رياض عبده هزاع السامعي من مواليد 1978م خريج جامعة صنعاء كلية التجارة، عرفته في عامي 1997م ـ 1999م من القرن الماضي في النادي الأدبي اليمني، وفي اتحاد الادباء، كان حينها شاباً يقرزم الشعر في صفوف طلبة جامعة صنعاء ومع الادباء الشباب، لكن فترة القرزمة انتهت، ثم ظهر رياض السامعي شاعراً بأهاب صحفي على جريدة (شبوة) وغيرها من الصحف والمجلات اليمنية، وظننت حينها أنه يغادر أوجاع الشعر وتفاصيلها المرهقة للروح وللبدن، ويتجه بقلمه وروحه إلى عالم الأدب الصحفي ، فالشاعر في ظروف معينة، قد يضطر احياناً إلى مقاومة الاوضاع المعيشية المتردية، بحثاً عن ضرورات العيش ..؟ وهذا هو حال الشاعر العربي الصادق والأمين ورياض السامعي مثل واضح لهذا الشاعر.الشاعر العربي امة يطاردها جنود الملوك وعسس الانظمة، ولذا تجد الشاعر العربي موزعاً في المدن الحديثة، يبحث عن لقمة العيش مثله مثل ملايين الامة العربية المهانة تحت قذائف الاباتشي وجنازير الدبابات لسحق الاوطان العربية والاسلامية وشعوبها، وفي هذا المناخ الحربي، يكتب الشاعر اشعاره ومقالاته مثخنة بالجراح وبالرصاص ، وترزح بانات الطبقات الشعبية ومكابدتها في الحصول على لقمة الخبز.رياض السامعي رجل يتدفق شعراً في نثره وشعره، وشعره هذا ينطق بأوجاع الشعب، ويقول ما يقول تحت وطأة هذه المشاعر المترعة بالحب لشعبه وأمته العربية، وعلى امل الخلاص من هذه الاوجاع التي وصفها الشهيد محمد محمود الزبيري في العهد المباد بقوله :جوع وامراض وظلم فادح[c1] ×××× [/c]والناس بين مكبل في رجلهومجاعة ومخافة وامام[c1] ×××× [/c]قيد وفي فمه البليغ لجام رياض السامعي شاعر من قمة رأسه حتى اخمص قدميه، وشعره ينضح بحقيقة الحياة المعاصرة، وهي مجمل اوجاع الشعب من حالات الجوع، والامراض، والظلم الفادح، والمجاعة والمخافة، اضافة إلى السجون وإلى سياط الحداثة التي تقمع الادباء وتسعى جاهدة إلى تهميش المبدعين واذلالهم بشتى الاساليب، بالتنكيل المتفنن وبالتجويع الممنهج وبسياسة التجهيل الاكاديمي، وتكميم الافواه إلى حد اصبح معه الحداثيون دعاة ـ ينظرون للصمت ولاساليب المداجة والسلاسة، وإلى عدم الاصغاء إلى لغة البيان ـ التي اصبحت مع الشاعر تبحث عن حروف غير هذه الحروف المعروفة كما في قوله :ناولني عشقاً لايتقن حبك الليلناولني ضجراً، غيماباروداًوحروفاً اخرى لـ (اللغة العربية) ص 63 .رياض السامعي لم يعد شاعراً يقرزم الشعر، بل اصبح شاعراً يملأ الساحة، اضافة إلى نشاطه الصحفي التنويري.وديوانه هذا "تفاصيل الوجع الأول" شاهد على ما أقول."تفاصيل الوجع الأول" هو باكورة انتاجه الشعري المطبوع بشكل ديوان صدر هذا العام 2006م في صنعاء/ عن مركز عبادي للدراسات والنشر، بطبعة انيقة، واخراج اكثر اناقة من المطبوع، لكن شعره المطبوع اقوى لانه صورة ذاتية عن الواقع المادي المعاش، وترجمة صادقة لروح الشاعر، ولروح الادب العربي جملة وتفصيلا.يحتوي الديوان على خمسه عشرة قصيدة موزعة على ثلاثة محاور أو ثلاثة اقسام:القسم الأول بدون عنوان فقد سقط عنوانه تحت زحمة المقدمتين والاهداء، وبقيت قصائد القسم الاول تدل عليه.والقسم الثاني بعنوان "بروفتان للوجع" أما القسم الثالث، فهو عنوان "من أنباء سندباد الرمال" وتقسيم الديوان إلى ثلاثة اقسام ، تقسيم مصدره احاسيس الشاعر بالفرق بين مجموعة هذا القسم أو ذاك ليس إلا.يتكون القسم الأول من ست قصائد هي "فاطمة" و"قبل موت البحر" و"نسيان" و"على ورق عابر" و"قناع" و "تشكيل روحي" وكلها تقول معاناة الجماهير واوضاعها المعيشية المهددة بشتى المخاطر، قصائد تقدم صوراً كثيرة من صور الظلم والاستبداد وتجسد حالات الاستبداد والاغتراب والضياع والشتات، وتسعى إلى تحقيق العدل والحرية وإلى السلام والأمن والاستقرار.ويتكون القسم الثاني من ست قصائد اخرى ، هي "بروفة انتظار ، وبروفة الرحيل، وحب استثنائي، وفراغ المطر، ووهج من الماضي وظل" وكلها تصور اوجاع الجماهير واحزانها أما القسم الثالث، و يتكون من ثلاث قصائد هي »نبأ الوصول، ونبأ التحول، ونبأ الزوبعة".لكن يبقى هذا التقسيم مسألة في بطن الشاعر، فليس في القسم الأول ما يميزه عن القسم الثاني ولا في القسم الثالث ما يميزه عن القسمين الاول والثاني، لا من حيث البناء الفني، ولا من حيث المقاصد الشعرية ،ولا من حيث الموضوع الجمالي ولغته. فالاغتراب الناجم عن الاستلاب وما يصاحب هذا الاغتراب من اوجاع مثل مشاعر القهر، والحزن، ،والضياع ، والخوف ، والقمع، والجهل، وفقدان الامن والاستقرار، اضافة إلى الخداع، والمكر، والكذب، والمراوغة، هذه المشاعر هي موضوع القصائد كلها، لكن التعبير عن هذه الحالة او تلك تختلف من قصيدة إلى اخرى ومن قسم إلى آخر.والعدل والحرية، هي مقاصد الشاعر، لكن اسلوب معالجة هذه القضايا تختلف باختلاف الحالة الشعرية وبواعثها النفسية والاجتماعية والاخلاقية، وتختلف باختلاف ادوات التعبير، التي هي نفس الادوات في الاقسام الثلاثة، فما هي هذه الادوات ..؟ هل هي فقط التشكيل الموسيقي للشعر ..؟ ام هي فقط اللغة بايقاعها اللفظي والنبرات الصوتية ..؟ ام ان اسلوب الشاعر وثقافته الجمالية والشعرية، هي كل هذه الادوات ؟الوزن العروضي والموسيقى الشعرية، عمودياً كان هذا الشعر أو تفعيلياً ، هو ما يميز الشعر عن النثر أما الوزن فيعني تنظيم الكلام على بحر شعري واحد، أو على نسق تفعيلي، يراعي تركيب الكلام وترتيبه بصورة شعرية محكمة، وصورة قوامها البيان الشعري وصدق المشاعر.واللغة هي اللغة العربية التي يتداولها الناس في حياتهم اليومية، وفي المدارس والمعاهد والجامعات، وعلى الشاعر فقط، ان يعيد صياغتها وفق اهدافه الشعرية وبتراكيب سليمة وذائقة لغوية صادقة بعيدة عن التشدق، والغموض، وباسلوب قوامه صدق المشاعر وصحة التقسيم والتراكيب واقناع القارئ بالحقيقة الشعرية.أما المعاني فهي مرمية في الطريق، كما يقول الجاحظ، وليس الشأن في الافكار، وانما الشأن في اقامة الوزن بلغة سهلة، وبصورة شعرية هي من ابداع الشاعر.فليس المهم الافكار في الشعرفليس الشعر بوقاً إعلامياً ولامطية ايديولوجية وليس الشعر بلاغاً سياسياً او حزبياً يبتز العواطف ويقذف بها إلى صحاري الزيف والنفاق.وانما الشعر فن قوامه روح الشاعر المتحدة بروح الامة ولغتها، وبقدر ما يكون الشعر مرآة لروح الشاعر، هو بنفس القدر مرآة لروح الأمة وعصرها.فأين يقف ديوان رياض السامعي "تفاصيل الوجع الأول" من هذه الصفات الجمالية ومزايا الشاعر وأخلاقه ..؟[c1]معاني الشعر[/c]سنشير اولاً إلى معاني الديوان من خلال العنوان ومن خلال بعض الصور الدالة على تلك المعاني.فالوجع كلمة متداولة، ليس في لغة الشاعر رياض السامعي، بل في لغة الامة العربية، من الماء إلى الماء .. يتداولها الشعب الفلسطيني ويكابدها يومياً كما يتداولها الشعب العراقي بنفس الادلة ويتداولها الجزائريون واللبنانيون، ويكاد يكون المعنى مشتركاً لدى كل الناس، فهي تعني الألم بكل اشكاله المادية والروحية، كما انها تعني المعاناة النفسية والاجتماعية، والانين صوتها، كما تقول ادبيات حركة الاحرار عن العهد المباد، على لسان الاستاذ أحمد محمد نعمان في كتابه " الأنة الاولى" ولكن احساس الناس بهذه الكلمة يختلف من شخص إلى آخر ، أو حتى من عصر إلى عصر.لكن الوجع، بهذه الكلمة المجملة لايعني انه قد اصبح صورة شعرية، أما لكي تصبح الكلمة ـ كلمة شعرية، فان على الشاعر ان يعيد وضع الكلمة في سياق شعري خاص به، وهذا هو سر الابداع، فقد جعل الشاعر كلمة الوجع كلمة مضافة إلى التفاصيل، وبهذا التركيب اعطى للوجع صورة شعرية جديدة، تجسد أوجاع كل الطبقات المحرومة والمظلومة والمقهورة، وتجسد اوجاع كل طبقات الأمة المستلبة حضارياً والمغتربة في مؤسسات الدولة الاحتكارية الكبرى.ان الوجع بالاجمال غير الوجع بالتفاصيل، فالنهب المفرق غير النهب بالجملة، ولهذا كانت كلمة تفاصيل باضافة الوجع اليها مشحونة بأحاسيس الشاعر، أو هي ما اعطت الوجع صورة شعرية غير ما كانت عليه لمفردها.لكن العنوان ليس فقط، عبارة مكونة من مضاف ومضاف اليه، بل هو عنوان ينتهي بصفة "الأول" وهذه الصفة، تجعل للوجع مراتب عددية قد تصل إلى آلاف مؤلفة من الاوجاع الاجتماعية.وقد لايكون هناك وجع ثانٍ ولا ثالث ولا رابع .. الخ لكن الصفة لاتعني غير ان مايقوله الشاعر هو غيض من فيض ..؟ أو هو كناية عن تعدد الآلام الشعبية وشدتها ، وبصورة تثقل ظهر الشاعر والقارئ، على حد سواء ، كما نجد ذلك في قصيدة بروفة الانتظار ص 58 من الديوان في قوله :استطيع قراءة وزريوتزويد خاصرة للتشهيببعض الدموعالاستطاعة على قراءة الوزر ، هي جملة شعرية تفيد معنى الوجع كله جملة وتفصيلا، وفق المنطق القرآني في قوله تعالى: "الم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي انقض ظهرك".فالقدرة على قراءة الوزر، أو قل هي القدرة على التحرر من كل اشكال الوجع وانواعه وتأدية رسالته الشعرية، على اكمل وجه.قد توحي العبارة الشعرية في سياقها عن ضعف التجربة الشعرية أو ضعف تجربته الحياتية بعد اعادته الرياح وحبسها في قفصها ، ثم اعادته الاماني الملطوشة إلى العشاق، واعادة الورد للاحلام .. الخ لكن الشاعر ما وجد ، ، ولم يخلقه الله، إلا لهذه المهمة الصعبة، فيؤديها على أكمل وجه ..؟ ورغم قدرته على تأدية هذه المهمة والخروج منها بنجاح، إلا انه يقع في لحظة شاسعة من الوجع هي وجع الانتظار، أي ما ان يتحرر من اوجاع القرية حتى يدخل في اوجاع المدينة الحديثة، فيبقى في حال عبدالله سلام ناجي :وسفر مرتبط في سفرما معك..؟ هل معك شي خبر ..؟فالأوجاع هي الارضية التي يفترشها الديوان كله، خذ قوله مثلاً من ص 55 في الديوان:أيها الوجع البشريكيف تصارع جمر الحروف،تستلذ برمي الشعارات،والعشق إلى آخر الصف ..؟وخذ ايضاً عبارة "آخر الصف" التي تجسد كل حالات الانتظار المضني والمرهق في الحياة ، انتظار التخرج وانتظار الوظيفة وانتظار نهاية الطابور، وانتظار الباص وانتظار يوم الزفاف .. وانتظار .. .. وانتظار .. الخ .. الخ .. .. الخ ما هنالك من انتظارات تنهك الروح والبدن، ومع هذه الاوجاع المضنية يكون الموت خلاصاً يحرر الروح من كل نزوات البدن وآلامه.[c1]2) نسق القصيدة ونمطها [/c]الديوان طافح بالاوجاع ولكن في عبارات شعرية فقط، وعبارات لاتنتظمها وحدة شعورية في قصيدة واحدة ، كأن تكون القصيدة مركبة من وحدة شعورية متساوقة الرؤى الشعرية، وفي نسق فكري واحد كما هو شعر كعب بن زهير والحطيئة والمتنبي ورشيد سليم الخوري وعبدالله البردوني ، أو كأن تكون القصيدة مركبة من وحدة عضوية على غرار شعر علي محمود طه ومدرسته، أو كأن تكون القصيدة قائمة على بنية درامية قوامها الشخصية الشعرية، كما نجد ذلك في اشعار البردوني وفي اشعار بدر شاكر السياب.القصيدة عند رياض السامعي تقوم على المشاعر المتداعية، أو على ما يسمى بتيار الوعي الذي يتدفق شعراً حاراً، لكن دون ضوابط الصنعة الشعرية ، فلو قرأنا مثلاً قصيدة "فاطمة" لوجدناها مجرد اطار رمزي أو هي رمز مشحون بدلالات اللبيدو، والاشواق الطافحة بغريزة البقاء ، بالحب الابوي وحب البنوة، وبالشعر المشحون بالشجن، والشاعر معني بهذه " الفاطمة" وغير معني بها في آن : معني بها كرمز تاريخي وجمالي مسحوب من امرئ القيس ، أو مسحوب من التراث الشيعي، ولكن دون أي تمثل شخصي لها لأنه غير معني بها.تحضر فاطمة كاسم فقط، أو كعنوان يحتوي مشاعر تواقة للشعر أو للقصيدة أو للبنت أو للأب ، أو لكل ذلك، واحياناً تغيب القصيدة في رموز لغوية تنسحب عليها كل اشواق الشاعر المبعثرة شعورياً واللا مرتبة.خذ قوله مثلاً :واني احبك،لا شأن للحببما تصطفيه القصيدة من شجن .. الخأو قوله :لاني احبكاضيق .. اضيق بكل القصائدأو قوله:واني احبك لا شأن لي بالقصيدة .. الخ وهكذا تتساوق القصيدة بين "الشأن واللا شأن" دون أن تلم لا بفاطمة كرمز ، ولا بالقصيدة كإطار يلملم افكار الشاعر، ولا بالشأن، ولا بالحب الذي يحدد محبوبه، وهذا يرجع إلى انصياع الشاعر لتيار الوعي، دون أي ضابط عقلي، فتأتي القصيدة، رغم حرارة العاطفة وصدق المشاعر، مبعثرة ومشتتة، أو قل بدون أي نسق فكري يذكر، سوى نسق الجملة الشعرية، فالجملة الشعرية غنية بالدلالات وجلية المقاصد وصدق المشاعر.[c1]3) اللغة: المجاز والرمز:[/c]الانصياع لتيار الوعي، ولحالة التداعي الشعري حتماً يدفع باللغة إلى التسكع في أزقة المجاز الذي يصل إلى حد الغموض احياناً، أو إلى عوالم الرمز اللغوي، ورمز لايدرك بالتأويل .. والتأويل يخطئ اكثر مما يصيب.وهنا ساشير مجرد اشارات إلى بعض الالفاظ التي اخذت معاني رمزية بسبب التدفق الشعري المتحرر من الضوابط العقلية، مثل "القلب ، وفاطمة، والفضاء، والبحر، والصامت، والقادر، والصمت والدم، والاصحاب، والانتظار، والرحيل، الخ، الخ، الخ "فالقلب هنا ليس رمزاً للقطب الصوفي أو معقل هذه الفرقة الكلامية أو تلك، كما في التراث الشعري العربي، وانما هو رمز للعواطف الجياشة والمتدفقة، انه بؤرة الحركة الشعورية في القصيدة .. كما هو حال المتنبي مع قلبه في قوله في المقصورة:أما فاطمة فهي رمز للحب، ومسحوبة من مشاعر امرئ القيس وقوله :افاطم مهلا بعض هذا التدلل[c1] ×××× [/c]اغرك مني أن حبك قاتليوان كنت قد ازمعت صرمي فاجملي[c1] ×××× [/c]وانك مهما تامري القلب يفعلومثله قل عن مصطلح الاب والبنت فهما رمزان يتناوب عليهما اللبيدو التواق إلى الابوة والبنوة معاً ، وبينهما يقف الشجن رمزاً لغريزتي البقاء وهما الغذاء والجنس! أما الفضاء فهو رمز إلى الحرية المقموعة، ومثل ذلك قل عن البحر في قصيدة "قبل ان يموت البحر " و"الدم" بدورانه عبر القلب والاوردة هو رمز إلى الطبع، ولكن طبع الشاعر القروي الذي يستنكف من علاقة المرأة بغيره، ويعتبر مثل هذه العلاقة رجساً شيطانياً يجب اجتنابها كما في مقطع "يحتلني دمي" من قصيدة " تشكيل روحي" أما الاصحاب في قوله "يحتلني صحبي" فهم رمز لجماعة الاخوان أو الصحابة الذين يشاركون الشاعر افراحه واتراحه أو الذين يقاسمونه رغد العيش وشظفه ، فهم الانصار في المنشط والمكره، مع أنه يملهم في بعض الاحيان.أما الصمت في قوله " يحتلني صمتي" فهو رمز إلى التحفظ من جلساء السوء، أو الحذر من غير المأمونين من الناس ..؟ ومثل ذلك قل عن الصامت بقوله:يا هذا الصامت ..مازلت القادر ان توقف عجلات القلب ولايختلف القادر عن الصامت إلا في شكله اللفظي.ومع الصمت يكون الانتظار مجرد محطة للصمت والقادر، وانتظار غرضه التحرر من هذه الدنيا وأوجاعها التي لا تنتهي .. مثل ذلك قل عن الرحيل فالرحيل رمز إلى الحرية الابدية.من وجع المدينة الفانية والانعتاق من قيود الفانية كلها، ان الرحيل رمز إلى صعود الروح صعوداً يجسد انتصاره على البدن وعلى جهاز الشهوات، وانتصاراً على العسس بمختلف اقسامهم.أما الزوبعة، فهي رمز إلى الشهوات التي تكاد تعصف بهذا الشاعر القروي وتجعله رهن الانتظار لامرأة هي واحد من اوجاع المدينة ان لم تكن اصلها، أو هي على الاقل من امراض الحياة الحميدة، كما يقول الاستاذ ياسين الزكري في مقدمة الديوان، مع أنها قد تكون من الامراض الخبيثة في ظروف المدينة الحديثة الملوثة بأوبئة الحضارة الرأسمالية الخبيثة.هذه مجرد اشارات إلى رموز لغوية، حسب فهمي الشخصي لهذه الرموز من خلال السياق الشعري ومن خلال قرأءتي الذاتية، والذوق الشخصي.لكن لغة الشاعر غالباً ما تقوم على المجاز اللغوي باساليبه العربية، كالتشبيه والاستعارة والكنايات، فمن التشبيه قوله " يا هذا العمر احملني كرفات الحلم" والرفات هنا استعارة لهلاك الحلم وفنائه، فالانسان بدون احلام ومشاعر ليس سوى هباء يكنسه العم ناجي من بهو الكلام، كما في قصة "العم ناجي" لخالد الرويشان في مجموعة الوردة المتوحشة.وهناك الالفاظ المستعارة، وكلها تكاد تكون قائمة على مبدأ الاستعارة اللفظية ، وابرزها "ارميني من نون الشهوة غيما للانثى".فكلمة "ارميني" تعني بالاصل اقذفني بالحجر أو ما إلى ذلك من أدوات القذف، قصدها رمي بي استخدم نون الوقاية بدلاً من باء الوسيلة أي ان اصلها هكذا : أقذف بي من قلب الحوت كما في حكاية يونس صاحب الحوت، ولكن ليس إلى الشاطئ كما طلب صاحب الحوت من ربه، وانما الشاعر هنا يريد ان يقذف به غيما إلى قلب الانثى أو رحمها ، فالغيم هنا يأخذ دلالات جنسية فوارة وتواقة إلى الانثى، أي ان كلمة الغيم هي استعارة قائمة على بيان النسبة .. كما في قولهم " طاب زيد نفسا" و"تفقأ عمرو شحما".لكن نسق الكناية والاسماء المقيدة نجدها اكثر كما في قوله من الكنايات:حانوت الظلوثن الآهةلعنة الانتظارقدر اللحظة عجلات القلب .. الخفليس للقلب عجلات على وجه الحقيقة ولاينتقل كالسيارات، وانما هو محطة مركزية لحركة الدم وهذه كناية لطيفة تدل على شاعر يعرف لغته وتراكيب لغته، أما قوله : »قدر لحظة« فهي كناية طرية جداً وأنيقة، ومنحوتة من اساليب المجاز العربي، وكنا ياتهم عن الزمن وقدرته على الفاعلية، كقول البردوني في "مسافرة بلا مهمة":أي شيء اريد ما عدت اغفو[c1] ×××× [/c]اقلق الدهر مضجعي وشخيرهأو كقوله من ديوانه "زمان بلا نوعية"زمجية ساق ويله[c1] ×××× [/c]متاخيم يقتاوتن افئدة الجوعىلكن رياض السامعي هنا يطلب من الصامت ان لايتدخل في فاعلية الزمن، بل يطلبه ان يترك هذه الفاعلية حرة وغير قابلة للتجيير، فقد قال يخاطب الصامت:لاتربط قدر اللحظة بالمجهولومن الكنايات اللطيفة قوله : "حانوت الظل" ومعلوم انه ليس للظل حانوت، ولايمكن ان يفقس الظل نوارس، لان النوارس طيور بحرية اصلاً ولاتعيش في الحوانيت، ولكنه جعل للظل.حانوتاص يأوي اليه ويفقس نوارساً، وهذا ترميز إلى سكان الحوانيت والدكاكين أو إلى الاوكار الحزبية، وكلها حوانيت تنتج، الآلام والاوجاع يومياً، أما عبارة "وثن الآهة" فهي كناية جديدة يرمز بها إلى أبدية الاوجاع والتأوهات التي يزفر بها ابناء المدينة، وان يكون للآهة صنماً يعبد، فهذا يعني ان الوجع اصبح حالة لاتفارق الانسان، فتلك هي الماساة ـ ماساة الانسان الحديث في ظروف التجويع والبطالة واللهاث خلف الحاجيات الضرورية ، وابرز هذه الكنايات قوله :" لعنة الانتظار" في قوله:من يك كقلبي له **** يشق إلى العز قلب التوىلابد للقلب من آلة **** ورأي يصدع صم الصفاوكل طريق أتاه الفتى **** على قدر الرجل فيه الخطى سماني الحلمثم حملني لعنة الانتظار [c1]يتبع في العدد القادم [/c]
|
ثقافة
المجاز والرمز في ديوان السامعي
أخبار متعلقة