منبر التراث
محمد زكريا[c1]الحكايات الشعبية [/c]تعد الحكايات الشعبية تكملة هامة للتاريخ المكتوب ، وأحياناً تفوقه حيث تروي تلك الحكايات الشعبية قضايا إنسانية بحتة لم يدونها التاريخ صاحب القلب الغليظ الذي يسجل فقط الأحداث الجسام ، والأمور العظام , وأخبار الملوك والأباطرة ولا يلتفت إلى حياة الناس . التاريخ مجرد من العواطف بخلاف الحكايات الشعبية أو السير الشعبية التي تروي وقائع تنبض بالأحاسيس ، والمشاعر. ومن سمات الحكاية أو الحكايات الشعبية أنها شفوية ينقلها الناس من جيل إلى آخر البعض يزيد فيها , والبعض الآخر ينقص من أجزائها ولكن تبقى حقيقة واحدة وهي أن الحكاية أو الحكايات الشعبية جذورها مستمدة من الحقيقة . ولكن يأتي الراوي فينسج أحداثها بخيوط أدبية جميلة ويحاول في كل مرة أن يجدد فيها حتى لا يمل منها السامعون وبذلك يجذبهم إليه . [c1] يوم الرحيل[/c]وعندما كنت من مدة ليست بطويلة في الحوطة عاصمة العبادل سلاطين لحج وعدن الذين جلسوا على عرش السلطنة أكثر من مائتين وعشرين عاما . التقيت بعدد من الطاعنين في السن نقلوا إلي عن أجداد أجدادهم حكاية أو حكايات شعبية فيها جوانب إنسانية لم يذكرها التاريخ المجرد من العاطفة ـــ كما قلنا سابقا ــ وهي قصة رحيل القومندان علي سعيد باشا قائد القوات العثمانية في اليمن الذي دخل لحج في صباح اليوم الرابع من يوليو سنة (1333 هـ / 1915م ) وبقى هو وقواته فيها أكثر من ثلاث سنوات .وفي تلك المدة شهدت لحج وأهلها الأمن والأمان والطمأنينة ، وازدهرت الزراعة وانتعشت الحياة الاقتصادية انتعاشا كبيرا فيها . وعندما وضعت الحرب العالمية الأولى ( 1914 ـــ 1915 م ) أوزارها , ورفعت الدولة العلية العثمانية راية الاستسلام هي وحليفتها ألمانيا القيصرية . كان على القومندان علي سعيد باشا أن يستعد للرحيل هو وقواته من لحج إلى مستعمرة عدن ليتجمعوا فيها لتنقلهم بعدها السفن البريطانية إلى قبرص ومن ثم إلى استنبول بتركيا . وتصف الحكاية أو الحكايات الشعبية اللحجية يوم رحيل علي سعيد باشا وجنوده من الحوطة ، فتقول بما معناه : " عند بزوغ فجر يوم رحيل القومندان علي سعيد باشا هو وقواته كان أهل لحج على تباين فئاتهم الاجتماعية يصطفون على جانبي الطريق ، ويحملون في أيديهم الفل والورود لينثروها على سعيد باشا وقواته , وعندما بدأ يظهر في مقدمة قواته ، تحول المشهد الذي من الفروض أن يكون سعيدا إلى مشهد دراماتيكي حزين . فقد انتحب النساء بصوت عالي وصل إلى حد العويل كأنه إنسان عزيز عليهم قد مات وأنهم يلقون عليه نظرة الوداع الأخير ليوارى بعدها في الثرى . أما الرجال فقد ارتفعت حناجرهم بصورة هستيرية يصرخون بقوة ويرددون بصوت واحد قوي أبقى معنا : " ياقومندان " يقصدون علي سعيد باشا. وتواصل الحكاية الشعبية روايتها ، فتقول : " والغريب في الأمر ، أن الكثير من الجنود الأتراك كانوا يزرفون الدموع بصورة متشنجة , وكان البعض منهم ينحت على جدران عدد من البيوت في الحوطة اسمه وبعض العبارات الجميلة التي تدل على الحب الكبير للحج وأهلها , والتف الناس حول القومندان علي سعيد باشا أو قل حاولوا أن يمنعوا موكبه من الرحيل . والتفت علي سعيد باشا يمنة ويسرة إلى قواته بوقف حركة مسيرة الموكب حتى يتمكن أن يهدأ خواطر أهل لحج الذي أصابهم الحزن العميق لرحيله . [c1]ذكرياته الجميلة[/c]وفي الواقع ، أن علي سعيد باشا ، بعد رحيله من لحج ، كان يحمل في قلبه كل الود التقدير والوفاء الكبير للحج وأهلها . وكان دائما يردد في حديثه مع الآخرين ذكرياته الجميلة عن الأيام التي قضاها في لحج ومع أهل لحج الطيبيين . وفي واقع الأمر ، أن عددا كبيرا من الجنود الأتراك أحبوا العيش في لحج , وانصهروا مع أهلها ، وتصاهروا مع أسر لحجية مرموقة , وصار أبناءهم من نسيج المجتمع اللحجي الأصيل . وعندما كان علي سعيد باشا في مصر ، علم أن الأمير محسن فضل شقيق السلطان عبد الكريم يتعالج في أحد المستشفيات ، فزاره وتمنى للحج وأهلها كل الخير والسعادة والتقدم . وتحدث مع الأمير محسن عن السنوات الثلاث التي عاشها في ربوع لحج الخضراء وبين أهلها .[c1]بيت علي سعيد باشا[/c]ويقال أن بيت علي سعيد باشا في الحوطة مازال قائما حتى يوم الناس هذا، وقيل أنه بالقرب من مسجد متواضع يسمى مسجد الخير بالحوطة . ويقال ـــ أيضا ــ إنه بجانب مسجد الدولة الذي بناه السلطان أحمد محسن فضل المتوفى سنة ( 1265هـ / 1849م ). [c1]الخلاصة[/c]وخلاصة القول ، نرجو من محافظ لحج الأخ عبد الجليل الذي يهتم ويقدر تاريخ لحج الرائع العمل على تأسيس متحف عن علي سعيد باشا يحوي كافة ما يتعلق بحياته وتاريخه في لحج . إنني أكاد أجزم ، أن اقتراحنا الثقافي سيجد تجاوبا وصدى لدى المسئولين المهتمين بتاريخ وثقافة لحج وعلى رأسهم الأخ محافظ لحج . إننا لمنتظرون .