[c1]* نصوصه الشعرية تتميز بالغنائية الثورية والرؤى الملتزمة .. وغايتها الوصول إلى وطن يتحقق فيه حلم الإنسانية[/c]كتب/ حلمي سالم*:[c1]"[/c]يا سفر العشق إلى صومعة النارخذني في عينيهاطوح بي في هاوية الخدر الصوفي بدون قرارفأنا دامي الرغبة في الابحار[c1]"[/c]هذه سطور من قصيدة "أغاني الدرويش المملوك" من ديوان "هنا الطقوس، هنا جسد الملكة" للشاعر اليمني حسن اللوزي.وعلى رغم أنها سطور مبكرة، تعود إلى أكثر من عقدين في تجربة الشاعر الثرية الطويلة، فقد ضمت ثلاث كلمات شكلت، وظلت تشكل ثلاثة مدارات أساسية في النص الشعري للوزي : الأولى: هي "العشق"، وما يلف لفه من معاني الحب والمرأة والقلب والوجدان، والثانية : هي "الرغبة" ، وما يلف لفها من حسية وملموسية وسخونة وجسدانية. الثالثة : هي "الصوفي" وما يلف لفها من اتحاد وعرفانية ورؤيا وحلول، تم تدوير هذه المدارات الثلاثة في فلك كبير من الغنائية العذبة ذات الرواء.أما حسن اللوزي نفسه، فهو ذلك الفتى الأسمر الذي عرفناه منذ مطلع السبعينات في مصر، حينما كان يدرس في القاهرة الشريعة والقانون في جامعة الأزهر. وكنا نزرع شوارع قاهرة المعز، مع حسن طلب ومحمد سليمان والشاعر الفلسطيني عبد الرؤوف يوسف والكاتب اليمني محمد الشامي محملين بالشعر والحب والأمل. أو نلتقي جميعاً في بيت الشاعر اليمني عبد العزيز المقالح الذي كان يعد رسالته للدكتوراه في جامعة القاهرة، ويعقد في صالونه لقاءً أدبياً أسبوعياً باهراً.في تلك السنوات الأولى من السبعينات، أصدر اللوزي مع صديقه عبد الرؤوف يوسف ديوانهما المشترك الأول "أوراق اعتماد لدى المقصلة" ، وأصدر أمجد ريان مع طلعت شاهين ديوانهما المشترك الأول "أغنيات حب للأرض "، وأصدرت مع رفعت سلام ديواننا المشترك الأول "الغربة والانتظار" ويبدو أن تلك المرحلة كانت مرحلة "الدويتو" الشعري التي تسبق الغناء المنفرد.مع النصف الثاني من السبعينات تفرقت السبل : عاد حسن اللوزي إلى وطنه اليمن، بينما خاض عبد الرؤوف يوسف غمار تجربة سياسية قاسية كلفته اعتقالاً مؤلماً طويلاً، في سجون الدولة "الوطنية" المصرية. وفي صنعاء بدأ اللوزي يشق طريقه القيادي، فتقلد عبر سنوات الثمانينات والتسعينات مواقع وزير السياحة والثقافة والإعلام، ثم سفيراً لليمن في الأردن، ثم رئيساً للجنة الثقافية في البرلمان اليمني، والآن وزيراً للإعلام.طوال ربع قرن من المنصب السياسي أو الديبلوماسي، لم ينضب فيضان في حسن اللوزي : فيض عذوبة الشخص. ظل اللوزي، كل هذه السنوات والمواقع، هو الفتى نفسه الذي عرفناه في السبعينات الأولى : الطيب الخجول، القومي العروبي من دون النعرة القومية العرقية المتطرفة، الناصري من دون التمسح بقميص في قميص عبدالناصر، كم يفعل بعض غلاة الناصريين، (معظم اليمنيين يعشقون عبد الناصر عشقاً يكاد يكون ميتافيزيقياً)، التقدمي من دون لافتات الايديولوجية المتطرفة، المتدين المستنير من دون الغرق في الفقة المظلم، الناهل من حب الحياة من دون تدنٍ غليظ ويبدو أن دراسته السابقة "الشريعة والقانون" أعطته قدوة المواءمة الصحية بين الرؤية الدينية والرؤية المدنية في اهاب متسق رحيب.وبالتوازي، استمر فيض النص فتتابعت دواوينه متنوعة بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر. وهو واحد ممن فتحوا (مع الرائد عبدالعزيز المقالح) طريق قصيدة النثر أمام الأجيال الشعرية اليمنية الشابة، التي انطلقت انطلاقة كبيرة. وتنوعت الأشكال الأدبية لديه بين الشعر والنثر والمقال والقصة والمسرحية. فقدم لمكتبنا العربية انتاجاً ملحوظاً نذكر منه - بعد الديوان المشترك الأول:" المرأة التي ركضت في وهج الشمس، تراتيل حالمة في معبد العشق والثورة"، "فاحشة الحلم" و "الكلمات".وهي أعمال - على تعددها - تربط بينها أدوات واحدة، وتربط بينها غاية واحدة : أما الأدوات فهي الموسيقى الطربية ( وزنية) والغنائية الثورية واللغة الخصيبة الحية والرؤى الملتزمة بهموم الحق والخير والجمال. وأما الغاية فهي الوصول إلى وطن ينتفي فيه القهر والجوع والمرض والظلم ويتحقق الحلم بإنسانية الإنسان :[c1]"[/c]وأسأل عنك موج البحرألقي جسمي المكدود في عينيه اغتسليذوب الملح في جلديولكني أظل بعشقك المجنون اشتعلواكتب آخر الكلمات في بوابة الآتيغداً تصلغداً تصلوتهدم هذه الجدرانوتعبر تغسل الأحزانوتنتشر غنوة الأفراح من كوخ إلى كوخومن بيت إلى بيتوتمسح جرح اشعاريفيندملووجه العشق يكتمل[c1]"[/c]."الوزير الشاعر" ظاهرة غير جديدة في مجتمعنا العربي، فهي موجودة متواترة فيه، بدءاً من ابن زيدون. مروراً بالبارودي، وصولاًَ إلى مرحلتنا الراهنة حيث حسن اللوزي، الذي يماثله أيضاً عبدالرحمن شلقم وزير الخارجية الليبي ومحمد الأشعري وزير الثقافة المغربي.وموقع "الوزير الشاعر" موقع ضروري للحكومات العربية المعاصرة، تحرص عليه هذه الحكومات، كلما توافر ذلك من وجهة نظرها الرسمية، لأنه يضفي على هذه الحكومة مسحة من بياض الوجه، ومسحة من المظهر الديمقراطي، ومسحة من البراءة، ومسحة من الشاعرية والجمال.وقوف ذلك، فإن نموذج حسن اللوزي كان يمثل - ولا يزال- "رمانة الميزان" للسلطة السياسية بخصائصه المعتدلة الناضجة : قومي في غير عنصرية، ناصري في غير مزايدة، تقدمي في غير تطرف، متدين في غير ارهاب، ثم هو - كشاعر- الضمير اليقظ في كل حين.على أن هذا النموذج، بقدر ما هو ضروري ومفيد للسلطة السياسية الذكية، فهو- بالقدر نفسه - مخيف ومريب للسلطة السياسية الذكية نفسها، فهي لا تستطيع أن تستغني عنه طول الخط فضميره الحي وتقدميته المعتدلة هما مصدر تهديد وخطورة. وإن هذه "المعادلة الحرجة" هي التي تفسر خروج اللوزي من الوزارة مرات وعودته إليها مرات، مثله في ذلك مثل زميليه شلقم والأشعري. هذه هي "الشعرة الرفيعة" التي تمشي عليها الحكومات تجاه مثل هذا النموذج والتي تمشي عليها النموذج والتي تمشي عليها النموذج تجاه مثل هذه الحكومات، في سيرة طويلة لتناقض درامي غير محلول. فالسلطة العربية لا تقبل إلا الاندراج الكامل، وضمير المثقف المستنير لا يقبل إلا اليقظة الكاملة."من منا يبدأ ويقئ الرمل المنفوخ به، الصدأ الضارب في العظم، ويشعل فينا النار كموتى الهندوس، فمازلنا قدام الباب الموصد نصرخ، نتهشم، لا تنبع منا عين واحدة تنبت عشباً يتخلل ويشقق تلك الجدران؟". كان هذا السؤال صرخة قديمة أطلقها اللوزي، لعل مجيباً يجيبه. ولست أظن أن مجيباً أجابه، بل توالت أمام ناظريه في العقدين الآخيرين مشاهد انهيار الأمل العربي الذي نشأ عليه وصدى ضياع التراتيل الحالمة في معبد العشق والثورة التي رتلها في الزمن الجميل، لكنه لم يكف عن طرح السؤال ،عن اجتراح الإجابة وزرع نبتات صغيرة في صحراء العرب، في مشوار شعري طويل وأصيل.إن هذا المشوار الشعري الطويل الأصيل لم يسلم - شأن كل الريادات - من بعض المآخذ التي وجهها إليه بعض شعراء الموجة الجديدة. فمن قائل إن حداثته غنائية في زمن عز فيه التغني والغناء، ومن قائل أن مجازه مهيمن في حياة ودعت المجاز، وأن لغته نقية في دنيا إدارت ظهرها للبلاغة والنقاء.وسواء صح بعض هذه المآخذ أو جانب الصواب، فإن الثابت الناصع أن تجربة حسن اللوزي العريضة انجزت جملة مرموقة كمن التحقيقات الظاهرة، بدءاً من إقامة انسجام ملحوظ بين الأساليب لشكلية والرؤى الفكرية والإنسانية فلا طغى التجديد الشكلي جارفاً الموقف السياسي والاجتماعي، ولا طغى ذلك "الموقف" لتنتهي القصيدة إلى شعار زاعق سقيم. مروراً بثراء الطرائق الجمالية بين الايقاع التفعيلي والإيقاع الدائري والايقاع النثري، وليس انتهاء ببناء جسر صحي بين التراث واللحظة الموارة الحاضرة، بحيث لا يقع في "عدمية" انكار التراث كلية أو "عدمية" الانسحاق في التراث كلية. كل ذلك على أرضية متينة من المتبث المتوهج الذي قابلناه في مستهل الحديث : العشق والرغبة والصوفية، أي الحب والخصوبة والوقفة، أي المرأة والجسد والرمز. أما الجناحان الطائران فوق هذه الأرضية المتينة فهما : الحرية والعدل.أيها الشاعر، الوزير العاشق، قدمت أوراق اعتمادك لدى المقصلة منذ ثلاثين سنة، فهل قتلتك المقصلة؟ لم تقبلك، ولن فهذا قدر الشاعر الحق: أن تظل رقبته تحت المقصلة، فلا هي تمنحه العفو، ولا تجز الرقبة جزاً ينهي العذاب.وغرضها أن يظل الشاعر يغني - تحتها- طالعاً من بخور بلده الخصوصي :"نجم لبهاء الأحلام المحبوسة في افصاح المسند/ في البوح السبأي المشتعل على كل الأرجاء" "من هيجان الألف إلى استلقاء الياء/ هذا ما يعلنه الماء وبوح الأسماء" [c1]* شاعر وناقد[/c]
|
رياضة
الوزير حسن اللوزي .. شاعر رفضته المقصلة
أخبار متعلقة