د. إلهام مانع كلما حاول المرء الاقتراب من موضوع المرأة، جسدها،حقها،قامت القيامة. موضوع متفجر هو. مشحون بالكثير من العواطف والمشاعر. يصعب التعامل معه بصورة عقلانية.المساس به مس بالكرامة، بالشرف، بالفضيلة. علينا أن نبتعد عنه. لا نقترب منه. علينا أن نخاف ونرتعب منه. نخاف ونرتعب. ثم نرتعش. نضعه هو الأخر ضمن "المحظور في التفكير" فيه في مجتمعاتنا. "محظور"، "محظور"، وتحته ألف خط أحمر. والأهم، أنه "محظور التفكير" فيه بصورة تتنافى و"العرفالسائد".فهناك دعائم وأسس للتفكير تم وضعها، قولبتها، فأصبحت جاهزة، تنتظر هناك كل من يرغب في التفكير في هذا الموضوع، معدة سلفاً لكل من يرغب في النقاش فيه، ها كم،هذه هي السطور، هذه هي الأفكار، هذه هي الأطر، هذه هي الحدود، استخدموها في نقاش هذا الموضوع، استعملوها كيفما أردتم،استهلكوها كما تشاءون.لكن إياكم، إياكم والخروج من "الدوائر الآمنة" للتفكير. تعاملوا مع المرأة "ككيان هش"، "ككيان يجب حمايته"، "ككيان يجب صيانته"، "ككيان يجب احترامه"، "وبالطبع يجب تحسين أوضاعه"،ولكن ضمن تلك الأطر. دائماً ضمن هذه الأطر.أبداً ليس خارجها. موضوع لا يجب التفكير به، إلا ضمن أطر جاهزة. موضوع لا يجب المس به، إلا ضمن قواعد محددة.لكن المس به خارج "قواعد التفكير" أصبح ضرورياً. الحديث عنه بعيداً عن "الدوائر الآمنة للتفكير" أصبح مُلحاً هو الأخر. أصبح أمراً لا مفر منه. فالمشكلة تبدأ عندما نصر على أنه "لا وجود للمشكلة في الواقع"."صحيح أن المرأة عندنا تعاني، لكن المسألة ليست بالضخامة التي نصورها"."ثم أن المرأة عانت وتعاني عندهم أيضاً". كثيرٌ منا يقول ذلك. يفعل ذلك وهو مقتنع بأن قضية المرأة ومشكلتها "مسألةمفروضة علينا من الغرب". مشكلة "مفتعلة". "يريدون أن يفسدوا المرأة ويهينونها كما فعلوا معنسائهم في الغرب". "يريدون أن يحولوها إلى بضاعة مستهلكة كما فعلوا معنسائهم في الغرب"."يريدوننا أن نتخلى عن الفضيلة والشرف"."نحن نصونها. ونحمي حقوقها، ولكن بطريقتنا".كثير منا يقول هذا، والمصيبة، أنه يبدو مقتنعاً بما يقول. ثم يتعامل معنا، نحن النساء المطالبات بحقهن، حقنا، كطابور خامس.اللعينات، يُعين "الغرب" علينا. نصبح في نظره نساء "متحررات متغربات"، "نسين أصلهن". يمصمص شفتيه ويلعنهن في سره،ثم في العلن، ولا مانع من غمزهن بكلمة هنا أو هناك تذكرهن بأنهن إناث، بعبارات هازئة تلُمح إلى أجسادهن، كأنها إهانة،كأنها شتيمة،أن تكون المرأة أنثى! لكنها غمزات تفضح فكره هو لا أكثر ولا أقل. تُعريه هو لا غير. ثم يتحول إلى كل من يجرؤ على نقاش الموضوع خارج "الأطر" ليسميه إما فاسداً، "متحرراً"، "علمانيا" ، أو خائناً. ملعوناً. حق عليه الغضب. هو أيضاً يعين "الغرب" علينا. كأن مشكلتنا ليست معنا،ليست فينا، في كياننا نحن، لا، بل هي "معهم"، "هؤلاء"، المنتمون إلى "الأخر"،"الغرب". هل يجب أن ألفت إلى أن تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002، الذي أعدته مجموعة من أكفأ خبراء العالم العربي، أشار صراحة إلى "إن عدم المساواة بين الجنسين يمثل أكثر مظاهر الإجحاف تفشياً في أي مجتمع.. وقد تحقق في السنوات الأخيرة بعض التحسن الكمي في بناء قدرات المرأة ، ...، إلا أن هذه الإنجازات لم تنجح في تعديل المواقف والمعايير الاجتماعية المتحيزة ضد المرأة".الحقائق لا يمكن الالتفاف عليها. وعدم المساواة بين الجنسين واقع في العالم العربي، واقع، مع الإدراك بوجود بعض الاستثناءات. ولذلك أرغب كثيراً في رؤية ذلك الواقع يتبدل. أريده واقعاً يؤمن ويمارس المساواة بين الرجل والمرأة. وأريدها مساواة كاملة. أريدها كاملة، لا ناقصة.أريدها كاملة، لا واحدة تحترم ما نسميه ب"خصوصيتناالثقافية"،خصوصية تُرتكب الجرائم باسمها، ندفن بعض نسائنا أحياء متذرعين بها،نعاملهن كأطفال،نكتم على أنفاسهن،ونُجردهن من حقوقهن القانونية،من مواطنتهن الكاملة تحت رايتها. لا أريدها خصوصية ثقافية، بل أريدها أن تحترم خصوصيتي أنا، إنسانيتي أنا،كياني أنا،تتعامل معي على أني كائن عاقل،بالغ، راشد،قادرة على اتخاذ قراراتها بنفسها،ليست قاصرا، لا تحتاج إلى وصاية عليها، قادرة على أن تكون ما تشاء، أن تعيش كما تشاء، وأن تختار شريكها كما تشاء، أن تحترم جسدها،وتمارس هي، لا المجتمع، الوصاية عليه. أريدها مساواة تتعامل معي على أني امرأة لا تخجل من أنوثتها، امرأة لا تداري جسدها، امرأة كاملة، إنسان، يقف على قدم المساواة مع نظيره وندّه الرجل. ـــــــــ* كاتبة يمنية مقيمة في سويسرا
هناك مشكلة!
أخبار متعلقة