رؤية بديلة (1 – 3)
في إطار دعوتنا إلى الهيكلة المالية العالمية الجديدة والتي تعني في رؤيتنا وتحليلنا الدعوة إلى بناء نظام مالي ونقدي عالمي جديد وهو الأمر الذي يعنينا في إطار هذا المفصل الذي ينطوي على أهمية كبيرة بالنسبة لنا هو ما يتصل بجانب المؤسسات المالية الدولية الصندوق والبنك – باعتبارهما يمثلان عمادة النظام المالي والنقدي وسلطان القرار فيه واللذين متى ما تم اندماجهما مع منظمة التجارة العالمية أو تم ضم المنظمات الثلاث في إطار تنظيمي دولي جديد سوف يشكلون بذلك ( مجلس إدارة العالم ).. الأمر الذي يجرى العمل عليه حثيثاً داخل الأروقة وخلف الكواليس الدولية وفي إطار تناولنا لذلك سوف نعرج هنا بالتحليل إلى تناول وتمحيص ما يمثله هكذا فإنه بالنسبة لوضعية المؤسسات المالية الدولية والنظام المالي والنقدي أولاً.. ومن ثم بعد أن نفرغ منهما سوف نعرج بالتحليل والتمحيص إلى وضع منظمة التجارة العالمية التي أصبح معها العالم حالياً بنسبة (80%) عبارة عن مناطق لمنظمة التجارة العالمية والتي هي بوضعها الحالي لا تتعدى أن تكون عبارة آولغارشية دولية للتجارة العالمية وهكذا دواليك هو الأمر كذلك بالنسبة لمؤسسات نظام بروتون وودز الصندوق والبنك اللذين سبق وأكدنا بأن الانتقادات التي أصبحت توجه إليهما لها ما يبررها وأن الأمر وصل إلى أن توجد بعض الأصوات داخل هذه المؤسسات تطالب بتغيير ذلك النظام المرتبط بالقروض والمساعدات ومعاملة معظم دول العالم النامي بنفس النمط.ونحن نعتقد في هذا الإطار بأنه لا شك يوجد هناك مجال واسع لتحسين ما وضع في الماضي وبخاصة منها ما ذكر عن الشفافية وتبادل المعلومات والمساعدات التي لا ترتبط بشروط معينة وجميعها أمور تتداول حالياً في إطارات المؤسسات المالية الدولية ويتم تداول الكثير منها في هذا الشأن ولكنها للأسف لا تخرج عن نطاق ترميم أو ترقيع ما هو قائم أي في إطار بقاء النظام القائم للمؤسسات ذاتها وليس تغييرها وهو الأمر الذي يجعلنا في إطار البحث فيها عن البدائل المختلفة بأن لا نعلق آمالاً بأن يتم التطوير أو الإصلاح من داخل مؤسسات النظام القائم لمؤسسات بروتون وودز وهو الأمر عينه الذي يجعلنا نطرح رؤانا وبدائلنا مع ما يعتمل في جنبات ودواخل الشأن الاقتصادي المالي والنقدي العالمي من تقلبات واضطرابات تأخذ بين الفينة والأخرى شكل الأزمات المتلاحقة وبخاصة المالية منها التي ما تنفك تعصف بالكثير من الدول والأنظمة القائمة فيها والتي تنجم في معظمها عن حالات الأخذ في سياسات التحرير المالي والنقدي التي تعني بدرجة أساسية إزالة كافة الحواجز والعقبات أمام حرية تدفق الأموال وانتقالها وتحرير سعر الصرف والتعويم وتخفيض قيمة العملة في إطار عمليات التحرير الاقتصادي التي تتجسد في كثير من الأحوال في السياسات النقدية التي تنجم عن تحرير حسابات العمليات الرأسمالية دون تحوط في عصر يتحرك فيه الاقتصاد بشكل عالمي وينتقل فيه ميزان الأخطار من مكان إلى آخر خلال فترة وجيزة.. الأمر الذي تغدو معه ضرورات توفير الاستقرار وتحقيق النمو قضية الساعة الملحة والمطلوبة الآن وهو الأمر عينه الذي أضحى يلزمه بضرورة النقد بمبادرة عالمية خلاقة في هذا الشأن من خلال تقديم صيغة عالمية رائدة.. يمكن في ضوئها التوصل إلى خلق المبادئ اللازمة والمطلوبة للخروج من وحل الأزمات والانهيارات المالية والنقدية على الصعيد العالمي الذي بدأت نتيجة لعملية التحرير الاقتصادي التي تفاقم من مخاطر تراجع معدلات النمو وزيادة الاضطرابات التي تسود في أسواق العالم والتي جاء الانهيار شبه التام في بعضها ليدق بعنف أجراس الخطر مع ساعة اقتراب الحقيقة بشأن الأزمات المالية لجميع أنحاء العالم والتي تزداد معها المخاوف أكثر من انتقال موجات الأزمة إلى الأسواق الصاعدة للاقتصاديات الناشئة.. وتلك هي جمعيها المسائل التي سوف نعرض لها بالتناول والتحليل حيث نكون قد فندنا مزاعم محاولة ( غواية العالم ) التي أخرج بها علينا بيان قمة السبع في ( مؤتمر بوكاراتون ) بولايات فلوريدا مؤخراً والذي جاء بأجندة موضوعات تتصل بأسعار الصرف والأسواق تتعارض في بعض مضامينها ومعانيها مع ما جاء ضمن بيان اجتماعهم السابق في ( مؤتمر دبي ) في ديسمبر.ونحن لا نفسر ذلك بأنه من أنواع المغالطات أو محاولات التعمية لأننا نعرف أن الدول المتقدمة تمارس مع الدول الأخرى ( لعبة الأمم ) الاقتصادية الجديدة وفقاً لميكانيزمات العولمة وآلياتها. والتي كانوا فيها دائماً لا يسعون بشكل جاد لتقديم الحلول الناجحة والمعالجات الصائبة لمشاكل العالم المعاصرة وبخاصة فيما يتصل على الفقر وزيادة النمو بما يقود إلى تحقيق نهوض وتطور العالم النامي!!لقد تبلورت محاولات الهروب والتعمية على مثل هكذا قضايا أساسية وجادة إزاء كل العالم ليس بعدم قيامهم بأية محاولات للتصدي ووضع المعالجات إزاءها بل بالإضافة إلى ذلك يكونون هم في الآن ذاته متسببين رئيسيين لها.. وهو الأمر الذي يتضح في شكل جلي وناصع بما أوردوه في بيان مؤتمرهم الأخير للدعوة حول ما أسموه ( المرونة ) كما وردت في بيانهم بالنص ( المرونة لتشجيع التعديلات السلسة والواسعة النطاق في النظام الدولي بناء على آليات السوق ) وهي المرونة التي وصفها وزير التجارة التنزاني السيد جمعة في اجتماع ممباسا في كينيا حلو قضايا التجارة الدولية بين أفريقيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية الذي انعقد في 18 – 20 فبراير الماضي بقوله ( لقد وصلنا إلى النقطة التي يؤدي عندها مزيد من المرونة إلى قصم ظهورنا ) بسبب أنها – أي المرونة تلك – لقمة السبع التي لا تعني في المحصلة النهائية سوى الأخذ بسياسات السوق التي تقوم على التحرير الاقتصادي الشامل الذي محق الاقتصاديات الآسيوية بالمحرقة المالية التي عصفت بها والتي كان أهم أسبابها الأخذ بالسياسات التي تقوم على آليات السوق!! ما يعني أن - أي آليات السوق – موضوعياً الإبقاء على جذر الأزمة وأسبابها التي لم تسلم منها حتى الدول الصناعية ذاتها التي كانت حينما أضحت كشرط وكضرورة بأن عليها أن تأخذ بالعمل على تخفيف سعر الفائدة ومواجهة مخاطر احتمال تراجع معدل النمو الاقتصادي. ولكن بالرغم من كل ذلك فإن القوى الاقتصادية الرئيسية في العالم لم تقم حتى الآن بما يكفي لمواجهة الأزمة التي بدأت نتيجة لعملية التحرير الاقتصادي وكانت في انهيار قيمة العملات الآسيوية التي عصفت بتيلاند أولاً ثم ببقية الدول التي كانت تعرف بالنمور والتي سرعان ما تحولت إلى أفراخ وجاء الانهيار شبه التام في روسيا ليزيد من عنف الخطر بشأن الأزمة المالية العالمية في جميع أسواق المال العالمية المختلفة وازدادت المخاوف أكثر عند انتقال موجات الأزمة إلى الأسواق الصاعدة في أمريكا اللاتينية كنتيجة طبيعية لسياسات التحرير الاقتصادي ومع بدء الاضطرابات في البورصات الغربية الكبرى اتسعت دائرة الاهتمام بالأزمة التي فسرها خطأ أو مغالطة المحللون الغربيون على أنها صدمة طبيعية نتيجة التحول الاقتصادي في العالم نحو السوق الواحد من الزمن كما يحدث في كل مرحلة تحول كبرى في الوقت التي كانت التحليلات على النقيض منهم بسبب من أنه لم تكن هناك بوادر على ذلك أو حتى مؤشرات على أنها ستستقر ولو بعد حين لأننا كنا نرى أن الخلل في النظام نفسه الذي يقوم عليه نظام الاقتصاد الحر وفي آليات ذلك النظام التي تعتمد على اقتصاد السوق الذي يقود إلى الفوضى والملكية الخاصة والقطاع الخاص الاحتكاري الذي يعتبرون مبدئي المزاحمة والتنافس الحر مكوناً أساسياً لقاعدة الحراك فيه ومنظماً لها والذين يعتبرون الأزمات المالية جزءاً من دوران النظام الرأسمالي العالمي وهو الأمر الذي يجعل من حالة عدم الاستقرار ظاهرة ملازمة في عمليات نمو السائدة وهو ما يعتبر من وجهات نظر مختلفة بأنها بنفس والمستوى ذاته هي أدوات أزمة ذلك النظام الدائمة لأن ما حدث يتشابه في جوهره ومعانيه النهائية مع أزمة الركود الكبير التي حدثت في ثلاثينيات القرن الماضي من حيث الآليات والميكانيزمات التي تتحرك بموجبها قوى السوق وأدواتها المختلفة التي تعتمد على المضاربات ومختلف أشكال المنافسة الحرة التي يحركها اللهث المحموم وراء تحقيق الأرباح الأمر الذي جعلنا كأخصائيين نؤكد حينها بأننا أمام أزمة كبرى تتجاوز أزمة الكساد الكبير أواخر العشرينيات وبداية الثلاثينيات من القرن الماضي وهذه الأزمة تأخذ حالياً شكل الأزمات النقدية والمالية وما يعقبها من ركود تعود في جوهرها وأساسها إلى عوامل ثلاثة هي :-أولاً : الخلل في النظام نفسه الذي يقوم على قواعد الاقتصاد الحر والذي اثبت إخفاقه وفشله وبدليل الأزمات التي تعصف به والانهيارات المتلاحقة التي يواجهها.ثانياً : المناخ العالمي السياسي والاقتصادي الذي تشوبه التعارضات بين التكتلات الاقتصادية الكبرى والتسابق بينها على النفوذ والثروة وتحقيق السيطرة عليها.ثالثاً : أسباب داخلية في البلاد التي تظهر فيها الأزمات وبخاصة التي تقوم بتحرير حسابات العمليات الرأسمالية دون تحوط.أما فيما يتعلق بالمناخ العالمي فأنا أتصور بأن السبب الرئيسي يعود في جذوره إلى التوليدات الجديدة التي خلفتها أزمة نظام النقد الدولي الذي انهار في أغسطس عام 1971م حينما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية إلغاء العلاقات بين الدولار والذهب وما تلا ذلك من تعويم لأسعار الصرف وفوضى نقدية ما زال العالم يعاني منها حتى الآن من جهة.. ومن جهة أخرى يرتبط ذلك بعملية التحول في إطار ما يسمى الآن بالعولمة المالية والاقتصادية التي تقوم على إزالة الحواجز والعقبات أمام حرية التجارة وانسياب رؤوس الأموال وتدفقها وهي – أي هذه العوامل – هي التي كان لها الدور الرئيسي الذي لعبته في إشعال لهيب المحرقة المالية ونشوب الأزمة وبالذات في دول جنوب شرق آسيا عندما قامت دولها في تحرير حسابات العمليات الرأسمالية دون أن تكون مستعدة لذلك بشكل كافي حيث أنها سمحت بدخول الأموال وخاصة الساخنة منها وخروجها دون أية ضوابط أو رقيب والتي ترافق معها موجة المضاربات التي يعيشها العالم اليوم والتي تتمثل أبرزها فيما تقوم به من دور حركة صناديق الاستثمار الضخمة التي تشبه حركة الديناصورات، فإن ذلك يجعل البلدان وتحديداً ذات الاقتصاديات الناشئة عرضة للأزمات وللخطر الناجم عنها وجميعنا يعرف بأن ما حدث في الأزمة الآسيوية وأدى إلى تفجيرها كان نتيجة المضاربات التي تقوم بها صناديق الاستثمار الكبرى في الأموال الساخنة التي كانت توظفها لذلك الغرض ويكفي أن نعرف بأن الملياردير جورج سورس مالك أكبر صناديق الاستثمار في العالم كسب في أسواق لندن التي توجد فيها أكبر قدر من التحوط مليار دولار كعائد لمبلغ عشرة ملايين دولار كان يستثمرها في المضاربات داخل سوق لندن العريق، وبذلك يتأكد لنا بأن العولمة الاقتصادية من خلال عمليات التحرير الاقتصادي للتجارة وانسياب رؤوس الأموال وتدفقها هي التي قادت إلى عمليات المضاربة التي أدت بدورها إلى تفجر الأوضاع في آسيا وروسيا وأمريكا اللاتينية وإمكانية انتقالها إلى جميع البلدان التي تتواجد على أراضيها صناديق الاستثمار أو الأموال الساخنة أو التي تتحول إلكترونياً والذي سهل ذلك كان سببه بالأساس المطالبات بفتح الأسواق والتحرير المالي والتجاري إزاء إستراتيجية معينة تؤدي إلى تمدد العالم والتي تقدمها الولايات المتحدة وصندوق النقد الذي تسيطر عليه وتلك الرؤية أو الإستراتيجية قد تكون وراء وقوع العالم الصناعي الغربي ذاته في مشكلات اقتصادية ومالية جمة.هنا يتبادر السؤال عن دور ومسؤوليات المؤسسات المالية الدولية إزاء هذا الوضع ممثلة في صندوق النقد الركيزة الأساسية التي تمثل قاعدة النظام النقدي الدولي و البنك الدولي ركيزة للنظام المالي .. وهل يمكنهما أن يقوما بدور المنقذ؟ ولماذا لم يقوما بذلك؟ باعتبارهما عمادة النظام المالي والنقدي وقاعدته وفقا لقواعد بروتون وودز التي تأسس بموجبها النظام ذلك النظام الذي ثبت اخفاقة وفشله الأمر الذي يطرح على بساط البحث لغرض الخروج من أزمة هذا النظام القائم ودوامته ضرورة البحث في أساس جديدة لإقامة نظام مالي ونقدي عالمي جديد وفي الإطار يتبادر إلى الذهن الحديث الذي يدور حول إمكانيات إصلاح وتطوير صندوق النقد والبنك الدوليين كبداية أو مدخل لإصلاح النظام المالي والنقدي العالمي.ونحن كمختصين نشعر بأن الأزمة اكبر من مجرد إعادة تطوير وتأهيل أو إصلاح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مما يحملنا إلى التأكيد على ضرورة وجود بروتون وودز جديد لإعادة صياغة هذا النظام برؤية جديدة وتفكير جديد لإقامة النظام الجديد والذي سيحتاج فيه الأمر إلي دراسة عملة الاحتياط الدولي أولا.. وثانيا.. قضية السيولة.. ثالثا.. قضية إدارة النظام نفسه .. ورابعا.. قضية ترحيل الفائض من بلاد الفائض إلى بلاد العجز وخامسا.. كيف تحكم ضوابط السيولة لأن العالم أضحى يعيش في حالة موجات عالية من السيولة التي أصبحت تتحكم فيها صناديق الاستثمار حيث يوجد منها في العالم حاليا حوالي (766) صندوقا استثماريا يملكون من الأموال ما يزيد على نسبة الاحتياطات الدولية التي تملكها كافة البنوك المركزية في العالم.وتفاقما لصورة الأزمة وآلياتها أمام الإصرار عل نهج النظام المتبع حاليا ممثل بالمؤسسات المالية الدولية والذي سيؤدي إلى تفاقم الركود وزيادة البطالة ؛ كما أن الإصرار عليه سيعمق أزمة الأسواق المالية وتفاقمها سواء في شرق آسيا وروسيا أو أمريكا اللاتينية أو في أي بقاع أخرى في العالم وسيقود إلي أزمات جديدة أخرى وما سيترتب على ذلك من تبعات جراء تأثير الأزمات المالية والاقتصادية وما يحدث في الأسواق العالمية على وضع البلدان النامية والأسواق الناشئة فيها حيث سيؤدي ذلك إلى أضرار وخيمة ستلحق بها ما يقود إلى تراخي الطلب على منتجاتها من المواد الخام الأولية وبما يؤدي (إلى خفض الأيدي العاملة ) والذي سيقود إلى انخفاض التصدير يضاف إلى ذلك الخسارة التي ستلحق باستثمارات البلدان النامية الموظفة في تلك البلدان الصناعية حيث ستتأثر القيمة الحقيقية للأصول الاستثمارية للبلدان النامية في تلك البلدان الصناعية حيث ستتأثر القيمة الحقيقية للأصول الاستثمارية للبلدان النامية في تلك البلدان التي تجتاحها الأزمة كالاستثمارات العربية _ مثلا_ في جنوب شرق آسيا كما أن سيولة الاستثمارات الخارجية في البلدان النامية ستتقلص والموجودة منها سوف تحاول الهروب خوفا من أن تطال الأزمة أسواق تلك البلدان وهو ما سيؤدي إلى تواجه صعوبات اقتصادية جمة.وفيما يتصل بالأثر الإيجابي الذي قدمته الأزمة الراهنة فن الأثر الإيجابي الذي يمكن استقائة يتمثل في الدروس المستفادة منها بأن التحرير السريع لحساب العمليات الرأسمالية في ميزان المدفوعات في إطار عمليات التحرير الاقتصادي مجاراة للعولمة ولضغوط صندوق النقد هما السبب الرئيسي الذي يمكنه أن يقود بنا إلى مثل هذه الأزمات أما الأثر الايجابي الثاني فإنه يتمثل بأنه لابد من أن يكون للدول دور فاعل وقوي في موضوع السياسات الاقتصادية وبالأخص منها النقدية وهو الأمر الذي يطرح على بساط البحث ضرورة الدعوة إلى هيكلة مالية عالمية جديدة.[c1]بناء نظام مالي ونقدي جديد:[/c]أن دعوتنا إلى الهيكلة المالية العالمية الجديدة تعني الدعوة إلى بناء نظام مالي ونقدي عالمي جديد وهو الأمر الذي ينطوي على أهمية كبيرة فيما يتصل بجانب المؤسسات المالية _ الصندوق أو البنك _ باعتبارها يمتلان عمادة للنظام المالي المختلفة التي تقوم على أساس من التحليل والتمحيص الدقيقين لكافة المراحل التي مرت بها مؤسسات بروتون روودز مبتدئين بصندوق النقد الدولي وبعد ذلك سنتناول البنك الدولي .. وفيما يتصل بصندوق النقد يمكن تحديدها على النحو التالي :[c1]المرحلة الأولى[/c]وهي التي تبتدئ مع بداية عمل هذه المؤسسة حتى ( 15 أغسطس 1971م ) حينما كان النظام قائم على أساس الدولار والذهب ومنذ العام 1971م بعد فك الارتباط بين الدولار والذهب في (15 أغسطس من العام نفسه) وما ترتب على ذلك من تعويم أسعار الصرف حدثت تغييرات كثيرة في الاقتصاديات العالمية منها زيادة الأسعار .. كما حدث هناك نوع من الإشكالات التي أدت إلى تغير الصورة التي يتعامل بها صندوق النقد الدولي مع البلاد المختلفة ليس كمقرض قصير الأجل لسد العجز في ميزان المدفوعات بل تجاوز الدور أكثر بكثير من ذلك ووصل حد الروشن وهو ما يحملنا على الاعتقاد بأن " الروشته " التي يتحدث عنها البعض والتي يقدمها عادة صندوق النقد الدولي في إطار واحد ومتماثل لجميع البلدان وأن وجدت فيها بعض التفاصيل أو الاختلافات بين بعضها والبعض الآخر فإن ذلك لا يتجاوز مستوى التفاصيل أو الإغراق في الالتزامات المعيقة والمجحفة لأن سلطة القرار في هذا القرض أو تلك المساعدات التي يمنحها الصندوق يقررها السادة الكبار المتحكمون في سلطة الصندوق كالولايات المتحدة الأمريكية التي تملك النصيب الأعظم من حصصه .. لذلك فإن رضاها من عدمه في منح ذلك القرض أو تلك المساعدة لأية دولة يرتبط في الحصول على رضاها المسبق وهو ما يستدعي بأن تكون تلك الدولة المطالبة للقرض أو الممنوحة لها المساعدة بأن تكون دولة موالية للولايات المتحدة أو من الدول التي تدور في فلكها مع الأخذ بعين الاعتبار أن سلطة القرار والقوة الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية تقع تحت سيطرة اللوبي الصهيوني اليهودي المسيطر على الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ.. لذلك فإن الحديث عن طريقة وأسلوب وسلطة تقديم القروض ومنح المساعدات التي يقدمها الصندوق والشروط والمجحفة لها وتغدو مدعاة سخرية وعبث حينما نعرف بأن سلطة القرار داخل الصندوق تتقرر بيد مالكي الحصص الأكبر وتشترط رضاهم المسبق ويعدو ذلك الأمر جلياً عندما نتساءل عن حصص دول مثل كوبا وإيران وليبيا والسودان والعراق والبلدان الأخرى التي تتميز بانتهاج السياسات الوطنية المستقلة فإنها مسألة لا يقبل فيها النقاش نتيجة لهيمنة السادة الكبار ..وبذلك تتأكد لنا حقيقة قضية الروشتة التي يقدمها الصندوق بأنها لا تعدو أن تكون إلاّ عبارة عن ستار لذرائع المنح والحجب والاقصاء لتلك القروض أو المساعدات وهو الدور المشبوه الذي كان يقوم به ولا يزال صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كإحدى مؤسسات الاستعمار الجديد في سنوات الحرب الباردة !!وما التغييرات في المقتضيات التي يقوم بها الصندوق بين دولة من الدول وأخرى إلاّ تحقيقاً لذلك الهدف الذي أسلفناه وهذه التغييرات في المقتضيات لا تتعلق إلاّ في التفاصيل المتصلة في ذرائع المنح والحجب حسب اتجاهات التطورات السياسية التي تحدث في ذلك البلد أو ذاك وليس في الإطارات التي تحكم سياسات ونطاق نظام عمل الصندوق .وبالرغم من أن الإطار النظري كما هو في عالم الاقتصاد حيث يعتبر إطاراً واحداً معبراً عن إرادة واحدة فإنه عند هذه النقطة تحديداً تتساور الشكوك لدى البعض وتتأكد مصداقيتها لدى البعض الآخر فيما يتصل بالإجابة على السؤال : هل استطاع صندوق النقد والبنك الدوليان أن يجتازا وبنجاح في أن يكونا وبخاصة الصندوق – تلك المؤسسة النقدية العالمية التي تستطيع وبنجاح ضبط أسعار العملات وتحويلها في التجارة العالمية – بقدر ما وبحيث لا يؤدي إلى هذه الكوارث التي نشهدها تعصف بالاقتصاد العالمي من أزمات وانهيارات في جنوب شرق آسيا وفي روسيا وفي أمريكا اللاتينية ؟!!.ذلك هو الأمر الذي نقصد به عدم ملائمة هذه المؤسسات المالية الدولية للتغيرات التي حدثت وتعصف بالاقتصاد العالمي الأمر الذي يجعلنا نعتقد بأن نظام بروتون وودز هو انعكاس لعالم فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية هكذا استمر يعمل إلى عام 1971م عندما تخلت الولايات المتحدة عن قابلية تحويل الدولار إلى ذهب بسبب من امتلاك الاتحاد السوفيتي على أراضيه لأكبر كميات من الذهب في العالم بعد ذلك تغير في الواقع العالم تماماً فبدلاً من ثبات مرحلة أسعار الصرف واستقرارها دخلنا مرحلة التعويم وهي المرحلة الثانية التي تنتهي عندها المرحلة الأولى .[c1]المرحلة الثانية [/c]وهي التي تبدأ مع لحظة فك الارتباط بين الدولار والذهب والتي دخل بها العالم مرحلة عدم استقرار أسعار الصرف وأسعار المواد الأولية وأزمات موازين المدفوعات ونشوء أزمة المديونية الضخمة الشديدة الوطأة على البلدان النامية و ثم المشكلات التي واجهت المنظومة الشرقية وأدت إلى تفككها واختفاء الاتحاد السوفيتي ثم انتهاء الحرب الباردة ثم الدخول في العولمة ثم الأزمة المالية – أزمة حركة رؤوس الأموال – العالمية الراهنة والازمة التجارية العالمية القادمة كنتاج للصراع التنافسي بين الكتل الاقتصادية الدولية .. الخ .. والمشكلات العديدة التي تستعر من حين لآخر في الغرب ذلك يعني بشكل عام أن العالم تغير تغيراً كبيراً وأن نظام بروتون وودز أصبح بالياً لا يستطيع أن يواكب هذه المتغيرات الراهنة بل إن وجوده أصبح عامل إعاقة وكبح ويسهم في تأجيج الأزمات والمشكلات ولا يستطيع حلها وأصبحت معه مؤسساته الصندوق والبنك عبئاً ثقيلاً وفي أحيان كثيرة عبئاً مسبباً لأزمات ومشكلات الاقتصاد العالمي وفي الطليعة منها الأزمة المالية العالمية الراهنة وعجز تلك المؤسسات أي الصندوق والبنك عن التوقع والتنبؤ بها قبل حدوثها أو السيطرة عليها وإدارتها عند حدوثها أو تقديم المعالجات الصائبة والحلول الناجحة لها بعد حدوثها .. الأمر الذي يشكل دليلاً قاطعاً على سوء أدائها الناجم عن سوء إدارتها وهو ما يعني عقم سياساتها وإداراتها – وهو ما سنتناوله تفصيلاً في مكان آخر من هذا البحث .ذلك هو الأمر الذي يعدو معه إزاء تلك المشكلات مجتمعه وبسببها البحث عن بدائل أخرى والتي يأتي في الطليعة منها البحث في إيجاد نظام مالي ونقدي عالمي جديد يراعي هذه التغييرات وفي الإطار نفسه فإننا كاقتصاديين من العالم النامي وكأخصائيين في الاقتصاد الدولي نؤكد بأن النظام الجديد الذي ندعو إليه ونتبنيه هو ذلك النظام الذي ينبغي له أن يراعي في تكوينه ومداميك تأسيسه مصالح وحاجات البلدان النامية بما يلبي حاجاتها الى توفير متطلبات التنمية وتحقيق النمو والتطور وإلاّ يتكرر ما حدث معها من تجاهل وتغييب لدورها في اجتماعات بريتو وودز عام 1944 وهذه من النقاط المعيبة المأخوذة على بريتون وودز بعدم مراعاة البلدان النامية بمصالحها وهو ما قاد بريتو وودز على الدوام إلى الإخفاق والفشل الذريعين بدليل الأزمات المالية العالمية التي تقود إلى تدهور العملات وفقدان الاستقرار لأسعار الصرف والأزمة للسيولة النقدية العالمية المتمثلة بوجود ما يزيد على التريلون ونصف التريليون دولار تجوب وتتزاحم داخل أسواق المال والأسهم في العالم وهي تتجاوز في قيمتها أسعار السلع والخدمات في العالم أي خمسين ضعفاً وتمثل حجم ومقدار فجوة التضخم التي يعيشها كوكبنا الأرضي والتي لا يمكن حلها إلاّ بالركود والكساد العظيمين القادمين وفقاً لآليات ونظام الاقتصاد الحر التي تعالج التضخم بالركود والركود بالتضخم أي الدوران في حلقة مفرغة وهي دليل إخفاق وفشل مريع لمنهج وفكر ونظام الاقتصاد الحر وعقم أدواته المتمثلة في اقتصاد السوق الذي يقود إلى الفوضى والملكية الخاصة الاستغلالية والقطاع الخاص الاحتكاري والجشع .. وذلك يعني أنه في ظل تكتيكات وميكانيزمات النظام الاقتصادي الحر فإن الأزمات ستظل باقية وهنا يثور السؤال في ظل عدم وجود بدائل أخرى لديه .. هل سيبقى وإلى متى سيبقى صندوق النقد يتعامل مع الأزمات التي تواجهها البلدان النامية بنظام "الروشتة" النمطية الواحدة التي يتبعها والتي نجده يتبعها حتى فترة قريبة مع دولة مثل كوريا الجنوبية هي نفس السياسة التي يتبعها مع مصر ومع السودان ومع دول عديدة أخرى مثل المكسيك في أمريكا اللاتينية ..إلخ؟السبب في ذلك أن تشخيص الصندوق للأزمات يتركز على رؤية معينة في علم الاقتصاد هي الرؤية " النيوكلاسيكية" التي ترى بأن المشكلات التي تنشأ في ميزان المدفوعات تعين الاختلال الخارجي ومشكلات التوازن الداخلي وبالذات العجز في الموازنة العامة والتضخم ..الخ ترجع أسبابها إلى أخطاء السياسات الاقتصادية والى وجود " أكسيست دي ماند" فائض طلب لدى هذه الدول إن الدرس الذي يمكن استخلاصه من الازمة الآسيوية هو الفشل المريع لبرنامج صندوق النقد الدولي الذي كان يعتقده طموحاً غداة أزمة البيسو المكسيكي والذي كان يقوم على أساس " توفير المعلومات الكاملة حول التغييرات الاقتصادية الأساسية في الوقت المناسب " وهو بذلك .. أي الصندوق .. مارس أشد أنواع البلاهة قبحاً .. فكيف له أن ينتظر الحصول على المعلومات الدقيقة والصحيحة من الأنظمة الفاسدة التي تحكم في مثل تلك البلدان .. سوهارتو مثلاً ..!إن فشل الصندوق المريع في هذا المضمار يجعلنا – بتواضع شديد- أن نقدم بدائلنا التي نعتبرها بأنها في مستوى أفضل وأقدر من مستوى موظفي ومسؤولي الصندوق في إطار البحث عن وسائل لتحسين مراقبة الاقتصادات العضوة وتجنب حدوث أزمات أخرى بالتالي لديها .. حيث كان يفترض تحديد معيار خاص للنزلاقات الاقتصادية الكبرى التي تأتي من بين مؤشراتها المهمة :1- مستوى الاحتياطات الدولية .2 حصيلة ميزان المدفوعات.ج- الموازنة .د- معدل التضخم .هـ- معدل النمو .إن رأينا هذا – على بساطته- يمثل مستوى متقدماً يتجاوز مستوى دهاقنه صندوق النقد الدولي في مجال البحث عن وسائل لتحسين مراقبة الاقتصادات العضوة وتجنب حدوث أزمات أخرى لأن البيانات الكاذبة التي قدمتها كوريا الجنوبية واندونيسيا وتايلاند وماليزيا حول مستوى الاستدانة لكل منها واحتياطاتها من العملات يعتبر مثالاً صارخاً لعدم سلامة ومصداقية وطريقة التفكير التي يتبعها صندوق النقد والتي يعتقد فيها بأن تحسين جميع المعلومات وتداولها يمكن أن يكون كافياً لتحاشي الأزمات .. إن ذلك ليس سوى وهم وخداع يمارسه موظفو الصندوق على أنفسهم وعلى الشعوب والبلدان الأخرى .. ليس لأن البيانات ستكون كاذبة كما أشرنا سلفاً إلى حالات بعض البلدان الأسيوية .. ليس وحسب .. بل ولأنه وفقاً لأبسط قواعد التحليل الاقتصادي فإن المؤشرات الاقتصادية الكلية والتقليدية لا تكفي لإعطاء فكرة دقيقة عن الوضع في بلد ما وفي بعض الحالات عندما تكون المصارف مدينة للسلطات العامة فإن الأمر يصبح مختلفاً ..تلك هي مآخذنا على مستوى وطريقة التفكير القاصر لدى موظفي ومسؤولي صندوق النقد الدولي وأيضاً على سياساتهم وبرامجهم في مجال التوخي ودرء الأزمات وهي دليل عجز فاضح في مستوى وطريقة تفكيرهم الناجم عن الضعف والقصور وعدم القدرة على الخلق والإبداع لديهم وهو ما يمكن أن تفسر به العجز الكلي الهيكلي لصندوق النقد كمقرض نهائي يتم اللجوء إليه في النهاية دون أن تكون لديه القدرة الكافية للقيام بهذا الدور من جهة ومن جهة أخرى أن القاعدة المالية الحالية لصندوق النقد الدولي التي تعتبر غير قادرة على مواجهة ضخامة التحديات التي تطرحها العولمة المالية يثير الشكوك في مصداقية تدخلاته في المستقبل في حالة وقوع المزيد من الأزمات وهذا يؤكد الشكوك بعدم سلامة نظامه وكذا طريقة وأسلوب أدائه لأنه في حالات التدخلات فإنه لا يتدخل لمعاقبة شطط الحكومات .. ولكن لتصحيح أوجه الخلل في نشاط القطاع الخاص وهو ما يشكل في حد ذاته انحرافاً بالغاً عن مهمته الأصلية .. وفي هذا المجال بوسعنا التساؤل عما إذا كانت تدخلاته لصالح المقاولين من القطاع الخاص ليست بمثابة باب مفتوح لعمليات الإخلال المتكررة بنظامه ثم إن فاعلية التدخلات أبعد من أن تكون مؤكدة النتائج ففي آسيا مثلاً على عكس ما لوحظ في حالة المكسيك .. لم يحل تدخله دون وقف انهيار العملات والبورصات رغم ضخامة ذلك التدخل والعلاجات التي تمت التوصية بها وبالأخص في حالات تايلاند وكوريا الجنوبية كانت هي نفسها التي استخدمت في المكسيك من قبل دون مراعاة أن طبيعة المصاعب التي تواجهها بلدان آسيا ذات طبيعة مختلفة عنها في المكسيك لأن المصارف والمجموعات الصناعية الكبرى هي المدينة وليس السلطات العامة وهو ما يجعل المرء يتشكك في فاعلية تلك المعالجات ففي كوريا الجنوبية حدد معدل التضخم بنسبة (5%) فقط بينما فقدت العملة المحلية "الوون" (60%) من قيمتها في العام 1997م وهو أمر يثير الريبة ..!كما أنه يهمنا في هذا السياق الإشارة إلى الأثر الركودي الحاكم للسياسات التي يقترحها والمتمثل في انكماش الطلب الداخلي والسياسة النقدية التقييدية وزيادة الضرائب والتوسع في الوعاء الضريبي .. الخ .. والتي يبرز معها التساؤل حول مدى صلاحية مثل تلك السياسات إزاء بلد يواجه تفجراً داخلياً لنظامه المصرفي والى أدى مدى يجري فرض معدلات فائدة مرتفعة وبرنامج تقشف يؤدي إلى عرقلة التنمية ولا يسهم في تصحيح مسار القطاع المالي .. بل يؤدي إلى العكس من ذلك لأنه في حالات تشابك المشاكل الاقتصادية الكلية مع تلك الجزئية فإن حلها بشكل متناسق يكون صعباً دون أن تستمر حلقة التضخم المفرغة .يبين هذا الإطار التوصيات الارثوذكسية للروشتة التقليدية التي يقدمها صندوق النقد وتبرز تساؤلات أخرى حول هذه النقطة أيضاً فقد جاء في تقرير سري للصندوق أن هذه المؤسسة – أي الصندوق – قد ساهمت في زعزعة الثقة وزادت من مخاطر الأزمة بأن أصرت مثلاً – على إغلاق (16) مصرفاً في اندونيسيا (راجع صحيفة نيويورك تايمز عدد 14 يناير 1998م ) وهنا يبرز التساؤل عما إذا كان من اختصاص صندوق النقد أن يملي على الحكومة الاندونيسية سلوكه في كل المجالات خاصة وأن التكلفة الاجتماعية لمثل هكذا إجراء تكون باهظة !!ومما يزيد في مشروعيته هذا التساؤل أن تنفيذ توصيات الصندوق في مجال التحرير المالي بلا ضوابط هو الذي يقود إلى الانحرافات المالية التي تتسبب في الأزمات .. [c1]* يتبع[/c]