صنعاء/ سبأ: مع نهاية العام الجاري ستكون القيادة الجديدة لوزارة الكهرباء والمؤسسة العامة للكهرباء أكملت نصف عامها الأول في واحدة من أكثر الجهات الحكومية المثقلة بالمتاعب، حيث تعاني المنظومة الكهربائية في اليمن ضعف في قدراتها التوليدية وتقادم محطات التوليد وتهالك معظم شبكات التوزيع الكهربائية وتزايد مضطرد في الطلب على الطاقة في وقت تواجه الحكومة مصاعب كبيرة في تمويل إنشاء محطات جديدة للتوليد. ويعتمد اليمن على طاقة كهربائية لا تتجاوز ألف و200 ميجاوات ولا تلبي حاجة سوى 57 % من السكان البالغ عددهم أكثر من 22 مليون نسمة ويتزايدون بمعدل 3 % سنوياً ، ويشير احد التقارير الصادرة عن المؤسسة العامة للكهرباء إلى ان احتياجات اليمن الفعلية من الطاقة في الوقت الحالي تصل إلى ثلاثة ألاف ميجاوات في الساعة على اقل تقدير، في الوقت الذي انتهى العمر الافتراضي لنصف محطات توليد الكهرباء الرئيسية باليمن أو أنه أوشك على الانتهاء كما هو حال جميع المحطات البخارية. وكان تعديل وزاري منتصف مايو الماضي، أوصل عضو مجلس النواب المهندس عوض السقطري إلى رأس هرم وزارة الكهرباء، وهو منصب يحلم به الكثير وإن كان لا تتعدى أهميته لدى البعض عن كونه يمثل إضافة جميلة لسيرتهم الذاتية. وحتى نهاية العام سيكون على قيادتي الكهرباء ممثلة بالوزير ومدير عام المؤسسة الذي عين في ذات التغيرات الحكومية ، الوقوف أمام تحديات مالية وإدارية وفنية كبيرة تتطلب العمل بطاقة ومهنية أكبر. وعلى المستوى المالي يكشف احد التقارير المالية للمؤسسة العامة للكهرباء عن أن حجم الالتزامات المالية الفعلية الواجب سدادها من التمويل الذاتي للمؤسسة حتى شهر سبتمبر الفائت فقط أكثر من 20 مليار و708 ملايين ريال كمستحقات للغير وهو رقم مرشح للزيادة حتى نهاية العام الجاري ، ويوزع التقرير المبلغ بواقع 10 مليارات و486 مليون ريال قيمة وقود المازوت غير المدفوعة حتى سبتمبر ، وأربعة مليارات و174 مليون ريال قيمة الطاقة المشتراه غير المدفوعة للقطاع الخاص خلال نفس الفترة فيما يبلغ قيمة الديزل غير المدفوع نحو 3 مليارات و937 مليون ريال و نحو مليار و651 مليون ريال قيمة قطع الغيار لمحطات التوليد لشبكات التوزيع والتي تم توريدها للمؤسسة خلال نفس الفترة و 550 مليون ريال قيمة الزيوت غير المدفوع. وتعكس تلك الأرقام الوضع المالي الصعب للمؤسسة العامة للكهرباء، في وقت يبدو التفاؤل غير وارد لدى البعض في الإدارة العامة للشؤون التجارية بقدرة المؤسسة على سداد تلك الالتزامات للغير من التمويل الذاتي للمؤسسة. حيث قال احد المختصين في المؤسسة:” بالفعل المبالغ كبيرة وقد لا نستطيع سدادها من التمويل الذاتي نظراً لعدم قدرة المؤسسة على تحصيل مديونيتها لدى المشتركين وغيرها “. ويبدو ان الفترة القصيرة لقيادة الكهرباء الجديدة قد مكنتها من الإطلاع على حجم المتاعب التي تعاني منها المنظومة المالية والفنية والتقنية للكهرباء في اليمن ، فخلال افتتاح الوزير ومدير عام المؤسسة لأعمال اللقاء التشاوري لقيادات المؤسسة نهاية أكتوبر الماضي قدما صورة مختصرة عن وضع الكهرباء في اليمن ، حيث وصفا في مستهل حديثهما وضع المؤسسة العامة للكهرباء بالصعب للغاية جراء تراكم المديونيات لدى المشتركين وارتفاع نسبة الفاقد في الشبكة وتكلفة شراء الطاقة من القطاع الخاص. ويأتي ذلك الوصف المختصر في ظل أرقام تتحدث عن حجم مديونية تتجاوز الـ22 مليار ريال لم تستطع المؤسسة تحصيلها من مشتركيها ، فضلا عن تكبدها خسائر قدرها 8 مليارات ريال جراء فاقد التيار الكهربائي في الشبكة حتى شهر سبتمبر الفائت. وتواجه قيادة الكهرباء الجديدة وضع شديد التعقيد ناتج عن تراكم جملة من الاختلالات منذ السنوات الماضية والتي اتسم التعامل معها بنوع من عدم المسئولية والإدراك العميق لما قد تنطوي عليه من متاعب. ويتذمر الناس في اليمن من حالة الانطفاء المتكرر للتيار الكهربائي ، ووصل التذمر الى حد الدعاء على مسئولي الكهرباء كما حصل في احد المساجد بمحافظة الحديدة في شهر رمضان الفائت ، فخلال فترة الثمانينات لم يعانى السكان المرتبطون بالطاقة الكهربائية في اليمن من الانطفاء كما هو حاصل في الوقت الحالي. وأخذ وضع الكهرباء يزداد صعوبة منذ فترة التسعينيات في وقت لم يصاحب ذلك إنشاء أي محطات توليد جديدة حتى اليوم رغم أن الطلب على الطاقة أخذ بالتزايد بمعدل يتراوح بين 10ـ 12 % سنوياً وهو ما نتج عنه اتساع الفجوة بين المتاح من الطاقة وحجم الطلب ، وإزاء ذلك اكتفت القيادات المتعاقبة للكهرباء خلال هذه الفترة الطويلة بإنشاء محطات إسعافية هنا وهناك لمواجهة العجز المتوالي للطاقة وهي حلول وصفها وزير الكهرباء السابق الدكتور مصطفى بهران بـ ( الترقيعية). وشهد مستوى أداء محطات التوليد الرئيسية الثلاث تذبذباً ملحوظ بين الحين والآخر نظراً لانتهاء عمرها الافتراضي ، حيث تعتبر محطة رأس كثيب بمحافظة الحديدة ، أول محطة بخارية في اليمن، وتتكون من خمس وحدات توليدية تم الانتهاء من تركيب الوحدة الأولى والبدء بتشغيلها في شهر سبتمبر 1982م. وعن هذه المحطة يفيد تقرير أعدته لجنة السلطة المحلية والخدمات بمجلس الشورى ، أن عمر المحطة الافتراضي انتهى العام الحالي 2008م ، مشيراً إلى أنها مصممة بقدرة 150 ميجا وات، تنتجها خمس وحدات على أساس أن يتم تشغيل ثلاث وحدات ووحدة تكون تحت الصيانة والوحدة الخامسة احتياط ، إلا أنه بتزايد الطلب على الطاقة الكهربائية تم تشغيل الوحدات الخمس على مدى 24ساعة من عام 1998م دون توقف ، إلا في حالة إجراء الصيانة الضرورية جدا وهو ما أثر(سلبا) على أداء المحطة. أما محطة المخا البخارية بمحافظة تعز البالغ قدرتها 160 ميجاوات التي تعد ثاني اكبر محطة بخارية في اليمن بعد محطة (الحسوة) ، فأكد التقرير أن عدم إجراء الصيانة لها منذ تشغيلها في نوفمبر 1986م قد أثر “سلبا” على أدائها وانخفاض في القدرة المنتجة إلى 145ميجا وات. وبالنسبة لمحطة الحسوة الحرارية بمحافظة عدن والمكونة من خمس وحدات توليد بقدرة 125 ميجا وات ، ذكر التقرير انها لقيت من الإهمال ما أوصلها إلى وضعية خفضت قدرتها الفعلية إلى (75) ميجاوات فقط ، مبينا انها تحتاج لإعادة تأهيل وحدات التوليد والغلايات التابعة لها بمبلغ 30 مليون دولاراً لإعادة قدرتها إلى مستواها التصميمي. وتسعى اليمن إلى توليد الطاقة الكهربائية باستخدام وقود الغاز للتغلب على مستويات العجز في حجم الطاقة المنتجة والتي كانت أولى الخطوات إنشاء المرحلة الأولى من محطة مأرب الغازية المتوقع دخولها الخدمة منتصف العام المقبل بقدرة 341 ميجاوات كمرحلة أولى ، لكن الانتهاء من تنفيذها ما يزال يواجه صعوبات عدة تتمثل في المشاكل التي تواجه شركة بارسيان الإيرانية المنفذة لمحطات التحويل وتأخرها عن تصنيع المحولات المطلوبة ، فضلا عن مشاكل إكمال مد شبكة خطوط النقل 400 كيلو فولت التي تنفذها شركة هيونداي الكورية ، وهو ما يجعل المسئولية اكبر أمام وزير الكهرباء ومدير عام المؤسسة للتغلب على العقبات التي ما تزال تواجه تدشين المشروع، على اعتبار أن أول تصريح صحفي لوزير الكهرباء عقب تعيينه، أكد ان الانتهاء من تنفيذ المحطة على رأس اهتماماته. ويؤيد كافة المختصين والمهتمين بوضع الطاقة الكهربائية في اليمن ، توجه الدولة لإنشاء محطات لتوليد الطاقة بواسطة الوقود الطبيعي، وإن كانوا يعتقدون أن الخطوة جاءت متأخرة باعتبارها خياراً استراتيجياً لوضع حد للخسائر التي تتكبدها الدولة من توليد الكهرباء بواسطة المحطات العاملة بوقود الديزل والمازوت. ويتفاءل السكان في اليمن بالأخبار التي تتحدث عن قرب دخول محطة مأرب الغازية بقدرة 341 ميجا وات إلى الخدمة منتصف العام القادم للحد من الانطفاء المستمر للتيار الكهربائي في مختلف أنحاء البلاد ، فيما يعتبر عدد من المختصين بالمؤسسة العامة للكهرباء أن ذلك التفاؤل فيه نوع من المبالغة لعدم إدراك عامة الناس للوضع المتعب للمنظومة التوليدية في اليمن بشكل دقيق. ويرى هؤلاء أن تشغيل المرحلة الأولى من محطة مأرب الغازية لن يحل مشاكل العجز في توليد الطاقة في اليمن على المدى القريب. ويعتقدون أنه في حالة استغنت المؤسسة عن الطاقة المشتراة من القطاع الخاص والتي تزيد عن 200 ميجا وات بتكلفة يومية تقدر بمليون و500 ألف دولار ستبقى حالة الانطفاء كما هي عليه ، والسبب في رأيهم إن حجم الطاقة المنتجة من محطة مأرب البالغة 341 ميجاوات ستحل محل الطاقة المشتراة من القطاع الخاص أما الكمية المتبقية فقد لا تستطيع تغطية العجز بالشبكة الموحدة والذي يتراوح بين 150 ـ 200 ميجاوات في الساعة. هذا السيناريو كما يعتقدون هو” المتوقع لأن شراء الطاقة أثقل كاهل المؤسسة مالياً”، كما سيكون الوضع أكثر سوءاً في رأي المختصين فيما لو أجبرت المؤسسة على التخلي عن بعض وحدات التوليد في المحطات الرئيسية نظراً لانتهاء عمرها الافتراضي منذ سنوات وأصبحت عملية صيانتها تكلف الكثير من المال ، والحل في رأيهم هو الإسراع بتنفيذ المرحلة الثانية من محطة مأرب الغازية بقدرة 400 ميجاوات لتكون جاهزة للدخول للخدمة خلال 3 سنوات بأكثر تقدير. وكانت وزارة الكهرباء قد أعادت إنزال مناقصة المرحلة الثانية من محطة مأرب الغازية للمرة الثانية بعد الاعتراضات التي قوبلت بها عملية التأهيل والتحليل السابقة من قبل الممولين للمشروع التي وصفها الصندوق السعودي للتنمية بـ “غير الشفافة”. وتسلمت وزارة الكهرباء والطاقة في 12 أكتوبر 2008م وثائق التأهيل من 18 شركة تتنافس لتنفيذ المشروع الذي تزيد تكلفته عن 400 مليون دولار ، وكان من المفترض أن يتم الإعلان عن الشركات المؤهلة بعد شهر من تاريخ التسليم وبالتحديد في تاريخ 12 نوفمبر ، لكنه لم يتم حتى الآن. يمول المشروع كل من الصندوق السعودي للتنمية والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي ومقره الكويت ، وما تزال قضية التمويل العائق الأكبر أمام الحكومة لتنفيذ مثل هذه المشاريع في قطاع الكهرباء في وقت تطمح فيه الحكومة ممثلة بوزارة الكهرباء إلى تنفيذ عدد من محطات التوليد بواسطة الغاز الطبيعي ومنها محطة معبر الغازية بمرحلتيها الأولى والثانية. وهو ما ذكره رئيس الوزراء الدكتور علي محمد مجور في تصريحات صحفية سابقة الشهر الماضي ، حيث اشار الى تحفظ الجهات المانحة إزاء تمويل مشاريع معيّنة في اليمن وفي مقدمتها مشاريع الكهرباء. وتبدو مسألة تطوير وإصلاح المنظومة الكهربائية المتهالكة من الناحية الفنية والمتأزمة من الناحية المالية والإدارية أمراً في غاية الصعوبة ما لم توضع خطط إستراتيجية قابلة للتنفيذ تلتزم بتنفيذها أي قيادات جديدة في حالات التغيير ، ولذلك سيكون من غير الإنصاف إطلاق الأحكام على مستوى أداء القيادة الجديدة للكهرباء في فترة وجيزة لتعقيدات الوضع بشكل يجعل الإمساك بخيوط الإصلاحات يحتاج إلى وقت أكبر.
البحث عن حلول لمنظومة كهربائية متهالكة أمام تزايد الطلب على الطاقة
أخبار متعلقة