فنيات
القاهرة / 4ا أكتوبر / أسامة حسني:بين مطرقة معاداة السامية وسندان تأييد التطبيع، يقع كل سيناريست يتطرق عمله الفني من قريب أو بعيد الى إسرائيل، فإذا هاجم إسرائيل اتهمته التيارات المؤيدة للتطبيع بمعاداة السامية ويتعرض مسلسله لمشكلات رقابية، وإذا تناولها بشكل أكثر هدوءاً اتهمته تيارات اخرى تدعي حراسة الوعي القومي بأنه يروج لإسرائيل وأنه يسعي للتطبيع الثقافي معها.هذا العام تتطرق خمس مسلسلات (جميعها مرشحة بقوة للعرض الرمضاني) للحديث عن إسرائيل، إما في سياق اجتماعي وإما في سياق تاريخي، ففي مسلسل «الفنار» يتناول مؤلفه مجدي صابر مسألة زواج المصريين من إسرائيليات، ويحتوي العمل على العديد من الشخصيات الدرامية الإسرائيلية، وفي مسلسل «أيام الدالي» يتناول مؤلفه وليد يوسف شخصية رجل أعمال إسرائيلي يدعي مردخاي «عزت أبو عوف» ينافس رجل أعمال مصري هو سعد الدالي «نور الشريف» كما يظهر بالعمل عدد من الشخصيات الإسرائيلية، وفي مسلسل «دموع القمر» يتناول مؤلفه مجدي سالم شخصية رجل أعمال إسرائيلي يأتي الى مصر لاستثمار أمواله في مجال الإعلام، وينشئ قناة فضائية يحاول من خلالها استقطاب رموز الفكر والفن والرياضة من الذين لا يمارسون عملهم لوجود خلافات بينهم وبين الحكومة، الى أن يتم الكشف في النهاية عن الأهداف التخريبية لهذا الرجل ويتم القبض عليه، وفي مسلسل «ناصر» يتناول الكاتب يسري الجندي شخصية رئيس وزراء إسرائيل الأسبق «بن جوريون» وشخصيات إسرائيلية اخرى من التي عاصرت الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وفي مسلسل «عدى النهار» للمؤلف محمد صفاء عامر تدور الأحداث كلها حول نكسة ١٩٦٧.ورغم اختلاف الخطوط الدرامية لكل الأعمال السابقة، فإن إحساساً واحداً يجمع بين كل مؤلفي تلك الأعمال، وهو الخوف من اتهامهم بالتطبيع أو اتهامهم بمعاداة السامية.يقول الجندي، مؤلف مسلسل «ناصر»: الحدث الرئيسي في مسلسلي هو ثورة يوليو، وهو نفسه الحدث الذي تربصت له إسرائيل منذ بداية الاستعداد له لأنها تعرف مدي أهمية الدور المصري في المنطقة، وبطبيعة الحال تتطرق الأحداث الى الكيان الصهيوني وحصار الفلوجة بفلسطين، فضلاً عن ظهور العديد من الشخصيات الإسرائيلية التي تتحدث العبرية ضمن الأحداث، وقد تم اختيار ممثلين مصريين وسوريين يجيدون التحدث بالعبرية لتقديم شخصيات إسرائيلية عديدة على رأسها رئيس الوزراء بن جوريون.وأضاف: مخاوفي ككاتب دراما من تهمتي التطبيع أو معاداة السامية تقلصت في مسلسل «ناصر» بالتحديد، لأنه يرصد حقائق تاريخية ووقائع، أي أن نسيجه الأساسي تاريخي وليس اجتماعياً، لذلك كنت أحتكم في كل جملة حوارية أكتبها الى الواقع الذي يعرفه الجميع بلا تحامل أو مجاملة.وأشار الجندي الى أن هناك من يلقون بتهمة معاداة السامية لمجرد انتقاد إسرائيل والتعامل معها فنياً باعتبارها عدواً، وهنا لا تكون التهمة في محلها، لأننا ككتاب دراما نعكس على الشاشة عداء لم نختره، وإنما فرضته علينا أهداف غربية اتفقت في مسارها مع الأهداف الصهيونية، أي أن الصراع لم نختره وإنما هو مفروض علينا في الواقع وهي صورة ننقلها على الشاشة دون تزييف، وأنا لا أخشي اتهامي بمعاداة السامية طالما أنني موضوعي في تناول الأحداث التي يعرفها الجميع.وقال محمد صفاء عامر، مؤلف «عدي النهار»: جميع الجمل الحوارية التي ترد على لسان أبطال مسلسلي راعيت فيها موقف مصر الحقيقي من إسرائيل والتعامل معها باعتبارها عدواً بيننا وبينه معاهدة سلام، وحين تتحدث أي شخصية درامية في «عدي النهار» عن إسرائيل فإنها تقول العدو الإسرائيلي، كما يردد الأبطال شعارات وأحلام وطنية طالما رددناها قبل نكسة ١٩٦٧ الحقيقية مثل شعار «هنلقي بإسرائيل في البحر»، وهذا ليس معاداة للسامية ولكنه سرد لواقع عاشته مصر خلال العام الذي سبق النكسة، ورغم أن مسلسلي ليس وثيقة تاريخية بل تدور أحداثه في إطار اجتماعي فإنني راعيت أن يكون أقرب للواقع خلال تلك الفترة.وأشار عامر الى أن اتهامه بمعاداة السامية لن يكون في محله لأنه احتكم الى الواقع، واستبعد أن يتهمه أحد بالتطبيع، لأنه أبعد ما يكون عن هذا الاتهام.الدكتور سعيد عكاشة، رئيس وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمنظمة العربية لمناهضة التمييز، أشار الى أن السيناريست الماهر هو الذي يستطيع النجاة بعمله من تهمتي التطبيع ومعاداة السامية إذا تناول الأمور بموضوعية بحيث تكون الشخصية الإسرائيلية لها موقف ضد فكرة الاحتلال، وفي الوقت نفسه تؤمن بحق إسرائيل في أن تعيش في وطن آمن له حدود.وقال: السيناريست صالح مرسي فعل هذا في مسلسله عن «رأفت الهجان»، حيث احتوي مسلسله على شخصيات إسرائيلية، لكن أحداً لم يتهمه وقتها لا بمعاداة السامية ولا بالتطبيع، لأنه كان موضوعياً في رسم تلك الشخصيات.وأضاف عكاشة: على كل سيناريست أن يعرف جيداً أن المجتمع الإسرائيلي ليس عصابة، وإنما منهم من يعمل من أجل السلام، ومنهم فنانون وعلماء، كما أنه من الضروري أن يضع السيناريست في اعتباره أن التطبيع مع إسرائيل هو مجرد كارت نضغط به عليهم، فإذا عادوا الى حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ يمكننا التعامل معهم، ودون هذا لن يكون هناك تطبيع معهم.وفسر عكاشة مسألة وجود إسرائيل في دراما العام الحالي أكثر من أي عام مضي قائلاً: دائما الأشياء الغامضة أو المحرمة تكون جاذبة لكتاب الدراما وللجمهور على حد سواء، فالجمهور يريد التشويق والإثارة، والسيناريست يسعد بأي موضوع يجذب الجمهور، ولهذا كانت إسرائيل مادة درامية خصبة.