علي الخشيبانمن الواضح أن الفعل الإرهابي يتطور إلى مراحل يصعب السيطرة عليها حاليا، فالقضية تتحول إلى ممارسة (رق جديد) قوامه الحاجة إلى عناصر بشرية تخدم في ميادين القتال المجهولة الهوية والهدف. الرق الجديد يتطلب مواصفات سلوكية وفكرية قوامها الإيمان بمنهجيات جهادية تفتقد إلى واقعية سياسية واجتماعية. فالمقومات أو المواصفات المطلوبة للرقيق الجدد تتطلب المواصفات التالية: فتوى جهادية تسمح بالموت في كل موقع دون استفسار أو اعتراض، ألا يتعدى العمر عن خمسة وعشرين عاما، اعتناق أيديولوجيا مغلقة على المجتمع مفتوحة على التطرف والانحراف الفكري، ساعات مكتبية من المتابعة الدقيقة للإنترنت وما يكتب حول مواقع الجهاد المفتعلة في العالم، الاستماع إلى ما لا يقل عن المائة شريط ثوري على الأمة الإسلامية وبيان ضلالها، مجموعة من المحاضرات الجهادية محلية وإقليمية، مجموعة منشطة من الأناشيد الإسلامية بالإضافة إلى مشاهد انتحارية مصورة، قراءة عدد لا بأس به من الكتيبات التكفيرية المقرة من القاعدة وأنصارها والمتوفرة على الشبكة العنكبوتية، إيمان مطلق بملكية الحق لا تنازل فيه والاستعداد للموت في سبيل ذلك، عدم الإصغاء للمجتمع والعلماء المختلفين معه، ضرورة الاستماع إلى مجموعة من خطب المساجد التي تنهي أدعيتها بالحث على الجهاد والدعاء للمجاهدين المسلمين في كل مكان..الخ.هذه المقومات تؤهل بيع الفرد الذي يحمل تلك الصفات بمبلغ زهيد يتم قبضه بعملة الدولة الأكثر عداء لتجار الرقيق الجدد ولا يعلم أحد لماذا يتم قبض المبالغ بعملة الدولة التي يعتبرونها العدو الأول، سؤال مشروع يذكرنا بمن يدعو على الغرب ويتمنى زواله بينما نسي أن جهاز التكييف الذي بجانبه هو من صنع الغرب. حفنة من الدولارات تدفع للسماسرة عند جلبهم مجموعات جديدة من الإرهابيين الذين يفتحون سوقا جديدة للاتجار برقيق من نوع جديد، فبعد أن كان الرق هدفه بيع الأجساد من أجل العمل أصبح رق الإرهاب يعتمد على بيع الأجساد ذات العقول المتطرفة من أجل الموت فقط. هذه النتيجة التي يصل إليها الفكر الديني في مجتمعاتنا تحتاج إلى وقفة جادة، فالقضية ليست حدثا عارضا أو ظواهر مؤقتة يمكن توقع انتهائها بسرعة، القضية معقدة بشكل دقيق والسبب في ذلك نقاط التقاطع بين مقومات المجتمع الدينية والأفكار التي يبتدئ بها المتطرفون سنواتهم الفكرية الأولى. هذه النقاط يصعب أن نراها. فالقول بالجهاد ضد الكفار قضية ملجمة لأكبر العلماء، فلا يستطيع نفيها المجتمع أو علماؤه عندما يتحدث بها إرهابي متطرف بل ويقيم الحجة على المجتمع في ذلك والسبب واضح، فالفكر الديني لم تتم إعادة قراءته وفقا للأحداث السياسية والاجتماعية العالمية.الجهاد بقي مفهوما له شروطه ومعاييره التي يعرفها العلماء دون غيرهم ولكن هذه الشروط ظلت غائبة عن المجتمع إلى أن اكتشفنا أولئك الأفراد الذين فتشوا في هذه القضايا واعتنقوها دون أن يعودوا إلى مجتمعهم ومعاييره الدينية في أمر الجهاد. والدليل على ذلك أن انتشار الأفكار الداعية إلى أن الجهاد له شروط لم يأت إلا بعد أن تورط الكثير من أبناء المجتمع في قضايا إرهابية ذات علاقة بالفكر الجهادي. كما أن قضايا كثيرة تحتاج إلى إيضاح فكري مازالت تنتظر في الطريق، فالأمر بالمعروف وحجاب المرأة وقيادة المرأة للسيارة كلها قضايا تحتاج إلى طرحها ونقاشها بشكل موسع. القضية الأخرى تتمثل في أن المجتمع أخذ على عاتقه مهمة الدعوة ونصرة الإسلام، لذلك كان من الصعب إيقاف الأفكار التي تنطوي تحت مفهوم الدعوة ونصرة الحق، فكانت تلك المطية الأسهل لاختباء التطرف في مواقع آمنة فكريا في داخل المجتمع. في الحقيقة أن السؤال الذي يبحث عن الإجابة بعد هذا يجب أن يكون: أين ومتى فقدت السيطرة على الفكر الاجتماعي..؟ ومتى تحول من ممارسات دعوية إلى ممارسات تكفيرية..؟ وما هي الكيفية التي أوجدت بها الممارسات الجهادية...؟.قد تبدو الإجابة عن هذه الأسئلة سهلة ولكن المطلوب ليس تحديد الزمن ولكن المطلوب تحديد الكيفية التي حدثت بها هذه القضايا، نموذجنا الاجتماعي انتهى إلى نتيجة غير متوقعة فالجرعة الإضافية من التدين آتت ثماراً عكسية، ها نحن نجني جزءاً منها (شبابنا الذين يباعون باسم الدين ) وقد يكون القادم من تلك النتائج أكبر وأخطر. نقطة الانفصال بين الطبيعة الدعوية للمجتمع وممارساته الدينية هي المفصل المهم في فهم وتحليل الفكر الديني وتحوله من النمط الدعوي إلى النمط الذي احتوى المفاهيم الجهادية والتكفيرية. الانفصال الفكري الذي نعيش نتائجه اليوم لم يحدث فجأة مع بداية الجهاد الأفغاني فقط كما أنه لم يتوقف عند نهاية الجهاد الأفغاني. وهذا يعطينا دلالة أكيدة على أن الفكر المتطرف الداعي إلى الإرهاب كان يُبنى بمنهجية لم تكن تنتظر الجهاد الأفغاني بقدر ما كانت تريد تحقيق أهدافها الثورية باسم الإسلام. لقد كان بالإمكان أن تمر أحداث الجهاد في أفغانستان مع نزعة عاطفية دينية عالية ولكن مع وقف التنفيذ ودون مشاركة من المجتمع وبعض أفراده.الفكر الصحوي المتشدد وبالتزامن مع الجهاد الأفغاني أصبح جزءاً من المجتمع وسببا لتشكيل الكثير من المجموعات الجهادية وذلك لعدة أسباب:أولا: تم تمرير القناعات على المؤسسات الحكومية والمجتمع بضرورة تأكيد الدور الدعوي للمجتمع عبر المشاركة الفعلية ومنها إرسال الشباب إلى أرض الجهاد بصبغة دعوية، ثانيا: أجبر المجتمع على جرعات إضافية من التدين تحت ظلال العاطفة الدينية فخلق نوع جديد من الدين له متطلبات أعلى من السابق، بل أصبح الأفراد يجلبون إليه ويغيرون من أشكالهم وتم تأصيل فكرة الدعوة على أن نموذجا جديدا للإسلام يولد بينهم من جديد، ثالثا: الشاب عندما ينتمي لتلك المجموعات يصبح أسهل متابعة من غيره بحكم أنه يمارس طقوسا معينة مفروضة عليه من أصحابة أو من شيوخه أو من الأفكار نفسها وهذا ما عمل على إغراء الكثير من الآباء لدفع أبنائهم لهذه الفئات دون تدقيق، حيث مارس هؤلاء تربية الأبناء على طريقتهم وهذه مهمة تنازل عنها الآباء بسهولة مما ساهم في غياب تام للآباء عن الجرعات الفكرية التي يتلقاها أبناؤهم. رابعا: تم اختيار مؤسسات ذات تأثير كبير في المجتمع وتم تحويلها إلى محاضن فكرية للعمليات التحويلية الجديدة للفكر الاجتماعي وظل بعض المساجد وغيرها من المواقع عوامل داعمة للفكر الجديد، ولكن عمليات التجنيد غالبا تتم بعيدا عن التنظيم الحكومي الرسمي حيث لا تتم في المساجد أو المؤسسات التربوية ولكنها تتم في تجمعات شبابية خارج نطاق تلك المؤسسات يتم التمرير لها عبر المسجد والمدرسة، بعبارة أخرى تمت الاستعانة بالتجمعات الشبابية في المساجد والمدارس وغيرها وتم استدراجها إلى خارج مواقعها الرسمية في الاستراحات والرحلات. هذه المقومات والأسباب ليست كل شيء ولكنني أعتقد أن خروج الفكر الديني في المجتمع عن السيطرة هو الذي أنتج الأفكار المتطرفة التي حولت الكثير من شبابنا إلى رقيق في تجارة الإرهاب يتم بيعهم وشراؤهم على اعتبار أنهم أدوات جاهزة للموت.من المفارقات العجيبة أن أكثر مجتمع يحارب الإرهاب يجد نفسه في معضلة كبرى عندما يكتشف أن شبابه هم الأكثر تواجدا بين الجهاديين الذين يتخذون الإسلام نارا يحترقون بها. على المجتمع أن يدرك أن تزايد أعداد أبنائه في المواقع الجهادية قضية تحتاج إلى دراسة تحليلية لا تلجأ إلى تبسيط الكلمات، فلست مع القول الذي يذهب إلى أن هؤلاء مغرر بهم. الحقيقية أن هؤلاء جاهزون للعمل في كل موقع نتيجة قناعاتهم المسبقة. إننا يجب ألا ندين أنفسنا بهذا المفهوم الذي يتخذ كلمة (التغرير) لأننا باستخدام هذه الكلمة إنما نقول للعالم إن شبابنا جاهز لكم متى ما شئتم، فهو شباب هش غير مدرك ومنقاد إلى كل موقع. وهذا عكس الحقيقة، لدينا فئات كثيرة من الشباب الواعي المدرك المساهم في تنمية هذا المجتمع وتطوره، وفي المقابل لدينا شباب متورط بالإرهاب ويحتاج منا إلى علاج وليس إلى تبرير موقفه السلبي. نحن بحاجة إلى أن ننزل إلى الواقع لنرى الأثر الذي تركه زمن التشدد والتطرف وأن نفصل بين القضايا دون خجل أو حياء.[c1]* نقلا عن/ صحيفة "الوطن" السعودية [/c]
الإرهاب.. الرق الجديد...!
أخبار متعلقة