مع الأحداث
كان الخامس من نوفمبر 2008 موعداً تاريخياً للإعلان الرسمي عن فوز باراك اوباما، رئيساً منتخباً لأمريكا، من أصل أفريقي، لأول مرة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية، محتلاً الرقم 44 في قائمة أسماء من تعاقبوا على رئاسة أمريكا منذ جورج واشنطن، مؤسس الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أخرهم اوباما.وقد كان نجاح باراك اوباما، الرجل الأسود، في تلك الانتخابات النهائية نجاحاً ساحقاً ضد منافسه الجمهوري المهزوم جون ماكين. ولهذا وصفت انتخابات الرئاسة الأمريكية بالتغيير التاريخي الهام. والديمقراطية الصحيحة، لمن نادوا بالمساواة طيلة عقود من السنين، وتأكد لهم اليوم صحة هذا التغيير بانتخاب رئيس أسود أمام أعينهم.وحتى نلم بالخلفية التاريخية لإبراز هذا الحدث الهام الماثل للعيان في انتخاب اوباما رئيساً لأمريكا، والتصويت عليه بأغلبية أصوات الناخبين الأمريكيين، فلا بد أن نقف قليلاً على إستراتيجية حركة النضال السلمي للأمريكيين السود بزعامة القس مارتن لوثر كنج من أجل انتزاع حقوقهم المدنية وتحقيق مطلب المساواة مع الأمريكيين البيض، والتي فرضت نفسها عفوياً منذ عقود من الزمن ثم صارت ايديولوجية في حملة الحقوق المدنية، وهي تبني المسيحية السائدة حيث يعيشون وتبني قيمها، والتمسك بالدستور الأمريكي، وتبني إعلان حقوق الإنسان كقواعد مشتركة يجب الالتزام بها والتعاطي معها، وتقبل الإندماج في نسيج المجتمع الأمريكي والثقافة الأمريكية.ولهذا نجد أنه تم تمهيد المسرح السياسي للحزب الديمقراطي لخوض المعترك الانتخابي الرئاسي، وتهيئة الأجواء النفسية والشعبية للمجتمع الأمريكي الذي حمل لواء تغييره الحقيقي، الشباب الأمريكي الذي يصوت لأول مرة، مما جعل ترشيح باراك اوباما بأسم الحزب الديمقراطي وفوزه ممكناً وضرورياً. ما وقد برز هذا التغيير داخلياً للحياة السياسية كمحاولة تمهيدية- أولاً- وذلك بأن تم تنافس هيلاري كلنتون وباراك اوباما (الوجل الأسود) على منصب مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة، بل ويحول الرجل الأفريقي الرابح لأحد شقي المؤسسة في عملية التغير وتداول السلطة مع شقها الثاني . ويبدو الحزب الديمقراطي قد أقتنع بترشح أوباما لخوض الانتخابات التمهيدية أقتناعاً تاماً وإن ترشيحه لن يؤثر على فرص الحزب بل سيزيدها قوة واندفاعاً إلى الامام في سبيل تحقيق استراتيجية حزبه الديمقراطي الذي منحه ثقة كاملة في الوصول الى سدة الحكم والقيام بالتغيير المنتظر وهكذا نجد أن أوباما قد أستوعب اسرار اللعبة الديمقراطية الانتخابات الرئاسية الامريكية استيعاباً جيداً والعمل بها حتى النهاية وقرر قبول كافة مسلمات المؤسسة الامريكية من التحالف مع اللوبي الصهيوني مما يؤكد أن زيارته الخاصة إلى فلسطين المحتلة ومقابلته قادة دويلة اسرائيل والحكومة الاسترائيلية قبل أجراء الانتخابات النهائية للرئاسة الامريكية -جاءت لتؤكد لهم العهد والتعهد بالدعم وبضرورة الحفاظ على وجودها وبقائها الدائم وصون أمنها القومي والوقوف إلى جانبها قلباً وقالباً . ولعل سر نجاح باراك وفوزه في الانتخابات الأمريكية النهائية كما يعتقد أنه كان منهجياً ومثابراً ومقنعاً وتمكن من أعتماد خطاب خال من العقد النفيسة وعدم التذكير بأية مظالم أجتماعية قديمة طالت الأمريكان السود نتيجه لسياسة التمييز العنصري التي مورست ضدهم على مدى عقود من الزمن بل شدد كثيراً - بطريقة منهجية على أهمية الوحدة الضرورية للشعب الأمريكي بمختلف أعراقه كما أستطاع ببراعة أن يدير حملته الأنتخابية بطرقه لاتشوبها شائبة وتمسكه برسالة واضحة نحو التغيير القادم لأمريكا كانت نبرتها ملأئمة ومقنعة لدى المجتمع الأمريكي ومما يثير الأعجاب به وفرض محبته على الناس هو أنه أثبت قدرته على الأحتفاظ بهدوئه ورباطة جاشه وتبسمه دائماً عند تعرضه لأنتقادات لأذعة على مدار الحملة خلال ثلاث مناظرات مع المرشح الجمهوري المهزوم ( جون ماكين).ختاماً نقول، وأخيراً، وبعد جهد جهيد، دخل أوباما إلى البيت الأبيض، ليصبح أول رئيس أسود منتخب لأمريكا ، أغنى وأقوى وأعظم دولة في العالم، حاملاً مشعل التغييرات المرتقبة التي وعد بها الشعب الأمريكي، ومؤكداً- في الوقت نفسه- أن أمريكا ستظل موحدة، وسيظل المجتمع الأمريكي محافظاً ومتمسكاً بقيمه الديمقراطية لمختلف الأعراق.ولكن، يا ترى، هل يمكننا أن نتفاءل خيراً بمقدم السيد باراك أوباما الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الأمريكية، وبمساعيه الحميدة في تضميد الجراح التي سببتها سياسات إدارة بوش، في الدول النامية من العالم الثالث، وسعيه المرتقب إلى إحلال السلام الدائم، العادل، والشامل في منطقة الشرق الأوسط، وتسوية المشاكل الساخنة فيها. لجدية ومصداقية، وبخاصة في العراق الشقيق، والأرض الفلسطينية المحتلة، وإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بطريقة عقلانية ونزيهة، وتتويج جهود السلام الحقيقي بالاعتراف بإقامة دولة فلسطينية شرعية ذات سيادة وطنية، وعاصمتها القدس الشريف، ومحاولة بذل كل جهد ممكن لرفع الحصار الجائر عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.