سلال السيد محمد ما من أحد يعترض على السلام بمفهومه المتعارف عليه ، ولكن بناء السلام الحقيقي شيء مختلف تماماً عن رفع شعاراته البعيدة كل البعد عن مضمونه ، إذ أنه يمكن إخفاء الحقيقة بعض الوقت ولكن يستحيل إخفاؤها كل الوقت ، ولذلك يظل الحاجز النفسي - بمرور الأيام - قائماً كما كان . فإذا ما عدنا الى كتاب شمعون بيريز المعنون ( الشرق الاوسط الجديد) فإنه يرى أن السلام لا يتحقق إلاّ في ظل نظام أمني إقليمي يبنى على السياسة والاقتصاد فالتفوق الحقيقي لم يعد قائماً في معسكرات الجيوش ولكنه قائم في الحرم الجامعي وفي مزيد من التعاون السياسي والاقتصادي فلا حرب بعد اليوم لأن بناء السلام بين العرب وإسرائيل سوف يقضي على مصدر مهم للتوتر . ثم يستطرد قائلاً :" ولكن بالرغم من ذلك علينا أن نواصل تعلم الحرب لا تمهيد لإعلانها بل للحفاظ على السلام وصد العدوان ، لأن من يرغب في السلام عليه أن يستعد للحرب، ولذلك فلم يحن الوقت بعد لتقليل اسلحتنا وإعادة الجنود الى بيوتهم ، ويجب أن تتجه المنطقة الى التعاون والنمو الاقتصادي والسياحاً. ويختم شمعون بيريز تصوره للسلام بكلمات يفهم منها أن ما فات مات " فلايمكن إقامة شرق أوسط جديد على أساس سياسي فقط توضع فيه علامات حدود جديدة وفصل حدود قديمة لأن أسباب النزاع اقتصادية واجتماعية أكثر منها سياسية فارغة تتجاهل جذور الكرب والعوز ".نستنتج من ذلك أن نظريته تتلخص في أن " السلام مقابل السلام" فالسياسة والاقتصاد توأمان والسلام لن يسود في جو المجاعة والحرمان، وأن زمن هدير الطائرات والمدافع ينبغي أن يحط رحاله في استراحة المحارب العربي ويظل المحارب الاسرائيلي مدججاً بالاسلحة التقليدية وفوق التقليدية والنووية للمحافظة على السلام ولفتح الطريق للهيمنة الاسرائيلية عن طريق الغزو الثقافي والاقتصادي مع الاحتفاظ بالأرض في ظل ما ابتدعوه من نظرية الحدود الآمنة التي تعطى باليد اليمنى وتأخذ أكثر باليد اليسرى ، وهي الحدود التي تتجاوز الحدود السياسية للدول المجاورة والتي تجري فيها فرض قيود تمس السيادة.ولكن هذا التصور البراق لقيام مشروع شرق أوسط جديد من وجهة نظر شمعون بيريز - كما جاء في كتابه- يتجاهل الحقوق التاريخية للعرب في المنطقة تجاهلاً كاملاً وينطلق من الامر الواقع الذي فرض بالقوة كما أنه تصور يرمي إلى تحقيق الأمن المطلق لإسرائيل والأمن المطلق لدولة ما فيه عدوان كامل على أمن الدول الاخرى لأن الاستقرار الحقيقي يبنى على الأمن المتبادل . وليس هناك أخطر على السلام من وجود دولة قوية جداً إلى جانب دول ضعيفة جداً، لأن بناء السلام في ظل اختلال توازن القوى الاقليمي هو بمثابة الإعداد لحرب قادمة، وهذا ما حدا بإسرائيل الى شن عدوان وحشي على لبنان الصامدة مستخدمة كل آلياتها العسكرية الحديثة من طائرات وبوارج بحرية ومصفحات ومدافع برية بقصد تدمير لبنان تدميراً كاملاً سواء في بنيتها التحتية أو معالمها الاثرية والثقافية أو في منشآتها الاقتصادية والصناعية والسياحية دون أدنى اعتبار لحقوق هذه الدولة المسالمة المجاورة لها والتي لم تكن في سباق تسلح معها بل ولا تعرف هذا التسلح الحديث لقوات الجيش اللبناني والمفروض عليها ، حيث بررت الدولة الصهيونية هذه الحرب الشرسة على لبنان بغية معاقبتها على عدم الاستجابة لإرادتها في نزع سلاح حزب الله الذي اختطف جنديين لها ولم يقم بتسليمهما إليها بل وقف مدافعاً عن السيادة الوطنية للأراضي اللبنانية وكبد العدو الصهيوني خسائر فادحة في العتاد والجنود ، والحق به هزيمة نكراء لا يمكن أن ينساها مدى الحياة. وقد أعطت الادارة الامريكية الضوء الاخضر لإسرائيل المعتدية في مواصلة حربها العدوانية على لبنان وتعطيل قرار مجلس الأمن بعدم وقف إطلاق النار حتى تحين الظروف المواتية لميلاد مشروع الشرق الاوسط الجديد ، ترى أليس هذا هو نفس التصور الاسرائيلي الذي أشرنا إليه آنفاً من أجل قيام سلام آمن ودائم لإسرائيل ؟
هل مفهوم السلام " الإسرائيلي " هو ما حدث في لبنان من دمار وإبادة
أخبار متعلقة