شخصيات خالدة
[c1]* فيلسوف فرنسي[/c]ولد هنري برغسون في باريس العاصمة الفرنسية في 18 تشرين الأول عام 1859 من أبوين فرنسيين, ويُقال أن أمه من أصل إنكليزي، ولهذا كان للأثر الروحي الذي تركته في نفس برغسون ثقافة أمه الإنكليزية أهمية كبيرة . وقد استطاع منذ صباه أن يتملك ناحية اللغة الإنكليزية، وذلك بفضل رعاية والدته التي كانت تشرف على تعليمه وتثقيفه. وقد أرجع بعض المؤرخين حب برغسون للحياة ، وميله الى النشاط والعمل، وخياله الخصب المتدفق، ونزوعه المستمر نحو اللانهائية، الى ذلك الأثر النفسي العميق الذي خلّفه في نفسه تعلّقه بوالدته ومحبته لها.الثقافة الفرنسية التي تلقاها برغسون في ليسيه كوندرسيه، ثم في مدرسة المعلمين العليا، هي التي كان لها القسط الأوفر في توجيهه نحو الدراسات الفلسفية. ولئن كان برغسون قد أشهر منذ صباه استعداداً كبيراً للعلوم والرياضيات بصفة خاصة، إلاّ أن ميله للآداب لم يكن يقل عن ميله الى العلوم ، ولهذا فإنه لم يلبث أن دخل شعبة الآداب في مدرسة المعلمين العليا سنة 1878 حيث كان زميلاً لكل من جان جوريس وموريس بلوندل وغيرهما...تلقى برغسون في هذا المعهد ثقافة فلسفية ممتازة، فتتلمذ في السنة الأولى على الأستاذ أوليه لا برون الذي كان مشهوراً بنزعته الأخلاقية المسيحية، ثم تتملذ على الفيلسوف الروحي إميل بوترو ، ولم يصرف برغسون إشتغاله بالفلسفة عن الإطلاع المتواصل على الآداب القديمة، وخصوصاً الأدب اليوناني.وقع تحت تأثير فلسفة هربرت سبنسر، وكان برغسون في تلك الفترة مأخوذاً بالعلوم الدقيقة والمناهج الوضعية، فلم يكن يضمر للميتافيزيقيا سوى العداء والإزدراء، مما حدا بزملائه الى اعتباره مادياً أو وضعياً.عيّن برغسون أستاذاً للفلسفة بليسيه أنجيه سنة 1881 ثم ما لبث أن نقل الى ليسيه كليرمون فران سنة 1883، وهناك أخذ ذهنه يتفتق عن نظرية جديدة في الزمان، وهذه النظرية هي التي اقتادته الى الدراسات السيكولوجية التي كان قد أغفلها حتى ذلك الحين.والظاهر أن برغسون قد اجتاز أزمة عقلية حادة في الفترة التي قضاها بتلك المدينة، ولو أن تلك الأزمة لم تكن وليدة أحداث نفسية عميقة، بل هي كانت مجرد تعبير عن “تجربة روحية” مرّ بها في مسقط رأس الفيلسوف بسكال.في سنة 1898 قدّر له أن يُنقل مدرساً للفلسفة بمدرسة المعلمين العليا ، وفي سنة 1900 عيّن أستاذاً للفلسفة القديمة بالكوليج دي فرانس ، ثم استاذاً للفلسفة الحديثة في المعهد نفسه في سنة 1904. كان يرى أنه لا بد للفلسفة ، حتى في أكثر تحليلاتها عمقاً ، وأشد تركيباتها سمواً، أن تستخدم اللغة العادية التي يفهمها عامة الناس ، ولكن البساطة لا تعني السهولة، كما أن الوضوح لا يتنافى مع العمق . عام 1901 انتخب برغسون عضواً بأكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية بالمعهد ، ثم انتخب عضواً بالأكاديمية الفرنسية، وفي سنة 1928 حصل على جائزة نوبل في الآداب، وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى ، انطوى برغسون على نفسه وأخذ يفكر في الدلالة السيكولوجية والميتافيزيقية للحرب، فكانت ثمرة تأملاته بحثاً تحت عنوان ( معنى الحرب) سنة 1915. لقد أقعد المرض برغسون الى آخر حياته ، حيث توفي سنة 1941 ، بالرغم من أنه ظل يواصل قراءاته، مغالباً المرض والضعف والشيخوخة، مهتماً على الخصوص بدراسة كتب التصوّف والأخلاق والإجتماع. الى أن أصدر كتابه الضخم ( ينبوعا الأخلاق والدين ) الذي أحدث ثورة في الأوساط الفلسفية والدينية ، إذ وجد فيه الناس نبرة صوفية لم يعهدوها من قبل في برغسون.