أضواء
عندما أعلن عن البدء في السوق الخليجية المشتركة في الدوحة في نهاية العام الماضي (2007) لم أشعر أبدا بأهمية ذلك الإعلان وقلت في نفسي أنه مجرد “إعلان” عن بعض الأحلام التي لن تتحقق مثل كثير من الأحلام التي أتحفنا بها مجلس التعاون الخليجي ولم يتحقق منها إلا تلك الأحلام التي تتحقق لوحدها دون جهد أما تلك الأحلام المرتبطة بتحديات المستقبل فلم يتحقق منها شيء.لا أريد أن أكون “يؤوسا” مع أن اليأس من مجلس التعاون أمر مبرر فنحن على مشارف نهاية العقد الثالث من عمر المجلس ولم يتحقق الكثير الذي كانت تطمح له دول المنطقة وشعوبها بل كل ما نسمعه مجرد “مشاريع” تضيع في “دهاليز” بيروقراطية الدول خصوصا وأن كل مشروع يضاف له عبارة “ويتم التطبيق حسب القوانين والأنظمة الخاصة بكل دولة”، ولأن كل دولة لها مصالحها الخاصة وليس لديها أي استعداد للتنازل للأطراف الأخرى فقد ظلت كل المشاريع معلقة حتى “النظام الجمركي” الذي تفخر به “الأمانة العامة” لدول الخليج وتعتقد أنها حققت نجاحات كبيرة فيه يظل ناقصا ويواجه العديد من الإشكالات البيروقراطية وبعض النقاط غير الواضحة التي تجعله “مشروعا معاقا” هذا ما سمعته في اللقاء الذي جمعنا بأمين مجلس التعاون الأستاذ عبدالرحمن العطية في الغرفة التجارية بالمنطقة الشرقية قبل عدة أسابيع، فقد تحدث الأمين عن “السوق الخليجية المشتركة” بشكل يبعث على التفاؤل لكن من خلال الأسئلة تبين لي أن المشروع يواجه مشاكل حقيقية نتيجة لترك مسألة التطبيق للدول الأعضاء بدلا من تفعيل دور الأمانة كي تصبح بحجم وقوة أمانة الاتحاد الأوروبي. في عالم اليوم لا يكفي أبدا أن نعمل بسرعة بل يجب أن نعمل بشكل أسرع من الآخرين وإلا سوف نراوح مكاننا هذا إذا لم نتأخر عن الركب أكثر لأن الآخرين يعملون بشكل أسرع منا، وإذا ما عرفنا أصلا أننا متأخرون جدا وأنه يجب علينا العمل بشكل أسرع من الآخرين حتى نلحق بهم فسوف نشعر بحجم الكارثة التي نعيشها نتيجة لهذا التباطؤ الغريب الذي “نتلذذ” به وكأن الأمر برمته لا يعنينا. أذكر أنني شعرت ببعض البهجة عندما تم الإعلان عن “العملة الخليجية المشتركة” قبل عدة سنوات وعندما سمعت عن موعد تطبيقها شعرت ببعض الخيبة وقلت لماذا لا نعمل بشكل أسرع والآن تم تأجيل المشروع عندما اقترب موعد التطبيق وإلى موعد غير محدد، لأننا غير جادين بما فيه الكفاية وكل دولة من دول الخليج تعتقد أنها ليست بحاجة للدول الأخرى. والذي يظهر لي أننا ننتمي لثقافة تعتمد بالدرجة الأولى على العمل “المنفرد” ولا تستطيع تكوين فرق العمل المنتجة والجادة وإلا بماذا يمكن أن نفسر مرور ثلاثة عقود على مجلس التعاون (تقريبا) وكل ما حققناه هو “دورة الخليج” (وقد بدأت قبل تأسيس المجلس وإلا كان أصابها ما أصاب كثيرا من القرارات التعاونية) وربما عدم الحاجة لتأشيرة دخول لدول الخليج، أما على الصعيد الاقتصادي والتعليمي وحتى السياسي فلم نحقق نتائج لها قيمة كبيرة. ربما يعود السبب هنا إلى ما أكده العديد من المهتمين الخليجيين الذين اجتمعوا في الأسبوع الثاني من هذا الشهر في البحرين في منتدى التنمية فقد ذكروا أن المختلف يتفوق على الجوهري بين دول الخليج لذلك يصعب تطوير إستراتيجية مشتركة في ظل هذا الاختلاف الكبير. السوق الخليجية المشتركة يفترض منها أن تتيح “المواطنة الكاملة” لمواطني مجلس التعاون لكنها متروكة لتطبيق كل دولة حسب أنظمتها ولوائحها، أي ان المحصلة النهائية ستكون تعقيدات كبيرة ستجعل كل مواطن خليجي يؤثر السلامة ويبقى في مكانه، بينما الدول الخليجية المنفتحة اقتصاديا وثقافيا لا تحتاج السوق المشتركة أبدا كي تشعر الخليجيين وغيرهم بالمواطنة. المشكلة أننا في كل قمة خليجية نسمع الكثير من الأفكار ومن المشاريع “المثيرة” التي نعلم في قرارة أنفسنا أنها لن تتحقق لكننا “نحلم” مثل غيرنا أن تصبح المنطقة كتلة اقتصادية وثقافية وسياسية واحدة وبعد وهلة نعرف أن هذا الحلم صعب المنال لأن هناك من العوائق الداخلية في كل دولة خليجية التي تمنع التكامل “المؤثر”. السوق الخليجية المشتركة يفترض بها أن تقوي موقف دول الخليج التفاوضي مع الكتل الأخرى في العالم ويفترض أنها ستشجع الاستثمار البيني وتتيح حق التملك للمواطن الخليجي إضافة للكثير من التسهيلات التي تحقق مسألة المواطنة للخليجيين في كل الدول الخليجية. لن أقول إن هذه أحلام، فما سمعته من الأمين العام الأستاذ العطية يحث على العمل إذ أنه لا يكفي التفاؤل لبناء مشاريع عملاقة مثل السوق الخليجية المشتركة، وأذكر في هذا الصدد أن احدى القنوات السعودية سألت المواطنين في احدى المدن السعودية عن السوق الخليجية المشتركة وتأثيرها على حياتهم (وكان ذلك بعد الإعلان عن إطلاق هذا المشروع بأيام) ولم يستطع أحد أن يجيب على السؤال إلا بعبارات عامة، بينما فكرة السوق المشتركة يجب أن تكون “ثقافة”، أي أنها ليست قرارا يستفيد منه المستثمرون الكبار بل هي “تفعيل لثقافة المواطنة” الخليجية والتي يبدو أنها غائبة كثيرا عن الأذهان. المشاريع الكبيرة تبدأ من المواطن العادي وتنتهي إليه وإذا كان المواطن الخليجي “فقد الثقة” في المشاريع الخليجية التكاملية ولم يعد يهتم بما يطلق من مبادرات فسنكون بذلك خسرنا القاعدة الأساسية التي تضمن نجاح أي مبادرة في المستقبل. بالتأكيد انا سعيد بالاستماع لأمين مجلس التعاون وسعيد أكثر بالحماس لفكرة “المواطنة الخليجية” لكني أتمنى أن تكون اللقاءات هذه أكثر والتفاعل مع كل طبقات المجتمع وليس رجال الأعمال فقط الذين لا يحتاجون للسوق المشتركة كي يحركوا استثماراتهم من مكان لآخر. استعادة الثقة في مجلس التعاون تتطلب نجاح المبادرات المهمة والكبيرة التي وعد بها قادة المجلس مواطنيهم كما أنها تحتاج أن نبتعد عن “ثقافة التسويف” وتأجيل المشاريع المهمة وتتطلب قوة كبيرة وصلاحيات عالية لأمانة المجلس وفك عزلة هذه الأمانة عن المجتمع الخليجي فخلال العقود الثلاثة الماضية لا نسمع عن نشاطات الأمانة إلا عند اقتراب لقاء القمة. ولعل الأهم هنا أن تتخلص دول المجلس من “سلحفائية” اتخاذ القرار وجمود تطبيق القرارات وإخضاعها للنظم المحلية المعقدة وأن تكون مستعدة لتقديم بعض التنازلات لمنظومة المجلس بدلا من البحث المستمر عن المصالح الخاصة. ولعلي اقترح هنا أن يكون هناك تنظيمات وقوانين على مستوى دول الخليج ملزمة للجميع بصرف النظر عن النظم المحلية التي قد تتقاطع مع التفاصيل مثل القوانين الفدرالية في الولايات المتحدة والتي تتقاطع مع النظم المحلية لكل ولاية، هذه مجرد فكرة أتمنى أن تكون جديرة بالدراسة.