بعد أن اظهر الرجال عجزهم عن السير بسفينة البلدين نحو شواطئ السلام
موسكو / فالح الحمرانيتمردت نساء الثورات الملونة على حلفائهن وطرحن أنفسهن بقوة كبدائل لها. في جورجيا انتفضت نينو بوردجانادزة على رفيق طريقها على طريق “ثورة الزهور” ميخائيل ساكشفيلي وفي أوكرانيا يوليا تيموشينكو الملقبة بأميرة “الثورة البرتقالية” على الرئيس فيكتور يوشينكو. وليس من المبالغة القول إن بوردجانادزة وتيموشينكو صاحبتا الإرادة الحديدية هما من قادتا الرجلين إلى سدة الحكم وعززا مواقعهما اللذين كانا بأمس الحاجة إليه. ولم يخطئ المرحوم نابليون حينما اعترف” إن وراء كل رجل عظيم امرأة”، وأضيف لتكن غير زوجته. لقد تمتعت هذه النساء بقابليات ذهنية ومؤهلات علمية وخلفية اجتماعية ليقفن وراء الرجال في اللحظات العصيبة. وعلى الرغم من جاذبيتهما فإننا لا نلمس في عيونهما وخط شفتيهما بل وفي ابتسامتيهما النادرة الغنج النسائي، بل الشدة والتصميم على تحقيق الهدف، والتأمل بعيد المدى. طرق هؤلاء النسوة وأصولهن مختلفة، ولكن ما يجمعهن أنهن من الجيل السياسي الجديد الذي برز بعد انطلاقة عملية إعادة البناء (البريتسرويكا) التي انتهت بانهيار الاتحاد السوفياتي، واشتد ساعد هذا الجيل الجديد من الساسة المتطلعين للغرب. وانتعشت لديهن الطموحات غير المحدودة والتعطش المحموم لمنافسة الرجال، ووقوفهن إلى صف القوى الليبرالية لتحرير المجتمعات السوفياتية من ارث النظام الشمولي الثقيل. كلاهما تنظران أيضا إلى أن يمر طريق التطوير في جورجيا وفي اوكرنيا عبر الانتماء للبُنى الأوروبية: الناتو والاتحاد الأوروبي. كلاهن يرتبط بعلاقات دافئة بالدوائر الأميركية، مما يجعلهن قريبات من سدة الحكم في وقت أنهك التعب الرجال عن تحقيق تطلعات الشعوب ببحبوحة العيش والحياة الكريمة وإشاعة الديمقراطية. [c1] تاتشر جورجية[/c]وتمثل نينو بوردجانادزة (44 عامًا) التي شبهت “بالليدي الحديدية” رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر، اليوم التحدي السياسي الأخطر لحليفها السابق الرئيس الجورجي الحالي ميخائيل ساكاشفيلي، خاصة بعد الهزيمة التي مني بها في حرب الأيام الخمسة في القوقاز في أغسطس الماضي باوسيتيا الجنوبية. وقالت عنها التايمز البريطانية “ إنها تصفف شعرها مثل مارجريت تاتشر. وتقول نينو إن تاتشر “ الليدي الحديدية” البريطانية هي احد معبوديها السياسيين. وتتحدى في الوقت الحالي الرمز النسائي لـ “ثورة الزهور” حليفها السابق ميخائيل ساكاشفيلي. وكانت بوردجنادزة قد استقالت من رئاسة البرلمان احتجاجا على سياسات ساكاشفيلي وانفراده بالسلطة وتخاصمه مع حلفائه السابقين، وانتقلت إلى المعارضة، وأعلنت أن الرئيس ساكاشفيلي انحرف عن مبادئ ثورة الزهور. وتريد الالتزام هي حتى النهايـة بمُثل “ ثورة الزهور”.وبدأت بوردجانادزه حملتها نحو كرسي الرئاسة بتوجيهها عبر وسائل الإعلام 40 سـؤالاً للقيادة الجورجية عن أسباب ونتائج أحداث أغسطس اوسيتيا الجنوبيـة. وقالت” إن هذه أسئلة معقولة وموضعية، وهي ما أود أن اسمع وشعب جورجيا عليها ردود مناسبة. ولنفهم تماما ما حدث حينها. وللأسف فان بلادنا اصطدمت بمشاكل جدية بعد تلك الأحداث”.ونيونو بوردجانادزة من اب حزبي أصبح رجل أعمال كبير بجورجيا ومقربًا من الرئيس السابقة شيفاردنازه وبعد أن أنهت دراستها بمجال العلاقات الدولية بجامعة موسكو، عادت إلى تبليسي لتنخرط بالعمل السياسي وتنُتخب نائبة بالبرلمان وتنتقل بين مناصب رفيعة حتى تصبح رئيسة له. وأسست عام 2003 حزب بوردجانادزه ـ الديمقراطي ومن ثم غدت احد قادة “ثورة الزهور” إلى جانب ميخائيل ساكشفيلي وزراب جفاني، التي أطاحت بالتالي بالرئيس شيفاردنازة. ودعمت في الانتخابات البرلمانية عام 2004 ساكشفيلي. وشغلت بوردجانادزة مرتين بحكم وظيفتها منصب رئاسة جورجيا. ولم تشارك في الانتخابات البرلمانية في مايو 2008 واستقالت من منصب رئاسة البرلمان.وتشير مختلف استطلاعات الرأي العام إلى أن بوردجانادزة باتت أقوى المنافسات على منصب الرئاسة بل وذهب بعضهم إلى أن واشنطن باتت تبحث عن بديل لساكاشفيلي ليكون عمادها في القوقاز وتراهن على بوردجانادزة. [c1] امرأة من الشعب[/c]بينما جاءت يوليا تيموشينكو من اقليم دنيبروبتروفسك الاوكرايني حاصلة على شهادة في العلوم الاقتصادية. وبعد شغلها العديد من المناصب انخرطت في العمل السياسي عام 1997 لتصبح بالسنة التالية عضوة في البرلمان. وحملت تيموشينكو التي لقبت “ بأميرة الغاز”، لترأسها شركة في هذا المجال ومن ثم لجان حكومية وبرلمانية، أفكار السوق الحرة والليبرالية السياسية.واتسمت يوليا دائمًا بالحنكة السياسية أي فن إدارة القواعد واللعبة السياسية فاستطاعت أن تكسب التعاطف الشعبي ليس بدموع التماسيح التي تذرفها لتكسب تعاط الجماهير التي تعيش في ظروف حياة سيئة، وإنما أيضا لجاذبيتها كامرأة من الشعب تحمل على رأسها ظفيرة اوكرانية شعبية فولكورية تعلن أنها جزء من الشعب البسيط رغم أناقة ملبسها وصحة ملامحها. ويذكر أنها شغلت مناصب وزارية وتعرضت للسجن. واستطاعت بخطابها الشعبي وجاذبيتها النسوية ان تشد أزر فيكتور يوشينكو في الثورة البرتقالية، ولم تغمض لها عين في تلك الأيام العصيبة لتلحق الهزيمة بأنصار رئيس الوزراء فيكتور ياكوبوفيتش وترغمهم بالموافقة على إعادة التصويت بالانتخابات الرئاسية ليفوز بها حليفها فيكتور يوشينكو. ولكن الخلافات بدأت تدب بين الحليفين حينما انتهجت تيموشينكو سياسة مستقلة وهي تشغل منصب رئيس حكومته. فاندلعت أول مواجهة بين الحليفين لتنتهي باستقالة أميرة الثورة البرتقالية. ولم تعد لتتحالف ثانية مع يوشينكو حتى قيام خطر استلام القوى المناهضة للثورة البرتقالية السلطة. ولم يستمر التحالف الجديد إلا لفترة قصيرة حتى ينفرط ثانية، وينهار التحالف البرتقالي. ورغم أن ثمة مؤشرات ظهرت على إحياء التحالف البرتقالي للمرة الثالثة بفعل التحديات التي تواجه اوكرانيا، إلا أن التوقعات تشير إلى انه لن يستمر لفترة طويلة.فيوليا تيموشينكو مثلها مثل نيونو بوردجانادزة تطمح لشغل منصب الرئيس، بعد أن اظهر الرجال عجزهم عن السير بسفينة البلدين نحو شواطئ السلام. فهل سيسمح لهن بذلك؟