لتخليها عن السلطة لصالح (حماس)
عبدالعزيز يحيى محمدستسجل في صفحات التاريخ ان حركة (فتح) أكبر المنظمات الفلسطينية ذات الرصيد الملئ والحافل بالتضحيات والنضالات المجيدة والعظيمة، هي أول حركة (حزب) حاكم في الوطن العربي يقبل بالنتائج التي تمخضت عنها الانتخابات التي جرت بتاريخ 25/1/2006م على الرغم من فقدانها للأغلبية في المجلس التشريعي، مما ينهي سيطرتها على السلطة التنفيذية ( الحكومة) لصالح حركة (حماس) التي نالت على الأغلبية بعد ان قامت السلطة الفلسطينية التي تديرها بدرجة رئيسية حركة (فتح) بتوفير وتهيئة الأجواء والظروف المناسبة لإجراء انتخابات تعددية حرة ونزيهة يشارك فيها كل ممثل الشعب الفلسطيني.وفي حين توجد هناك أسباب وعوامل كثيرة ومتعددة أدت إلى تلك النتائج إلا أنني أرى ازدواجية مواقف حركة (فتح) إزاء عملية السلام والعلاقة مع الجانب الإسرائيلي على كافة الصعد والمستويات التي قابلتها حركة (حماس) بمواقف واحدة وموحدة، تأتي في مقدمة تلك الأسباب والعوامل ومن ابرزها.فموافقة (فتح) على الخيار السلمي وسيلة لحل وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لم تقابله بخطوات جادة وحازمة من شأنها التأكيد على قبولها التام بذلك الخيار ونجد ذلك مثلاً من خلال احتضانها مع بقية الحركات والفصائل الفلسطينية الرئيسية باجنحة وأذرع عسكرية تابعة لها وغضها الطرف عن ما تقوم به وتنفذه تلك الاجنحة والأذرع من عمليات عسكرية.فاستغلت تلك الحركات والتنظيمات وفي مقدمتها حركة (حماس) ذلك فقامت بتنفيذ العديد من عمليات المقاومة ضد إسرائيل، اعتبرتها رد على الاعتداءات التي تقوم بها بحق الشعب الفلسطيني لترد إسرائيل بالمقابل على الشعب الفلسطيني متسببة منذ العام 2000م باستشهاد واعتقال الآلاف من ابنائه، وتدمير ممتلكاته ومؤسساته، واجتزاء مساحات واسعة إضافية من أراضيه وعزل مناطقه ومدنه بإقامتها للسور العازل وفرض حصار عليه وعلى قيادته وعلى رأسهم الزعيم الراحل ياسر عرفات فكان من الطبيعي ان تتعثر سير عملية المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وتفشل في تحقيق أية مكاسب لصالح شعبيهما.فبدل ما تقوم به وتتخذه السلطة الفلسطينية بقيادة (فتح) من أعمال ومواقف بصدد عمليتي السلام والمقاومة معاً، في نظر معظم مؤيديها على أنها ليست سوى أعمال ومواقف تكتيكية يتسم طابعها بالانتهازية مما جعلها تخسر تأييد وتعاطف الكثير منهم.بينما (حماس) نتيجة لتمسكها بخيار المقاومة أستطاعت من ناحية الحفاظ على التفاف مؤيدها حولها وتعزيزه واستمالت من ناحية أخرى جزء من أنصار خيار السلام الفلسطينيين ممن خابت أمالهم به.وفي رأيي أن قبول (حماس) بالانخراط في العملية السياسية من خلال دخولها للمجلس التشريعي الفلسطيني عبر مشاركتها في الانتخابات التي جرت قد جاء لكي تبقى أوضاع الشعب الفلسطيني وقضيته تعيش في حالة من (اللاحرب واللاسلم) كونها أدركت أن ذلك يكسبها ويمنحها المزيد والكثير من المكاسب والنجاحات وبحسب اعتقادي ان مقاطعة حركة (الجهاد) الإسلامية للانتخابات التي جرت يندرج في نفس ذلك الإطار وعليه يمكن القول ان مقاطعة الجهاد للانتخابات قد تم بالتنسيق مع حركة حماس.ان فوز حركة (حماس) ـ كما أرى ـ قد جعلها ومعها الشعب الفلسطيني وقضيته في مأزق حقيقي لن تستطيع مواجهته إلا في حال أنها تمكنت من اقناع حركة (فتح) مشاركتها في الحكومة التي ستشكلها، لذلك ستكون (حماس) على استعداد تام لتقديم تنازلات كبيرة لـ (فتح) لكي تقبل بتلك المشاركة.وفي حالة ان فتح رفضت ذلك كما صرح عدد كبير من قيادييها فستجد (حماس) نفسها امام خيارين كلاهما امر من الآخر، الأول الاستمرار بمواقفها ورؤاها وقناعاتها الحالية الرافضة الاعتراف بالدولة الإسرائيلية والتمسك بخيار المقاومة كخيار وحيد علها تسترد للشعب الفلسطيني بعضاً من حقوقه خلافاً لما تنص عليه قرارات الشرعية الدولية، لتجد نفسها في عزلة دولية واسعة مما سيلحق بالشعب الفلسطيني وقضيته مزيداً من الاضرار.اما الخيار الثاني فهو ان تقوم (حماس) بتغيير رؤاها وقناعاتها ومواقفها بما يتيح لها ويمكنها من الاعتراف بالدولة الإسرائيلية والتفاوض معها وفقاً لما تنص عليه قرارات الشرعية الدولية التي أستوعبت الكثير منها اتفاقيات (أسلو) وخارطة الطريق والمبادرة العربية التي تبناها الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز.