مع الاحداث
السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط هي أشبه بمسلسل مكسيكي لم تنته حلقاته بعد. وذلك منذ ان بدأت الثورة الإيرانية عام 1979م وبعد فترة من احتجاز الرهائن الأمريكيين في سفارة بلادهم بالعاصمة طهران..حين فكَّر الأمريكيون في دخول حرب مع ايران حيث كانت هناك العديد من خيارات الانتقام ضد الجمهورية الإسلامية التي رفعت شعار العداء للولايات المتحدة الأمريكية. غير ان المرحلة بكل ظروفها المعقدة لم تكن مناسبة لشن حملة عسكرية لتصفية الحساب وكبح النظام الجديد في إيران. وذلك لأسباب منها وجود قوى عظمى حليفة لإيران والمتمثلة في منظومة الاتحاد السوفييتي السابق. وعدم وجود أرض يمكن ان تنطلق منها القوات الأمريكية في المنطقة خاصة ان دول الجوار لإيران لن تسمح بعمل من هذا النوع ضد دولة ليست في حرب مع دولة من دول المنطقة وكان لا يزال سلوك نظامها الجديد في عهد الخميني يخضع للتقييم من قبل جيرانه.ثم أن عملية قمع النظام الإيراني الجديد آنذاك ستثير غضب الشارع العربي والإسلامي على حد سواء. وسيؤدي ربما الى حرب عالمية ثالثة مع وجود توازن في القوة المنافسة حيث يقع الاتحاد السوفييتي على مقربة من إيران التي كان يعتبرها خطاً احمر لا يمكن تجاوزه من قبل الأمريكيين الذين يدركون ذلك جيدا ضمن الخارطة الساسية في تقسيم العالم بين القطبين. هكذا كانت امريكا تنظر الى ابعاد الظروف وتعقيداتها.. ومن ثم كان على واشنطن البحث عن البديل الذي يمكن ان يحارب ايران بالنيابة ولم يكن امام المخابرات الأمريكية افضل ممن لقَّبه المنافقون من شعراء المربد “بسيف العرب” حيث بدأت عملية اقناعه بخطر تصدير الثورة الإيرانية وازالة نظامه تمهيدا لإقامة حكومة شيعية في بغداد.صدام حسين الذي قبل العرض الأمريكي بالدعم السياسي والعسكري تحت هاجس الخوف على نظامه من ناحية ونشوة البطولة التي كرستها الرغبة الأمريكية في شخصيته حصل يومها على إقامة منظومة اتصالات بديلة للجيش العراقي وكان اول بوادر الدعم اللوجستي من المخابرات الأمريكية ولسنا هنا بحاجة الى الحديث عن بداية ونهاية الحرب الخاسرة وضحاياها وأسراها ومخلفاتها فالكل يعرف قصة 8 سنوات من الدمار الذي دفع ثمنه الشعبان العراقي والإيراني. غير ان السيناريو الأمريكي لم يتوقف اثناء تلك الحرب عند دعم صدام حسين.. ولكنه عمل على الترويج لهاجس الخوف لدى دول الجوار للعراق وضرورة دعمها لنظام صدام لضمان القضاء على الخطر الإيراني ضد هذه الدول.إلا أن محاولة القضاء على النظام الإيراني قد فشلت بعد استنفاد كل القدرات العراقية من ناحية وإعادة النظر في الأزمة وترجيح مبدأ الحل السياسي لدى دول الجوار من الناحية الأخرى. قد عكست خيبة أمل لدى الأمريكيين فكان عليهم تغيير الخارطة وتوجيه “بوصلة” صدام الى الكويت التي ستكون المكان غير القابل للنقاش في تواجد القوات الأمريكية في المنطقة. عندها كانت بداية النهاية لنظام صدام حسين وفتح جديد لأمريكا للوصول الى المياه الدافئة بكل اساطيلها وتقنيتها العسكرية. حيث لم يتوقف الأمر عند تحرير الكويت الذي صفقنا له جميعا بدون تردد.. ولكن قوات التحرير تحولت الى احتلال العراق الذي كانت تدعمه ضد إيران خاصة بعد ان ضمنت تفكك الاتحاد السوفييتي السابق اثناء فترة ما بعد تحرير الكويت. وهو المشروع الذي لعبت فيه الادارة الامريكية دوراً فاعلاً في عهد الرئيس السابق للاتحاد السوفييتي ميخائيل جوربا تشوف حيث وعدت الجمهوريات المستقلة “بالمن والسلوى” طمعاً في الانفراد بالعالم في غياب القوة الدولية الثانية.ثم ذهبت الوعود أدراج الرياح.. وهو ما جعل بعض الجمهوريات المستقلة مصادر لسوق الأسلحة النووية بكل تقنياتها وخبرائها الذين غادروا مواقعهم في منظومة الجيش الموحد قبل الانفصال. واليوم وبعد استعراض للسيناريو الأمريكي في مراحله “المبرمجة”. يتضح المشهد حتى الآن في النتائج المكشوفة والتي جاءت كالتالي: اولاً: لم تكن “النجدة” الامريكية من أجل تحرير الكويت بقدر ما كانت من أجل التواجد الدائم في المنطقة. ثانياً: لم يكن احتلال العراق من اجل اسقاط نظام صدام حسين وتدمير الأسلحة النووية بقدر ما كان من أجل الاحتلال وإنشاء قواعد عسكرية دائمة.ثالثاً: لم يكن الهدف حماية العراق من ما كان يسميه الامريكيون “المد الشيعي” الإيراني وهو الهاجس الذي سوقوه عند صدام حسين ووزعوه على بقية دول الجوار بقدر ما دعموه ومكنوه من حكم العراق بعد الاحتلال. وكان سيكون الأمر مقبولاً لدى أبناء الشعب الواحد لولا ان اعلن بوش بعد دخول قواته إلى بغداد انه لن يكون هناك حكومة سنية.. وكان ذلك التصريح اعلاناً بإشعال الفتنة الطائفية وحرب المذاهب. في محاولة لخلط الاوراق من أجل البقاء في العراق. لكن كيف يبدو السيناريو الأمريكي في مرحلته القادمة ضد إيران؟ سؤال يبدو ان الرئيس الامريكي جورج بوش قد وجد الاجابة عليه من قبل الدول العربية التي زارها مؤخراً وخاصة دول الخليج. حيث لم تفلح تصريحاته النارية التي اطلقها من اسرائيل ضد إيران في حشد أي دعم لمغامرة أمريكية جديدة في المنطقة.وقد فوجئ بوش بعقول سياسية ناضجة صنعتها التجارب والأحداث. فهذه الدول في المنظومة الخليجية بالذات ترفض ان ترى ايران محتلاً وترفض إدخال المنطقة في دوامة حرب تلقي بظلالها على الجميع.. وتخلق واقعاً مؤلماً يضاف إلى الحالة العراقية.. وقد تمسكت دول الخليج بضرورة نزع السلاح من المنطقة بما في ذلك اسرائيل. إذا كان الهدف من حرب إيران من أجل منع الامتلاك النووي. هذه الإجابة التي خرج بها بوش جعلته يعود إلى واشنطن برؤية مختلفة أوقفته عن حملة التهديدات السابقة.فهل يعيد الرئيس الأمريكي النظر في استراتيجية مواجهة إيران وترجيح “الدبلوماسية” أم انه سيمضي في خيار الحرب عن طريق إسرائيل كما قال في الشهر الماضي ثم يقوم بادخال القوات الامريكية للدعم والمساندة انطلاقاً من التعهد الامريكي بحماية إسرائيل أم انه سيترك الأمر للرئيس القادم؟ اسئلة ستجيب عليها الأشهر القليلة القادمة لما تبقى من ولاية بوش. [c1]* عن / جريدة “البلاد” السعودية[/c]