استطلاع :فاطمة رشاد ناشرفي عام 1985م صدرت الطبعة الأولى العربية لكتاب الباحث كمال الصليبي (التوراة جاءت من جزيرة العرب) ومنذ ظهر هذا البحث التاريخي المغاير لقراءة النص التوراتي (العهد القديم) طرحت الكثير من الدراسات والبحوث في عدة دول من العالم، ما بين قبول ورفض، أما رؤية الباحث كمال الصليبي في كتابه هذا، بان النص التوراتي موطنه الأصلي في جزيرة العرب، منطلقاً من العلاقة بين المفردة الدينية والموقع الجغرافي.يقول كمال الصليبي في مقدمة الطبعة العربية : (هذا الكتاب بحث في جغرافيا التوراة على أسس جديدة).وخلاصته أن البيئة التاريخية للتوراة لم تكن في فلسطين بل في غرب شبه الجزيرة العربية بمحاذاة البحر الأحمر، وتحديداً في بلاد السراة بين الطائف ومشارف اليمن. وبالتالي، فإن بني إسرائيل من شعوب العرب البائدة، أي من شعوب الجاهلية الأولى. وقد نشأت الديانة اليهودية بين ظهرانيهم، ثم انتشرت من موطنها الأصلي، ومنذ وقت مبكر، إلى العراق والشام ومصر وغيرها من بلاد العالم القديم.وقد اعتمدت في هذا الكتاب استعمال لفظة (التوراة) تبسيطاً للدلالة على كامل ما يسميه المسيحيون (العهد القديم) من الكتاب المقدس. و (العهد القديم) هذا يشمل ثلاث مجموعات من الأسفار التي يعترف اليهود، وهي (التوراة) و (الأنبياء) و (الكتب) (وبالعبرية سفر توره نبيء يم وكتوبيم).أما العهد الجديد الذي يعترف به المسيحيون وحدهم فيشمل الأناجيل الأربعة المقدسة، وسفر أعمال الرسل والرسائل (وهي التوجيهات التي وجهها الرسل، أي الحواريون، إلى أتباعهم في مختلف الأقطار).والجدير بالملاحظة أن لفظة التوراة لا تطلق عرفاً إلا على الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم المنسوبة لموسى، وهي سفر التكوين وسفر الخروج، وسفر اللاويين، وسفر العدد، وسفر التثنية).قسمت أسفار العهد القديم إلى : 1 - الأسفار التاريخية 2- الأسفار الشعرية 3- أسفار الأنبياء.يعود زمن تدوين سفر التكوين إلى الفترة الزمنية حسب التاريخ العبري ما بين 1220 - 1420 قبل الميلاد.الموقع الجغرافي في هذا التاريخ هو مصر، ولكن ما هي الأصول التاريخية لهذا الاسم؟يوضح الباحث أحمد الدبش بأن ثلاثة من ثقاة الباحثين العرب في ميدان الدراسات التوراتية، (بأن المقصود بمصر التوراتية هي غير مصر - وادي النيل، وأما مصر التوراتية ما هي إلا إقليم في جزيرة العرب).ويذهب كمال الصليبي إلى أن ما جاء في التوراة باسم مصرايم هو : آل مصرمة بين أبها وخميس مشيط، وقرية مصر في وادي بيشه في إقليم عسير، أما رؤية الدكتور زياد متى فيعرف مصرايم في هذا التقسيم الأثني يقصد بها مصر في جزيرة العرب، أما الباحث فرج الله صالح ديب، يعرف بأن مصر التوراتية هي منطقة السحول اليمنية المعروفة بسرة اليمن أو مصر اليمن.يقول الباحث فرج الله صالح ديب -1 ليس كمال الصليبي أول من طرح فكرة البحث عن جغرافية التوراة في غرب شبه الجزيرة العربية، وإن كان أول من قام بالبحث والتحقيق في الاتجاه المذكور. فعي 1924م طرحها المستشرق مرجليوت الذي سبق وأعلن الشك بحصر نسب الشعر الجاهلي المعروف، حيث قال : (علينا أن نبحث عن وطن القبائل العبرية وديانتها في شمال غرب الجزيرة العربية، وهي منطقة كانت مركزاً من مراكز الثقافة العربية القديمة) كما أعلن ول ديوارنت في قصة الحضارة (أن أساطير الجزيرة العربية كانت المعين العزيز الذي أخذت منه قصص الخلق والغواية والطوفان التي يرجع عهدها في تلك البلاد إلى ثلاثة آلاف سنة ق. م).2 - إن المؤرخين العرب، وإن كان بعضهم استند إلى ابن اسحق اليهودي الذي كان من أوائل النساب، أشاروا إلى أن مسرح أحداث أنبياء التوراة وأصولهم هو في الجزيرة، وحددوا أسماء فرعون وموسى ويوسف. ولكن أمام الإجماع العام على ربط مسرح التوراة بفلسطين كانت تعتبر هذه الإشارات عند المؤرخين من باب التخريف، أو أنهم لم يقرأوا.3 - إن معرفة ما يسمى بالتراث العالم في النتاج الفكري العربي، قد جاء حديثاً مع الاستشراق، حيث أعدنا استيراد مؤلفات - أو أمهات الكتب - كما يحلو للأكاديميين أن يسموها - عبر الاستشراق أمثال الطبري - المقدسي - أبن خلدون والشعراء.. الخ. وبالتالي فأمام الإجماع الغربي على ربط التوراة بجغرافية فلسطين الذي اشتد مع الحملة الصهيونية، ظلت الأبحاث العربية تنطلق من المصادر الغربية تلك، وإن كان الباحثون العرب في التوراة، قد اهتموا بتبيان زيف وتزييف التوراة استناداً إلى غياب أسماء الأمكنة وتناقضها، أكثر من اهتمامهم بهذا المنحنى - جغرافية التوراة.4 - إن حداثة الفكر التاريخي العربي الحديث، وحداثة التعرف على التراث الفكري، ليسا عاملين مساعدين في هكذا أبحاث. كما أن قصور الأبحاث في الثقافة الشعبية، وقصور الأبحاث اللغوية وتسييج اللغة من قبل (الاكليروس) وقصور البحث في اللهجات العربية أمام تقديس الفصحى، كل ذلك من العوامل المعرقلة التي تجعل بحث كمال الصليبي بمستوى الاكتشاف، إضافة إلى أن لهجات الجزيرة اليوم التي تنطق بها أسماء الأمكنة قد تكون خضعت للتحوير لتسهل المقارنة.)يقسم الدكتور إسرائيل ولفنسون تاريخ اليهود في بلاد العرب إلى طوين أساسيين، الطور الأول يشمل أحداث لبطون إسرائيلية بائدة في بلاد العرب، والطور الثاني يقدم أخباراً لعشائر من اليهود كانت في جزيرة العرب.يقف الطور الأول عند نهاية القرن الخامس قبل الميلاد، والثاني ينتهي بإجلاء الخليفة عمر بن الخطاب لآخر طوائف اليهود من الجزيرة العربية. وهذا الكلام يوضح البعد التاريخي لوجود اليهود في بلاد العرب، وأن أسماء المواقع في الأسفار التوراتية تقع جغرافياً في جزيرة العرب، وتطرح الجغرافيا التساؤل والرد حول جانب من أهم الجوانب في النص ما بين جزيرة سيناء أو الحدود الغربية لشبه الجزيرة العربية، ويقول الباحث أحمد الدبش :( من هو يهوه؟) إنه سؤال يجب التوقف عنده، ذلك أن الجواب الصحيح عليه سيكشف أموراً كثيرة هامة جداً عن أصل قوم التوراة، وعلاقتهم بمصر - وادي النيل.يذهب السيد فرويد في كتابه (موسى والتوحيد) إلى أن يهوه، بلا أدني شك كان إلهاً بركانياً، وبالتالي لا يمكن أن يكون من الآلهة التي عبدها المصريون، وقد كتب يقول : وكان يهوه، بلا أي مجال للتساؤل، إلهاً من آلهة البراكين، ومصر، كما هو معروف لا براكين فيها، كما أن جبال شبه جزيرة سيناء، لم تكن في أي عصر من العصور جبالاً بركانية، ومن جانب آخر، هنالك براكين على الحدود الغربية لشبه الجزيرة العربية، قد تكون ظلت نشطة إلى وقت قريب نسبياً، وعلى ذلك، لابد أن جبلاً من تلك الجبال كان جبل حوريب الذي اعتبر موطناً ليهوه، والمشاهد أنه، بالرغم من كل عمليات المراجعة والتحرير المتتابعة التي أخضعت لها الحكاية التوراتية، ظلت الصورة الأصلية لشخصية يهوه كما هي، لم يلاحقها تغيير، وهي صورة يمكن، طبقاً لما يقوله إدوارد ماير، إجمالها في أن يهوه كان إلهاً غربياً بحق، كان شيطاناً متعطشاً للدماء يعس بالليل ويتجنب ضوء النهار.ومن الأمور الجديرة بالملاحظة أن العهد القديم يحوى إشارات كثيرة مباشرة تربط يهوه بالنار، بما يدعم جذور هذه الديانة، وفق مفاهيم الكهنة.فسفر التكوين (19 : 24) على سبيل المثال، يقول إن عقاب يهوه لسكان عمورة وسدوم كان إمطارهم بكبريت وهو نار موت من السماء، كما يؤكد سفر التثنية (9:3) هذه الطبيعة بالقول فأعلم اليوم أن يهوه إلهك هو العابر أمامك نار أكله وتتجدد معرفتنا بطبيعته عبر سفر الخروج (19 : 18) الذي يصرح بأن جبل سيني كان كله يدخن من أجل أن يهوه نزل عليه بالنار، كما نقرأ أن يهوه نار أكله، وهذا ما يشرح أن انتقامه وعقابه كان.. نار.. وأكلت المائتين وخمسين ر جلاً الذين قربوا البخور، ولذا فإن المزمور (18 : 8) يترنم باله التوراة يهوه قائلاً : صعد دخان من أنفه ونار من فمه أكلت، كما تحوى التوراة مقولات أخرى في هذا الشأن، لكننا نعتقد أننا قدمنا اقتباسات كافية تشرح طبيعة إله التوراة وفق المفهوم الكهنوتي، وهنا نسجل قناعتنا بأن إله التوراة يهوه، وفق رواية الكهنة، بالطبع، هو نار اليمن التي كثيراً ما أشار إليها الإخباريون العرب).من الأسماء التي يرد ذكرها في النص التوراتي، أسم تهامة، وحول هذا الجانب يشير كمال الصليبي إلى أن المشهد الجغرافي في التوراة من سفر التكوين إلى سفر ملاخي، يرسم مشهد شبه الجزيرة العربية الخاص بالتوراة العبرية، وأرض يهوذا التوراتية ضمت البلاد الهضبية الوعرة في جانب البحر من مجال عسير المنتهي بالصحراء الساحلية المعروفة باسم تهامة،لقد ذكر اسم تهامة في التوراة أكثر من 30 مرة، وهي تهوم، حول الكلمة والمعنى والصلة بين المفردة والموقع يقول كمال الصليبي: ( من الناحية البنيوية، ليس اسم تهامة (تهم بلا تصويت) اسماً عربياً. لكنه مشتق من جذر عربي هو هيم (المصوت هام) بمعنى (عطش). ومنه (الهيام) هو (أشد العطش). وأحد الاشتقاقات العربية من هذا الجذر هو المصدر هيام (بفتح الهاء) الذي يشير إلى (ما لا يتمالك من الرمل). وهناك (الهيماء) وهي الفلاة بلا ماء. وتربة تهامة الساحلية، التي تمتد على طول غرب شبه الجزيرة العربية بأسره، هي المثل الساطع على معنى الهيام والهيماء. وسواء في الحجاز وفي عسير واليمن، نجد أن مياه الأمطار التي تنحدر من المرتفعات باتجاه الساحل عبر عدد لا يحصى من جداول الوديان الموسمية أو الدائمة، تتلاشى في هذه التربة الساحلية الراشحة قبل الوصول إلى البحر، مخلفة وراءها آثارها على شكل مثلثات جافة تنتهي عند حد الشاطئ).العبرانيون وأرض عسير، رؤية أخرى للباحث حول صلة النص التوراتية والديانة اليهودية بجزيرة العرب، حيث يظهر في الإصحاح 10 من سفر التكوين أن العبرانيين عرفوا في زمانهم باسم بني عابر (بني عبر) والتفسير الذي جاء في العهد القديم، أن عابر (عبر) جد الشعوب العبرانية، وهو من سلالة سام بن نوح، وكان لسام هذا 5 أبناء، أحدهم آرام (ءرم) جد الآراميين. ومن الأربعة الآخرين، ارفكشاد، ويعد جد عابر الذي انحدر منه العبرانيون.وذكرت المصادر القديمة أنه كان لعابر ابنان هما فالج (فلج) ويقطان (يقطن) ومن الأخير تنحدر قبائل اليمن ومنها شبا (شبء، أي سبأ) وحضرموت (حصرموت) ومن الواضح أن تلك القبائل كانت تعد عبرانية، أي من بني عابر.وكان ابن عابر الأول فالج ومن سلالته أبراهم العبراني (ءبرم هـ - عبري) الذي أصبح اسمه بعد ذلك إبراهيم (ء برهم) ولم يكن إبراهيم جد بني إسرائيل وحدهم. فمن سلالته كما جاء في سفر التكوين الشعوب التي انحدرت من ابنه إسماعيل، وتلك التي تحدرت من زوجته الثالثة قطورة.وكان لابنه اسحق ولدان توأمان هما عيسو ويعقوب ويقول سفر التكوين إن عيسو أصبح اسمه بعد ذلك آدوم (ءدم) وهو جد الأدوميين ويعقوب الذي عرف بعد ذلك باسم إسرائيل، ومن أبنائه الاثني عشر جاءت قبائل أو (أسباط) بني اسرائيل، لذلك لم يكن قوم إسرائيل وحدهم من أصول عبرية، بل أن من بني عابر توجد شعوباً أخرى ومنها اليقطانية واسم يقطن يعرف باسم بلدة القطن في حضرموت.وهناك في مرتفعات عسير قرية تسمى آل الغبران (ءل غبرن) واسم المكان وهو يوجد في منطقة ظهران الجنوب، هو ذاته اسم (إله العبرانيين) مع لفظ العين باللغة العبرية بالغين، ويوضح الباحث، أن هذا الإله كان إله (الغبر) أو أهل (الغبر) أي الغابات والأحراش.يذكر الباحث عدة أسماء جاءت في النص التوراتي هي مواقع في جزيرة العرب ونقدم بعضاً منها وهي من الآثار الاسمية لأسباط بني إسرائيل من أبناء يعقوب في مختلف أنحاء عسير وجنوب الحجاز :رأوبين - رءوبن : يبدو أن أراضي رأوبين كانت في جنوب الحجاز، من بلاد زهران شمالاً. وهنالك قرية تسمى الربيان (ربين) في سراة زهران، وأخرى اسمها ربوان (ربون) في وادي أضم، وثالثة تسمى رابن (ربن) في تهامة الحجاز بجوار بلدة رابغ.وهناك أيضاً الروابين (روبن) من أسماء القبائل المشهودة إلى اليوم في شمال الحجاز.شمعون : يبدو أن الوطن الرئيسي لقبيلة (شمعون) كان في الجزء الجنوبي من منطقة جيزان، عند حدود اليمن، حيث هنالك قرية تسمى الشعنون (ولعله تحريف للاسم)، اثنتان تسميان الشماع (شمع، من دون لاحقة المبالغة أو أداة التعريف القديمة في شمعون).وهناك أيضاً شمع (شمع) في منطقة القنفدة، وآل شمعة (ءل شمع) قرب الطائف.والسماعنة أو السماعين (سمعن) من القبائل العربية بالشام، وربما كانت نسبتهم في الأصل إلى قرية السمعانية (سمعن) باليمن.بنيامين (بتيمين، أو بن يمين، التي يظهر أنها تعني ابن الجنوب) : أن كون يمين هذه (مثل يمن) تعني جنوب هو أمر أكيد. واسم بن يمين التوراتي مطابق تماماً لاسم ابن يا من الذي أطلق على أهل اليمن في الشعر الجاهلي.والقرى التي تحمل أسماء مشتقة من يمن (مثل اليماني وآل يماني) كثيرة في الأجزاء الجنوبية من عسير. واستناداً إلى سفر التكوين 18 : 35، فإن (بنيامين) كان قد سمي (بن أوني) (بن ءوني) قبل تغيير اسمه إلى بنيامين ويبدو أن ءوني أو ءونيه بالعبرية التوراتية كانت تعني (القافلة).(قارن بالعربية (الآنية)، وهي (الخرج على ظهر الدابة). ولعل قبيلة (بنيامين) أي (ابن يامن) أو (ابن الجنوب) كانت تسمى في الأصل (بن أوني) أي (ابن الآنية) بسبب علاقتها بقوافل التجارة، لأن عسير الجغرافية في القدم كانت تعتمد في تجاربها إلى حد كبير على القوافل القادمة إليها من اليمن.ما زالت هذه الدراسات منذ ظهورها، تطرح عدة حقائق حول علاقة الجزيرة العربية بالنص التوارثي والديانة اليهودية، والقبائل اليهودية التي عاشت فيها.أن ما تطرح علينا هذه الأفكار والمعلومات تسعى لبرهنة بأن الحدث الديني للعهد القديم هو جزيرة العرب، لأن مواقع الأحداث مازالت متواجدة بالرغم من التغير في نطق الكلمات بفعل تقادم الزمن وتأخر عصر التدوين لهذه النصوص.[c1]المراجع[/c] 1 - التوراة جاءت من جزيرة العربتأليف: كمال الصليبيترجمة: عفيف الرزاز - الطبعة العربي الأولى 1985م مؤسسة الأبحاث العربية - بيروت.2 - حول أطروحات كمال الصليبيتأليف: فرج الله صالح ديبالطبعة الأولى 1989م دار الحداثة بيروت3 - موسى وفرعون في جزيرة العرب تأليف: أحمد الدبشالناشر: دار خطوات الطبعة الأولى 2004م. 4 - تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام.تأليف الدكتور إسرائيل ولفنسونالناشر: مكتبة النافذة - مصر 2005م.
|
ثقافة
الديانة اليهودية وجزيرة العرب
أخبار متعلقة