحوا على تسميته باسم التعليم مدى الحياة. أما نحن في الوطن العربي، فليس من المستحيل علينا أن نتبع نفس الأسلوب، فالإمكانات متوفرة لدينا، وإنما الذي ينقصنا هو التخطيط السليم من أجل محو أمية الأفراد، تلك الأمية المتفشية في بلادنا العربية بنسب تتراوح ما بين 50 95% – للذكور و 84 100% – للإناث، في حين أن الأمية انتهت وتلاشت في الدول الأوروبية، نجد أنفسنا في الوطن العربي نعاني ازدياد الأمية يوما عن يوم لأننا لسنا صادقين فيما نخطط له في هذا المجال.