منبر التراث
[c1]قلاع وحصون عدن[/c]أجمعت المراجع التاريخية أن عدن شهدت في القرن الرابع الهجري ( القرن العاشر الميلادي ) ازدهارا واسعا في العمارة الإسلامية أو قل إن شئت نضوجا كبيرا في أسلوب وطريقة البناء . وخصوصا في طراز بناء المساجد ، والقلاع والحصون التي كانت تطفو فوق رؤوس عدد من الجبال المطلة على البحر. ولقد انبهر البرتغاليون الذين حاولوا اقتحام عدن سنة 919 هـ / 1513 م وفشلوا في حملتهم إلى قوة وصلابة القلاع والحصون التي صمدت لقذائف المدافع الثقيلة [c1]عبقرية المهندس اليمني[/c]ويصف بعض الرحالة الغربيين بيوت عدن بأنه يشعر المرء في داخلها بالجو المنعش بالرغم من حرارة ورطوبة عدن الكبيرين . والحقيقة أن أحد الرحالة الغربيين الألمان الذي زار عدن تقريبا في سنة 1936 م أشاد بالمهندس اليمني القديم وأثنى على عبقريته عندما استطاع بمهارة وذكاء عاليين أن يوائم بين مناخ عدن الحار ومواد البناء . فقد استخدم المواد التي تناسب أجواء عدن . وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على عبقريته في العمارة . ويضيف الرحال الألماني بأن الذي لفت نظره في مساجد عدن من الخارج أنه يحيط حول سقوفها أشكال هندسية صغيرة مختلفة كأشكال هرمية ويسميها أهل الصوفية بعرائس السماء وذلك لرقتها وجمال هيئتها. وفي الحقيقة أن عرائس السماء - على حسب تعبير أهل الصوفية - تعد من خصائص العمارة الإسلامية البحتة ولا توجد إلا فيها. ويذهب الدكتور حسين مؤنس إلى أن الشرافات ( عرائس السماء ) أصلها فارسي وأنها كانت تستعمل كذلك في تزيين سقوف البيوت , وتوضع كعنصر زخرفي في تيجان الملوك. ولقد استخدمها المسلمون استخداما رائعا وتفننوا في أشكالها وصارت جزءاً لا يتجزأ من نسيج العمارة الإسلامية .[c1]المشربيات [/c]وإذا تجولنا في عدد من شوارع عدن القديمة الخلفية مثل حي الحسين سيجذب نظرك المشربيات الخشبية البارزة في واجهات البيوت وهي كذلك من خصائص طراز العمارة الإسلامية والذي ذاع صيته في العهد المملوكي بمصر . وعندما جاء المماليك إلى اليمن تقريبا في سنة 1515 م للوقوف في وجه الأساطيل البرتغالية التي كانت تهدد سواحل اليمن . انتشرت المشربيات فيها انتشارا واسعا وهي عبارة عن نافذة خشبية مستطيلة توجد فيها فتحات كثيرة ومتناسقة . ومن مميزات المشربيات أنها تدخل الهواء المنعش إلى داخل البيوت ومن ناحية أخرى أنها تحجب رؤية المتطفلين , وتعطي أيضا شكلا جميلا لواجهات البيوت . [c1]السبيل [/c]ومن ملامح العمارة الإسلامية الأصيلة والأصلية في عدن والتي ظهرت بشكل واضح في القرن الرابع الهجري ( القرن العاشر الميلادي ) هي (السبيل ) مبنى يزود بالماء لتشرب منه السابلة . ولقد تفنن المهندس اليمني القديم في أشكال ( السبيل ) وتطورت أشكاله المعمارية ووصلت إلى غاية الجمال في عصر المماليك بمصر و هي قطع معمارية تدخل في ضمن نطاق العمارة الدينية . وقيل إن المساجد الهامة في عدن كانت في يوم من الأيام تحتوي على مارستان ( أي مستشفى ) . وكان العلاج فيه مجانا وبجواره مدرسة لحفظ وتعليم القرآن والحديث النبوي الشريف . [c1]الطراز المعماري الهندي[/c]ولكن مع الأسف العميق ، لم نعثر حتى هذه اللحظة على تلك القطع المعمارية الإسلامية الفريدة كالسبيل ، والمارستان أو المارستانات التي تعود ـ كما مر بنا سابقا ـ إلى العصر المملوكي في مصر والذي انتشر انتشارا في اليمن ومنها ثغرها عدن . والحقيقة أنه من الطبيعي أن تستقبل عدن تلك التيارات المعمارية المتنوعة الطرز بسبب كونها ميناء هاماً تستقبل السفن القادمة من مختلف بقاع العالم ومنها على سبيل المثال الطراز المعماري الهندي أو العمارة الهندية . وقد يقول قائلا : " أن العمارة الهندية دخلت في وقت قريب مع دخول الإنجليز إلى عدن سنة (1255هـ / 1839 م ) . والحقيقة أن العلاقة بين عدن والهند علاقة قديمة تعود إلى التاريخ القديم وقويت تلك العلاقة في العصور الوسطى وخصوصا في عهد الدولة الرسولية التي حكمت اليمن قرابة أكثر من مائتي عام ( 626 ـ 858هـ / 1228 ـ 1454 م ) وازدادت وضوحا ورسوخا في حكم السلطان الملك الناصر الرسولي (308 هـ / 1424م ) الذي جلس على كرسي الحكم 24 عاما والذي أعطى عناية بالغة لثغر اليمن عدن . وفي عهد الدولة الطاهرية ( 858 هـ ـ 933 هـ / 1453 ـ 7251 م ) . كانت عدن تضم الكثير من الأجناس المختلفة ومنهم الهنود كل تلك العوامل والأسباب جعلت عدن تكتسب ثقافة العمارة الهندية وطرزها المختلفة والتي يتميز بها بعض المساجد العتيقة في كريتر ( عدن القديمة ) حيث يتميز الطراز الهندي في بناء القباب كشكل بصلة وهي من الخصائص المعمارية الهندية . [c1]متحف معماري[/c]وفي واقع الأمر ، أن عدن كانت في يوم من الأيام متحفا معماريا ضم الكثير من الثقافات المعمارية المختلفة الشكل والطرز لكونها ميناء يفتح عقله وقلبه للتيارات الثقافية المتباينة ومنها طرز العمارة ـ كما مر بنا سابقا ـ . ولكن مع الأسف العميق لقد أهملنا طرز العمارة الإسلامية في عدن عروس البحر العربي , والمدخل الجنوبي الحقيقي للبحر الأحمر , والمطل على الطريق البحري الذي يربط بين الشرق والغرب . ونأمل من المؤرخين المحدثين والباحثين الحاليين أن يسلطوا الأضواء القوية الكاشفة حول العمارة الإسلامية في عدن . وأنني أكاد أجزم بأننا سنخرج بنتائج تاريخية وعلمية قيمة وباهرة عن تاريخها المعماري الإسلامي الأصيل بوجه خاص والعمارة الإسلامية في اليمن بوجه عام .