نهله عبداللهقبل (جمال الغيطاني) كانت عندنا في العالم العربي مدرسة تهتم بتاريخ الأدب، وكان المثقفون من هؤلاء الأدباء والكُتاب يحبون قراءة التراث ويعرفون القراء من الدارسين على القصص التراثية والآداب الأجنبية، ويعطون أمثلة ويكتبون الشعر والروايات وكانت لهم أعمال ضخمة.. (المويلحي، طه حسين، العقاد، المازني، يحيى حقي، هيكل، الرافعي، الزيات، المنفلوطي).وإذا أردنا أن نقارن بين ما كتبوه على روعته وبين أجيال جاءت من بعدهم أؤكد أنّ (جمال الغيطاني) أضاف إلى ذلك البُعد الزمني التاريخي (الأدب) فظهر هناك ما سُمي بأدب التاريخ.الغيطاني في رواياته نوع من (الحسية) التاريخية إذا جاز التعبير بمعنى أنّه يضع الحسية التاريخية في إطار أدبي واقعي فتبدو كلوحة (اربيسك) نادرة.في يوم من الأيام أندهشت عندما سألت مدرسة لمادة الأدب والنصوص عن الزيني بركات؟ وخاب ظني عمومًا عندما ردّت قائلة أكيد هو بطل من الدرجة الأولى في فيلم عربي؟!المهم اعتقد أنّ كثيرًا من للنقاد الذين هم يفهمون في قضايا النقد ومشاكله جعلوا من هذه الرواية (الزيني بركات) فاتحة طيبة لجنس أدبي أصبح له موازينه ومقاييسه النقدية.ربما قد يقول قائل : إنّ الكاتب العربي (نجيب محفوظ) أيضًا استخدم التراث في كتاباته الروائية والقصصية، وهذه حقيقة لأنّه عرف كيف يتعامل مع التراث ومع المضمون السياسي تعاملاً ناقدًا وخصوصًا عندما كتب مجموعة القصص الفرعونية، التي كانت مبنية على أدب شعبي لا على التاريخ (عبث الأقدار) قصته، (رادوبيس) قصة، لكن التاريخ هو ( كفاح طيبة) أو العائش في الحقيقة، التي نشرت على شكل مسلسل في جريدة الأهرام سنة 1984م، هذه قصة تاريخية محضة.بينما (ألف ليلة وليلة) اعتقد أنه كتبها بعد أن قرأ ألف ليلة وليلة قراءة مونتاجية جديدة، كذلك ملحمة (الحرافيش) التي ثأثرت بالحكاية الشعبية المصرية والعربية.كذلك (هاني السعدي) الكاتب العربي المعروف الذي استخدم التاريخ بتصرف معرفي لحقيقة معناها أدب التاريخ، وهو لفظ تختلط به كثير من الرؤى، التي قام بتوظيفها أثناء تأليفه لفنتازيا الجوارح بأجزائها الثلاثة الكواسر البواسل، الفوارس، وقد يكون أول كاتب عربي يعتمد على رؤيته وكثرة قراءته وحبه للفنتازيا، وقد تكون فنتازيته أيضًا مختلفة عن (ماركيز) في الأسلوب والتصور وتعدد الشخصيات والجنس الذي بدأ وكأنّه (تكسب تجاري) لا يليق بروائي مثل ماركيز.معظم هذه الأسماء الأدبية الكبيرة تعرفنا عليها في صغرنا وعن طريق المدرسة، فما الذي يمكن أن نسميه في تعدد هذه القراءات وما عداه وما الذي يمكن أيضًا تسميته من باب المجاز (عدم حب القراءة)، ولأنّ الجانب المعرفي له عَلاقات رائعة كونها تقوم على التقاء أرادات وسعة إطلاع وتوجيه منافع بشرية في الاتجاه الصحيح.فعندما كان يقول لنا استاذنا الجليل (إدريس حنبلة) في المرحلة الإعدادية اقرأوا الشعر جيدًا ثم احفظوه ثم أنسوه تمامًا، وهذا كلام لا يصدر إلا عن مدرس مثقف نحتاجه في هذه السن بالفعل مما يؤكد أن (إدريس) كان أيضًا مدركًا لتأثير القراءة في هذه السن وعلى هذا النحو كان يدل على إدراكه للتشجيع لعادة القراءة التي ينبغي أن يتحلى بها من هم في هذه المرحلة وأيضًا نوعية الكتب والأفكار والأشعار، وهذا كله لا يمكن أن يحدث في هذه الأيام إلا فيما ندر.وهذا التوجيه الجميل لا يعترف به إلا المدرسين الأكفاء لأنّهم عادة من المثقفين وافتقادهم في الساحة يعني أنّ أبناءنا اليوم فقدوا قيمة التوجيه (للقراءة) ابتداءً من التلفزيون وانتهاءً بالستلايت وألعاب الفيديو والإنتر نت، فنحن طوال الوقت نشعر أنّ هذا المنهج في القراءات مقتصرًا، لا ثقافة ولا ذوق أدبي ولا فن.إنّ التوجيه الثقافي لهؤلاء وهذه حقيقة لو أدركها المسؤولون ابتداءً من وزير التربية وزير الثقافة، وزير الخدمة ورئاسة الوزراء وانتهاءً بالبواب على باب المدرسة لأدركوا مدى عمق المأساة التي يعيشها أبناؤنا.فمن النادر جدًا أن تجد عندنا مدرسًا له موهبة قراءة الكتب عند (عبد الودود) فراش مدرسة (الكفرون) إلا من رحم ربي فعادة التشجيع على القراءة لا وجود لها الآن في مدارسنا إلا فيما ندر، والغريب أنّ بعض الذين يدرسون التاريخ واللغة العربية والفنون غايتهم تمرير الحصة بقتل الوقت بأي شكلٍ حتى يدق الجرس.أعلم كما يعلم الجميع أنّ المكتبة سلاح جبار، والقراءة تنمو بالتمرين وما عدا ذلك الكل باطل وقبض الريح؟
|
ثقافة
قبض الرياح
أخبار متعلقة