منبر التراث
[c1]وغيرت مجرى التاريخ[/c]إذا هفت على خواطرنا نسيم الجناح الغربي الإسلامي أي المغرب العربي تذكرنا عظمة تاريخ تلك المنطقة التي غيرت مجرى التاريخ الإسلامي بل والتاريخ الأوربي. فمن المغرب عبرت الجيوش الإسلامية والتي كانت غالبيتها من سكانها الأصليين ( البرابرة ) بقيادة الشخصية العسكرية الفذة طارق بن زياد البحر إلى بلاد الأندلس ( أسبانيا ) سنة ( 90هـ / 709م ) ، وبعدها تولى زمام القيادة موسى بن نصير الذي أحرز الانتصارات الباهرة في مكان من الأندلس حتى وصل إلى مشارف بلاد الغال ( فرنسا ) . وعندما استقرت الأوضاع السياسية في الأندلس ، ودخل الكثير من أهلها القوطيين الإسلام . انتشرت الثقافة الإسلامية المستمدة ينابيعها الصافية من القرآن الكريم في بلاد الأندلس انتشار النار في الحطب . وصارت قرطبة قِبلة أبناء ملوك الفرنج يستقون العلوم والمعرفة المختلفة والمتنوعة وأهمها الآداب أو الأدب العربي بشقيه النثري والشعري . وصارت اللغة العربية جزء لا يتجزأ من ثقافة الناس في الأندلس الإسلامية ( أسبانيا ) . [c1]نغمة شاذة[/c]والحقيقة الذي دفعني إلى الحديث عن دور المغرب الرائد في فتح الأندلس الإسلامي ومن ثم نشر اللغة العربية وآدابها المتنوعة في ربوعه ، أنه ظهر في تلك الأيام نغمة شاذة خرجت من قلة قليلة من المغرب تنادي بضرورة أنّ تسود اللهجة العامية المغربية الوسائل الإعلامية المختلفة المقروءة ، المسموعة ، والمرئية بل وصل مطالبتها أن تكتب المؤلفات الأدبية باللهجة العامية المغربية وليس من الضرورة باللغة العربية الفصحة . والحقيقة أنّ دعوتهم تلك وجدت معارضة شديدة بين المثقفين المغربيين والذين يمثلون الأغلبية الكبري في الأوساط الثقافية والفكرية في المغرب حيث ، قالوا بما معناه : " إنّ الذين يطالبون بنشر اللهجة العامية الدارجة المغربية في الكلمة المقروءة ، والمسموعة ، والمرئية لديهم أفكار خبيثة وهي الانسلاخ من عروبتنا ، وثقافتنا الإسلامية والتي تمثل الهوية والشخصية المغربية الأصيلة " ، ويواصلون حديثهم ، قائلين : اللغة العربية الفصحة هي التي تجمع بين الشعوب العربية على تباين مشاربهم الاجتماعية ، وتنوع حظوظهم الثقافية من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي ، وبتعبير آخر أنّ اللغة العربية الفصيحة سواء نثراً أو شعراً هي همزة الوصل بين الشعوب العربية أمّا اللهجة العامية الدارجة في البلدان العربية فهي تفهم في إطار كل بلد " . أو في إطار محلي محدود وضيق . [c1]المثقفون المغاربة والتحدي[/c]ولا يختلف اثنان ، أنّ المثقفين المغاربة كان لهم دور كبير ورائد في التصدي لثقافة الاحتلال الفرنسي في المغرب الذي عمد على نشر الثقافة الفرنسية وتغلغلها في الحياة الثقافية والفكرية المغربية بصورة فجة ووقحة وبتعبير آخر محاولة تغريب الثقافة العربية الإسلامية في المغرب ، وكان من جراء ذلك أن وقف المثقفين المغاربة في وجه التغريب الفرنسي للفكر المغربي العربي الإسلامي وقفة قوية وصلبة وبتحدي رائع . وعلى الرغم أنّ المحتل الفرنسي في المغرب حشد كل طاقاته الضخمة بهدف صبغتها بالصبغة الثقافية الفرنسية إلاّ أنه فشل فشلاً ذريعاً لكون أنّ المغاربة على تباين حظوظهم العقلية ، واختلاف فئاتهم الاجتماعية ، وتنوع مشاربهم السياسية , فقد تمسكوا بقوة وإصرار بثقافتهم العربية التي تمثل تراثهم وتاريخهم وهويتهم الشخصية . [c1]الملك محمد الخامس[/c] وهذا الملك محمد الخامس ـ رحمه الله ـ المعروف عنه بحبه العميق للثقافة العربية الإسلامية وتراثها الأصيل لكونه تربى ونشأ وترعرع في أحضان الثقافة العربية الإسلامية ، فبمجرد أنّ رحل الاستعمار الفرنسي عن بلاده المغرب حتى أعلن برنامجه التربوي العظيم وهو تأصيل وترسيخ اللغة العربية وفروعها المختلفة في المدارس المغربية وعلى اختلاف مراحلها التعليمية لكون تلك المدارس هي القاعدة الصلبة التي تنطلق منها اللغة العربية إلى سماء المغرب الثقافي والفكري . وفي عهده الذهبي شهدت المغرب نهضة ثقافية عربية كبرى وكيفما كان الأمر ، مهما حاول هؤلاء المبتورين من اللغة العربية أو الثقافة العربية الأصيلة العمل على طمس معالمها ، ومحو ملامحها ، فإنهم لم ولن يستطيعوا فعل ذلك لكون اللغة العربية منحوتة في وجدان وروح المغرب والمغاربة والتي هي جزء لا يتجزأ من شخصيتهم التاريخية وهويتهم العربية الإسلامية . [c1]معالم المغرب الإسلامي [/c]والثقافة العربية ليست مقتصرة على اللغة العربية الفصيحة فحسب بل هي ماثلة للعيان على سبيل المثال في مساجد المغرب البديعة الحسن والجمال والتي تمثل درر من آيات الفن المعماري العربي الإسلامي الأصيل مثل مسجد ( الكتبية ) بمئذنته العريقة الطافية على وجه مراكش ، وهذه مدينة مراكش الذي بناها الأمير يوسف بن تاشفين أمير المرابطين سنة ( 454هـ / 1062م ) ذات الطراز الإسلامي البديع الذي يعطيك أحساساً عميقاً بعراقة الثقافة العربية الراسخة جذورها في تربة بلاد المغرب العربي الإسلامي .