تطلعت للاستعمار الاقتصادي قبل العسكري
القاهرة/14اكتوبر/ وكالة الصحافة العربية:أكد سياسيون عرب أن النظام الأمريكي يسعي بجميع مستوياته إلي فرض هيمنته علي العالم من خلال أبعاد سياسية تطبيقية تأخذ منحني التصعيد المتواصل مرحلة بعد أخري وميداناً بعد ميدان وانتشاراً جغرافياً اعتماداً علي أحداث يحركها صانع القرار الأمريكي ، فيعمل علي توظيفها في إطار الاتجاه نحو هدف ثابت هو الهيمنة عالمياً.ولم يولد هذا الفكر المتطرف سياسياً ودينياً من فراغ بل كان ذلك الفكر حصيلة تطور تاريخي أخذ إلي جانب الجذور العقائدية مجري فكري ضرب جذوره في تصور حضاري منحرف يمكن وضع محاوره في تطويع التقدم المادي، والتقني بعلومه وآلياته وثماره لأغراض الهيمنة الاحتكارية المكلفة.تفاوتت الأساليب والوسائل ولغة الخطاب السياسي بما في ذلك استغلال متواصل لصياغة القيم واستغلال عقائدي يخدمان غرض التعبئة الشعبية بصورة متواصلة من عهد إلي عهد ومن رئيس إلي رئيس وبلغ ذلك مداه في الفترة ما بين ريجان وبوش الأب من الجمهوريين، عبر كلينتون من الديمقراطيين وبين بوش الابن من الجمهوريين ولا ينتظر أن يتبدل جوهر هذه المسيرة إذا ما وصل.أي رئيس جديد للولايات المتحدة سواء كان جمهورياً أو ديمقراطياً مع نهاية العام القادم 2008، وكثيراً ما يردد المسئولون وأصحاب القرار الأمريكي لتبرئة السياسات الأمريكية من الميل ذاتياً إلي العدوانية أن الأحداث العالمية هي التي تدفعها إلي التحرك خارج الحدود الأمريكية، ويقال بهذا الصدد: إن السياسة الأمريكية كانت حريصة علي دعم تحرر الشعوب أيام ويلسون ولم تنتقل إلي وراثة الاستثمار التقليدي، كما أنها تحولت بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن إلي تبني نهجها الجديد وإعلان الحرب الاستباقية، وذلك للقضاء علي الإرهاب حسب زعمها.على أن قسطا كبيراً من هذه المقولات يستند إلي انتقاء شعارات ومواقف وحتي خطوات سياسية، لمقارنتها بين عهد وآخر وتغفل تلك المقارنات غالبا عن دراسة الظروف الآنية لما يجري انتقاؤه فلا تسلط الأضواء علي توظيف خطوة معينة قد تبدو إيجابية بحد ذاتها، لتحقيق غرض ذات بعد سلبي بمنظور حصيلته علي المستوي البشري وترسيخ الاستعمار الجديد بردائه الأمريكي علي سبيل المثال كان هو الهدف في فترة معينة من وراء دعم حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة مع ما يعنيه ذلك من إضعاف الدول الاستعمارية التقليدية المراد وراثتها كما كانت الخطوات الاستعمارية الأمريكية عسكرياً كما في الفلبين وراثة للاستعمار الأسباني اقتصادياً كما شهدت منابع النفط الأولي بين إيران والجزيرة العربية وراثة الاستعمار البريطاني كانت هذه الخطوات علي سبيل المثال دون الحصر تسير جنبا إلي جنب مع دعوات تحرير الشعوب وإقرارحق تقرير المصير لها، ولم تقع نكسة لهذا المنهج الإزدواجي بتأثير التزام بالمواثيق الدولية أو القيم الإنسانية وإنما كانت النكسة الواضحة للعيان من خلال هزيمة عسكرية، كما وقع في فيتنام.وفي الحقبة الأخيرة أيضاً يستشهد كثيرون بعهد نيكسون لتأكيد نقلة نوعية إيجابية في السياسة الأمريكية باتجاه الانفراج الدولي بدلاً من صراع الهيمنة والنفوذ ولكن غالبا ما يغيب في تحليلاتهم أنه ووزير خارجيته كسينجر آنذاك لم يتحركا علي طريق الإنفراج إلا بعد أن تحركت أوروبا بمبادرة ألمانية لمدة عامين علي الأقل، وسط اعتراضات أمريكية متواصلة، ثم كان التحول في السياسة الأمريكية مقترنا بعنصرين، أحدهما الضغوط المالية الداخلية الناجمة عن هزيمة فيتنام وثورة أسعار النفط الخام، والآخر إدراك الساسة الأمريكيين أن مواصلة معارضتهم لسياسة الانفراج يمكن أن تفضي إلي تقارب أوروبي سوفيتي أكبر كانت موسكو تسعي إليه في عهد بريجنيف لزرع وتد في حلف شمال الأطلسي.واقترن ذلك التحول الأمريكي بدوره بمحاولة إيجاد طرف جديد في اللعبة الدولية من خلال إنهاء حصار الصين في فترة كان النزاع الشيوعي بينها وبين الاتحاد السوفيتي علي أشده ولم تستمر سياسة الانفراج الأمريكية هذه طويلا فما أن انتهي عهد نيكسون ثم عهد جبرالدفورد القصير من بعده حتي عادت الدولة الأمريكية إلي سابق عهدها عبر سياسة التسلح بأقصي مداه في عهد ريجان وإلغاء كلمة الانفراج في الخطاب السياسي الأمريكي وحلول عناوين جديدة للمواجهة السياسية والعسكرية•[c1]نشأة تاريخية[/c]مسيرة الهيمنة الأمريكية عسكرياً بدأت واقعيا من قبل ولادة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أو استقلالها ولئن دخلت حرب الاستقلال الأمريكية كتب التاريخ، بصياغتها الغربية التي تعتبرها مع الثورة الفرنسية حاضنة لمنظومة الحقوق والحريات الإنسانية الحديثة، فقد دخلت التاريخ أيضاً باعتبارها من أشد الحروب دموية، كالثورة الفرنسية أيضاً وكانت في الوقت ذاته بمثابة حجر الأساس لانتشار الحضارة الغربية الحديثة التي عرفت عند أهلها بحضارة الإنسان الأبيض مما يعطيها داخل حدودها وحيثما انتشرت خارجها بعداً عنصريا واضحا للعيان علي الأصعدة النظرية والتطبيقية.ومنذ نشأة الدولة الأمريكية نفسها تابعت ما سبق تأسيسها من إبادة منظمة للهنود الحمر، في حدث تاريخي لم يسبق مثيله، ولم يأت بعده ما يعادل معشاره كذلك فإن وصول عدد الولايات المتحدة الأمريكية إلي 51 ولاية اقترن بالحروب حتي اكتملت السيطرة علي أمريكا الشمالية وسرعان ما بدأت علي الفور مسيرة الهيمنة خارج الحدود.كان الاستعمار الأمريكي في أمريكا الوسطي والجنوبية استعمار غزوات متوالية عسكرياً واحتلال البلدان الصغيرة لعشرات السنين وتنصيب الحكومات الموالية لواشنطن وتدبير الانقلابات واغتيال الرؤساء، وهذا في فترة زمنية استمرت عدة عقود وتوبعت إلي ما بعد الحربين العالميتين في القرن العشرين.ثم كان أول تحرك عسكري كبير خارج نطاق القارة الأمريكية مرتبطا باستكمال أسباب الهيمنة عليها وفاتحة للهيمنة العالمية فانطلقت القوات الأمريكية لفرض الاستعمار الأمريكي خلفا للأسباني في الفلبين المنصة العسكرية الأولي للتحرك العسكري في جنوب آسيا وجنوبها الشرقي الذي أنهت هزيمة فيتنام مرحلته الأولي، وبدأت مرحلته الجديدة بغزو أفغانستان مع ما ارتبط بذلك من سيطرة عسكرية واقتصادية تستكمل حلقات الشريط الاستعماري الأمريكي إلي بحر قزوين وحتي البلقان وتنطلق منه الهجمة العسكرية الجديدة علي البلدان الإسلامية الأخري.وفي هذا السياق تأتي أيضاً المشاركة الأمريكية في الحربين العالميتين التي أسفرت واقعياً عن الهيمنة الأمريكية الأطلسية في غرب أوروبا، ثم لم تنقطع من خلال ذلك التدخلات العسكرية الأمريكية التي بلغت 150 واقعة عسكرية منذ نهاية الحروب العالمية الثانية إلي نهاية القرن الميلادي العشرين في مختلف أنحاء العالم.وليست هذه النزعة العسكرية للهيمنة منفصلة عن طبيعة تكوين الفكر المادي للسيطرة الاقتصادية العالمية، فكما كانت حملات إبادة الهنود الحمر مقترنة بما عرف من سباق دموي محموم علي مناجم الذهب في أنحاء القارة والسيطرة عليها كذلك كانت النسبة العظمي من التحركات العسكرية الأمريكية عالمياً مرتبطة منذ أكثر من قرن ونصف القرن بالبحث عن مصادر الطاقة والسيطرة عليها وعلي امداداتها.[c1]مواجهة الإسلام[/c]وليس صحيحاً أن الحملة الأمريكية في المنطقة الإسلامية بدأت بعد سقوط الشيوعية وطرح النظريات الفكرية مع رفع الشعارات المعادية مباشرة للإسلام والمسلمين إنما سارت التطورات في اتجاه التفرغ النسبي للمنطقة الإسلامية بعد انتهاء الحرب الباردة.ومن الواضح من قبل الحروب الأمريكية في أفغانستان والعراق أن الدول الإسلامية منفردة ومجتمعة لا تشكل في المدي المتوسط علي الأقل خطراً عسكرياً علي الولايات المتحدة الأمريكية، إنما الخطر الحقيقي الذي أصبح قريب التأثير هو الخطر الحضاري ومنذ انهارت الحواجز عبر ثورة الاتصالات إزداد الإحساس بذلك الخطر داخل الغرب ولاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية.ولا تسري كلمة خطر هنا بمعناها الأصلي إلا بمنظور الفئة المهيمنة ماديا واحتكاريا في الغرب ومن خلاله عالمياً، وإلي وقت قريب كانت هذه الفئة التي كشفت العولمة عن حقيقة نفوذها وموقعها في شبكة العلاقات الدولية وداخل كل دولة علي إنجازات الحضارة المادية ما بين الوصول إلي القمر عام 1969، وثورة الحاسوب والشبكة منذ عام 1981 وثورة الاتصالات الإلكترونية حالياً ولكن بدأ ينكشف الغطاء عن إنجازات أخري ترمز إليها شركات الوجبات السريعة وهوليود التي تتأرجح ما بين الخواء والانحلال فضلاً عن أفلام العنف ومظاهر الترف وتلويث البيئة والقيم وأسلحة المجون الإباحية الأشد فتكا بالإنسان من داخله.لقد تزامن سقوط كثير من الحواجز مع ثورة الاتصالات والمعلومات في وجه إمكانات التعرف علي الإسلام وقيمه ومنهجه في الحياة مع ارتفاع مطرد للإحساس في الغرب بالحاجة إلي ثورة جديدة علي صعيد القيم وليس علي صعيد التقنيات الحديثة فحسب بينما كانت الحضارة المادية الغربية قد قامت ابتداء علي انكار شبه مطلق لحقبة الحضارة الإسلامية علي وجه التخصيص حتي إن كتب تدريس التاريخ تجعل من تلك الحقبة ما يشبه “البقعة السوداء” الفارغة من أي إنجاز إلا ما قام علي افتراءات لا يمكن تصديقها لولا اعتماد ترسيخ الجهل عن تلك الحقبة الحضارية ترسيخاً منهجياً وهذا ما بقي سائداً في الغرب لعدة قرون إلي أن بدأت حديثاً فقط معالم زعزعة ما يمكن وصفه بالكذبة الحضارية الكبري.ولم يعد يمكن في عصر ثورة الاتصالات والمعلومات الحفاظ علي تلك الصورة المزورة للتاريخ والواقع كما لم يعد خافيا أن الإسلام الذي حوصر داخل بلدانه زمنا طويلاً عبر الاستعمار التقليدي فالغزو متعدد الأشكال ثقافة وفكراً وقيماً وتغريباً في مختلف الميادين قد بدأ ينتشر مجدداً بدرجات متفاوتة في البلدان الغربية نفسها وعاد بنسبة لا بأس بها إلي وعي الشعوب الإسلامية بغض النظر عن افتقاد ما يكفي من المناهج العملية لنهوض حضاري إسلامي جديد.لقد أخفقت المواجهة الأمريكية للإسلام من قبل هذه الحقبة علي صعيد صراع القيم أو الأفكار أو الثقافات ولهذا كان الجانب العسكري هو المحور الأول في التوجهات السياسية الأمريكية الجديدة، التي بدأت مع سقوط الشيوعية ورفع شعار “الإسلام عدو بديل” علي لسان ديك تشيني وزير الدفاع آنذاك عام 1991 نائب الرئيس الأمريكي حالياً فأصبحت القوة العسكرية في المقدمة وليس الأخلاق والقيم وكان الواقع التطبيقي في بلدان أفغانستان وفلسطين والعراق وسواها هو الجواب العلمي علي تساؤل طرحه المستشار السابق للرئاسة الأمريكية أويجن روستوف عما يجب أن يصبغ معالم السياسة الأمريكية عالمياً القوة أم الأخلاق والواقعية أم المثالية وحماية المصالح أم نشر القيم والأفكار التحررية أم المحافظة؟إن ما لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان في المنطقة العربية والإسلامية المستهدفة مباشرة في الوقت الحاضر من جانب صانعي القرار الأمريكي بغض النظر عن الواجهة السياسية المتبدلة، أنه علي قدر المعرفة الأعمق بطبيعة الهيمنة الهمجية الأمريكية الحالية يزداد الحرص داخل الولايات المتحدة الأمريكية تدريجياً وداخل الغرب عموماً بسرعة كبري علي الرغبة في الانفصال عن هذه المسيرة العدوانية، وهو ما يظهر من خلال المواقف الفكرية والإعلامية كما بدأ يظهر عبر المواقف السياسية، مع تفاوت الدرجات وفق درجة تشابك المصالح المادية.