إعداد/ عمر عبد ربه السبع السياسات القمعية التي مر بها العالم العربي، أصابت البشر في أبسط حقوقهم المدنية، وظل حق الانسان العربي في حياة حرة كريمة أمراً بالغ الصعوبة، بيد أن محاولة الانسان العربي المتكررة في التمرد ومناهضة السلطة الشمولية المستبدة أبرز أشكالاً جديدة للعلاقات السياسية ، ضمن أطر ومكونات جديدة للمجتمع، فبرزت مصطلحات الديمقراطية والتعددية السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وهي مؤسسات غير حكومية غرضها المشاركة في صنع القرار، والدفاع عن المصالح الاقتصادية، ونشر الوعي البيئي والثقافي، والاسهام في الاعمال الخيرية والأعمال الاجتماعية لتحقيق التنمية.ومصطلح المجتمع المدني مصطلح وافد إلينا من الغرب رغم ان تجاربنا السياسية والمعيشية قد اثبتت تعايش نخبة المجتمع مع الدولة ومع النهج الديمقراطي تحت مسميات مختلفة بهدف الوصول إلى المجتمع المنشود، دون أي تعارض في العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين هذه المؤسسات المدنية وسلطة الدولة .فمؤسسات المجتمع المدني النشطة في عموم الوطن العربي تحظى باهتمام كبير من قبل هذه الدول، كما تلقى الرعاية المادية والدعم من المؤسسات المماثلة في الدول الغربية بغية تطوير الوعي العام وتحقيق المشاركة الفاعلة للارتقاء بالممارسة اليومية نحو الأفضل، وهذه المؤسسات المدنية ليست في الاتجاه المعاكس مع الدولة، بل تسهم في العملية السياسية وتطوير مستوى الوعي والممارسة لدى الافراد للمشاركة الفاعلة والسلمية في تحقيق النماء المنشود .وعلى الرغم من مكونات المجتمع المدني التي تتزايد يوماً بعد يوم من مكونات سياسية واجتماعية وثقافية وعلمية، كمنظمات سياسية، واتحادات، كالأتحاد النسائي ، اتحاد العمال، اتحاد الفلاحين والنقابات والجمعيات الخيرية والتوعوية في عموم الوطن العربي من المحيط إلى الخليج ، إلا أن هناك انقساماً حاداً في آراء الباحثين العرب حول موضوعة المجتمع المدني ، إذ يقول الباحث عزالدين اللواج بهذا الصدد إن الكتاب والباحثين العرب منقسمون إلى ثلاثة اتجاهات :[c1]الاتجاة الاول:[/c]يؤيد فرضية تفعيل منظمات المجتمع المدني في المنطقة العربية وإن أي رأي مخالف هو رأي مخالف هو رأي يدعم القمع والاستبداد الذي تمارسه النظم التقليدية السلطوية.[c1]الاتجاة الثاني[/c]يرفض موضوعة المجتمع المدني بشكل مطلق ويعتبرها محاولة لالهاء شعوب المنطقة عن قضاياها المصيرية وان احياءها مجرد وهم وانبهار بالثقافة الغربية .[c1]لاتجاه الثالث :[/c]ينطلق من زاوية توفيقية مفادها انه اذا تمت صياغة موضوعة المجتمع المدني وفق منظور براغماتي يراعي خصوصية البيئة العربية وتجاربها الخاصة وأنه إذا ماتم منحها متسعاً من النقاش العلمي المثمر والبناء فإن موضوعة المجتمع المدني ستكون أداة فاعلة في مواجهة قهر وتجبر النظم السلطوية .إن المجتمعات المدنية في الاقطار العربية لم ترق بعد إلى التأثير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في المجتمع العربي، لهذا فإن تأثيرها في الإصلاح والتغيير بطيء ولكنه ليس معدوماً فالعقل السياسي العربي لايزال في طور المراجعة ومحاسبة الذات، ومفهومه للديمقراطية لايفتأ الاعتراف بحق المواطن في الانتخابات، والممارسة الديمقراطية لم تأخذ بعد شكلها ومضمونها المطلوب فالسلطة في الانظمة العربية بشكل عام تحتكر الثروة والقوة، وعند الحاجة تنتهك الحقوق والحريات السياسية والاجتماعية للاحزاب المعارضة والتيارات المناوئة لتوجهاتها .ان مؤسسات المجتمع المدني في بعض الاقطار العربية استطاعت أن تحظى باهتمام الدولة وتشكل معها شريكاً حيوياً في تنفيذ بعض الاستراتيجيات وهي لاتفتأ بفعل ثقافة التسامح لنخبتها المدنية ان تجعل من الديمقراطية والتعددية السياسية مخرجاً اساسياً للبناء الاجتماعي ، وهناك علاقة اتصال بين مؤسسات المجتمع غير الحكومية ومؤسسات الدولة، بل إن هذه المؤسسات غير الحكومية والمدنية تخضع لقواعد منظمة تحدد طريقة عملها وأسلوب أدائها وعلاقتها بالدولة، وتتولى الدولة الرقابة والاشراف على المؤسسات المدنية، وان علاقة الدول بالمجتمعات المدنية في المنطقة العربية تحكمها ضرورة تطوير التجربة وتهذيب شوائبها دراسة اطرها لقانونية والاجتماعية والسياسية وصولاً لبلورة نظرية وعملية مثمرة لتحقيق الشراكة الفاعلة وحماية الحقوق وتوفير الخدمات والتكافل الاجتماعي وصولاً للتنمية الشاملة التي ينشدها المجتمع .ولاغرو أن يكون مفهوم المجتمع المدني في الكيان العربي قد أخذ ابعاداً مختلفة وآراء متباينة، إلا ان الحقيقة ـ في الواقع المعاش ـ تؤكد يوماً بعد يوم ان المجتمعات العربية تعيد بناء ذاتها لتتحول إلى مجتمعات مدنية، فهناك في الافق إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية تحتمها الظروف الموضوعية والذاتية، فضلاً عما يحتاج العالم من تغيرات تؤثر على هذا الكيان وتفرض عليه التعامل معها .
المجتمعات المدنية في الوطن العربي ظروف ملائمة للنهوض والنمو
أخبار متعلقة