د. زينب حزاملمدينة عدن دور ثقافي ريادي ، حيث أنشئت فيها عدد من دور الثقافة والفنون والمكتبات ، بعد قيام ثورة 26 سبتمبر و 14أكتوبر 1962م. وتحتضن المدينة العديد من المتاحف. وتتجمع أغلبها في المنطقة الجبلية " كريتر " وهي من أقدم المناطق التاريخية في محافظة عدن يقع فيها متحف عدن ومتحف العادات والتقاليد اليمنية ، وصهاريج عدن وقلعة صيرة والمتحف الحربي ، وعدد من المساجد القديمة والحديثة ، ومنطقة كريتر هي مشروع معماري كبير أنشئ على امتداد بحر صيرة ، هذا البحر الذي شهد معارك الصيادين اليمنيين مع قوات الاستعمار البريطاني سنة 1839م واستشهد في هذه المعركة العديد من الصيادين وانتهت المعركة بدخول الاستعمار البريطاني إلى عدن وتم الاستقلال في سنة 1967م ، ولبحر صيرة مزيج من روعة التاريخ وجمال الحضارة وروعة الطبيعة.وإذا كانت الحياة في المجتمعات الاقتصادية والبنايات الحديثة التي شيدت بعد قيام الوحدة اليمنية 1990م وقيام نهضة معمارية حديثة وأصبحت عدن تتميز بنوع من الصخب فإن الأحياء القديمة من منطقة كريتر ومنطقة المعلا ومنطقة التواهي والشيخ عثمان من مدينة عدن العاصمة الاقتصادية والتجارية تعرف هدوءاً متميزاً ، ذلك أن أزقتها الضيقة في منطقة كريتر ومنازلها ذات الطابع الحرفي التقليدي يضفيان عليها طابعاً معمارياً رائعاً ، هذا بالإضافة إلى مقاهيها الجميلة التي تبهرك بطابعها الشعبي.وفنجان الشاي اليمني المحوج بالهيل والحليب ، وانتشار ( المقايل لمضغ القات وتعاطي الشيشة ) مما يزيد المقاهي طابعاً يمنياً مميزاً.وفي شهر رمضان تزداد الحركة بين صلاة العصر حتى موعد صلاة المغرب للإفطار ، فشهر رمضان يختلف عن بقية الأشهر في منطقة عدن فتزداد الحركة ليلاً في الشوارع الرئيسية في منطقة كريتر سوق الطويل وسوق الحدادين وفي منطقة الشيخ عثمان تكون الحركة أضخم من غيرها من مناطق عدن ، خاصة في شارع مسجد النور ، حيث يلتقي السكان من مختلف محافظات الجمهورية اليمنية وتشد حركة البيع والشراء للأدوات الرمضانية والعيد وتسهر المدينة كلها حتى موعد السحور حيث تقل الحركة بعد ذلك فيها شيئاً فشيئاً.وفي مدينة عدن ولد الشاعر اليمني الكبير الراحل لطفي جعفر أمان والفنان الكبير الراحل أحمد قاسم اللذان شكلا ثنائياً فنياً وموسيقياً تفتخر بهما مدينة عدن ، وهناك العديد من الشعراء الذين ينظر إليهم سكان عدن بنوع من الفخر والاعتزاز أمثال الشاعر الأستاذ الراحل محمد سعيد جرادة والأديب الراحل عبد المجيد القاضي والأديب الراحل حسين با صديق والأديب الراحل عبدالله سالم با وزير والفنان الراحل محمد سعيد عبدالله والفنان الراحل محمد عبده زيدي وغيرهم من الذين لا تسعفنا الذاكرة لذكر أسمائهم في هذا الموضوع المتواضع. وهناك من فضل من سكان عدن تسمية الشوارع بأسمائهم فهم خيرة أبنائها.
صيرة
[c1]شمس رمضان في مدينة عدن[/c]إن شمس رمضان لها وجه خاص في مدينة عدن ، ففي شهر سبتمبر لهذا العام جاء شهر رمضان المبارك مقدماً ليلاً عن بقية الأشهر الماضية ، ففي هذا الشهر الكريم نجد الشمس تترفق بنا وهي تودع فصل الصيف.. وبعد صلاة العصر تبدأ الحركة تشتد ، ويستعد الناس إلى تقديم أشهى الأطباق الرمضانية مثل تجهيز ( السنبوسة والباجية والمطبق.. وأطباق حلوة شهية مثل اللبنية والجيلي ، والخبز مع السمك والأرز مع اللحم وغيرها من الوجبات الرمضانية المشهورة في مدينة عدن.. وأهل مدينة عدن تتميز حياتهم بالبساطة وتمتلئ قلوبهم بالإيمان بالله ورسله وهم لا يبحثون عن زخرف الحياة الفانية ولا يهتمون بها.. إنهم يعيشون على طبيعتهم بلا قناع ولا زيف ولا رياء.وتكون أعظم الاحتفالات بالليالي العشر الأواخر من رمضان في ليلة السابع والعشرين منه – وهي ليلة القدر - فتكثر الأضواء والأنوار حتى في الشوارع الشعبية وتظل حركة الناس حتى طلوع شمس اليوم التالي ، ويظل الأطفال يلعبون بالفوانيس والمصابيح ويرفعون أصواتهم عالياً بالغناء ( مرحب مرحب يا رمضان.. شهر السعادة وشهر الصيام ). وفي المسجد يتلون سورة القدر والدعاء في هذه الليلة المباركة التي يكثر فيها ( التذكير والتحذير والتبشير ) إلى أن تنتهي ليالي هذا الشهر الكريم بسلام.
[c1]الثقافة والفنون في شهر رمضان المبارك [/c]وفي هذا الشهر الكريم ، ينظم اتحاد الكتاب والأدباء العديد من الأمسيات الشعرية والقصصية والندوات الثقافية ، إضافة إلى إقامة الحفلات الغنائية والتمثيلية في أيام عيد الفطر المبارك وقيام المعارض للفن التشكيلي وغيرها من المسابقات الفكرية والإبداعية.. وفي منطقة كريتر نجد العديد من المواقع الأثرية تبين آثار الحضارة الإسلامية في مدينة عدن القديمة..حيث نجد الشوارع الضيقة التي تنتشر المساجد جوانبها بمآذنها الشامخة.. جوامع كبيرة ومساجد صغيرة.. كل مسجد وكل جامع يحكي لنا قصة من بعيد أو من قريب.. بعضها أو أكثرها مازال يحتفظ ببهائه ورونقه كما لو كان قد شيد بالأمس القريب.. أو كما كان الزمن قد توقف ، فبقيت كما كانت عليه.. ومن هذه المساجد مسجد العيدروس وغيره من المساجد والجوامع المنتشرة في مدينة كريتر.وفي شهر رمضان تكثر الصدقات ويتم توزيعها على الفقراء والمساكين في حرم المساجد لما فيها من قدسية وحرمة.. ويتم توزيع الفطور على الصائمين بعد أذان صلاة المغرب.. ويتم توزيع الملابس الجديدة والصدقات المالية معظمها في ليلة القدر في رمضان.. وأهم ما يميز منطقة كريتر هي أنها من أقدم وأروع المناطق العدنية حيث أنها تتميز بطابعها الإسلامي والآثار الإسلامية الموجودة فيها من متاحف ومبانٍ.. وسكان مدينة كريتر معظمهم من أبناء عدن ، إضافة إلى المهاجرين الهنود الذين مازالوا يحتفظون بتقاليدهم الهندية وعاداتهم التي جاءوا بها عند دخولهم مع الاستعمار الانجليزي لعدن.. فبين هذه العادات والتقاليد اليمنية والأجنبية ، نستطيع أن نتبين العادات والتقاليد الإسلامية ، ويستطيع المرء أن يلمس روحاً خاصة لا يشاركها فيها أي مكان آخر.. ربما جاءت من عراقة التاريخ الذي عاشته هذه البقعة من الأرض وربما كانت من نبضات قلبها الكبير الذي يخفق بالحب لكل الناس ولكل عمل طيب يمت إلى الله بصلة.. وفي هذا المكان الذي تعلو فيه المآذن والقباب لا يفقد الإنسان.. أي إنسان طريقه إلى الله أبداً.وراء هذه المآذن الشامخة التي تزين مدينة كريتر عهود حافلة بالانتصارات والإنجازات ، وهي أيضاً لم تسلم من الهزائم والانتكاسات.. ولكنها كانت تخرج كل مرة من نصر إلى آخر مرفوعة الرأس شامخة شموخ مآذنها التي تقف شاهداً على الحضارة والمجد اليمني الذي عرف طريقها حتى في فترة ما قبل التاريخ الإنساني.