تزداد قناعتي كلما مر بي الزمان وتتعمق بأن (الإنسان) أعظم وأروع مخلوق وضعه (الله) في الأرض ليكون خلفاً للخالق سبحانه وتعالى.فالإنسان بما يفعله ويصنعه في الكون معني ومسؤول عما يحدث فيها من تبعات أعماله وأفعاله في حالتي الخير والشر، لذلك نجد أن كل المهن والوظائف الدنيوية مهما عظُم شأنها لا يمكن أن تمنح (الإنسان) القيمة والمكانة العالية الرفيعة التي يستحقها وتميزه بين أصناف البشر فذلك أمر صعب للغاية لا يمكن أن يكون ويتحقق على الإطلاق لأن مرده الحقيقي ومصدره الأصلي السلوك السوي المتزن في الإبتعاد عن الرغبات الذاتية وشهوات النفس البشرية المتمثلة بـ (الأنا المطلقة).بسلوك الإنسان وأخلاقياته فقط نستطيع أن نجعل (للوظيفة والمهنة) قيمة ومكانة روحية عالية مرموقة.من هنا أجد نفسي ذاهباً للحديث عن واحد من الرموز النادرة بهذا الزمان الرديء والصعب الرموز التي بالفعل استطاعت أن تجسد هذا المفهوم والمعنى الراقي للمضمون الإنساني في وجوده وكنهه الأعظم.الإنسان.. القاضي.. الفنان (شريف ناجي)رجل أستطاع بقدرة فائقة وبتواضع جم أن يجمع بدواخله (الروحية) وبزهده وتعففه عن الصغائر (رجل) لكل واحد منهم ميزاته وخصائصه الحميدة المستقلة المنفصلة في وظائفها ومهامها الحياتية الدنيوية المتسقة المتصلة بتناغم وجداني وإنساني بديع، فلا يمكننا أن نتحدث عن شريف ناجي الإنسان دونه القاضي والفنان ولأنني في هذه العجالة لا يمكن أن أعطيه كل ما يستحقه في حالاته الإنسانية والوظيفية بشكل عام سوف يكون الحديث عن الفنان الذي لا ينفصل عن الإنسان والقاضي في مسيرته الإبداعية الغنائية التي أتحفنا بها زمناً جميلاً من العطاء المتدفق والمتميز الزاخر بالفنون الأصيلة دون التصنع والتكلف والإدعاء فقدم للساحة الفنية العديد من الأعمال الغنائية الناجحة التي حملت نموذجاً متفرداً جسد (قدسية رسالة الفنان المثقف والملتزم) فحظيت جميع نتاجاته الإبداعية بحب وإعجاب الجماهير اليمنية فقد تميزت تجربته باهتمامات أستند بها على الموروث الغنائي الشعبي والفلكلور اليمني بكل صدق وأمانة في محافظات شبوة / أبين / لحج / عدن فجاءت نتاجاته خليطاً ومزيجاً من كل هذه المصادر الفنية الخصبة والغنية فقد استخدم معظم الإيقاعات الشعبية التي كانت عبارة عن رقصات مثل الهبيش / الشرح البدوي / الإيقاع المقسوم / اللوعة دمندم / الغية بالإضافة لإيقاع الشرح المعروف.كان الفنان شريف ناجي دقيقاً في إختياراته للنصوص والكلمات التي يغنيها فقد شكل ثنائياً ناجحاً مع الشاعر المرحوم ناصر علوي الحميقاني أثمر بظهور العديد من الأعمال الغنائية المتميزة شكلاً وموضوعاً منها على سبيل المثال:1- يا غايب متى با تعود2- يا ذي وصفت الحسيني3- لو حبيبك عسل4- أنت جيت من نفسك5- من بكى عيال الناسوقدم أيضاً للشاعر الكبير المرحوم أحمد سيف ثابت مجموعة من الأعمال الهامة التي سجلت في تلفزيون وإذاعة (ق2 عدن) نتذكر منها :1- يا فجر أرسل نسيمك2- لا تعاتب في السويعات الهنيةبالإضافة لذلك شارك مع باقة منتقاة من شعراء الأغنية المشهورين لعل أبرزهم الشاعر الجميل علي عمر صالح في أغانيه1- لا تكذب على الناس2- يرعى مع الراعيوالشاعر الرقيق مسعد جمعان في هذه الأعمال الجميلة :1- مش عوايدكم2- لا تسأل عن الحال وغيرهابالإضافة لتعامله المميز مع الشعراء الأمير عبده عبد الكريم /سالم حجيري / عبدالله الوهاشي / ميمونة أبوبكر / مبخوت ناصر / عبده علي ياقوت / صالح مفتاح.أمتلك الفنان شريف ناجي ثقافة واسعة وإطلاع ظهر بشكل واضحا وجلي في أسلوبه للغناء المعبر والمؤثر على ذائقة المستمع اليمني بالداخل والخارج.استطاع في زمن ووقت قياسياً أن يكون لنفسه قاعدة جماهيرية عريضة من مختلف فئات وشرائح المجتمع اليمني معتمداً على منهاج (السهل الممتنع).أمتازت أعماله الغنائية وألحانه بالحركة والإيقاع الراقص مع الإحتفاظ بعناصر التطريب وسلامة مخارج الألفاظ وتدفق العاطفة والشجن.شارك الفنان شريف ناجي في العديد من المهرجانات على مستوى الجزيرة العربية والخليج وكان في كل مشاركة نموذجاً شرف به الغناء اليمني.يعتبر الفنان شريف ناجي من الأصوات الغنائية التي تصنف موسيقياً وتندرج تحت قائمة (طبقة تينور باص) في علم الصوتيات.ظل الفنان شريف ناجي طيلة حياته الفنية (هاوياً) رغم النجاحات المبهرة التي حصدها في مسيرته الحافلة إلا أنه لم يحترف الغناء الذي أحبه وعشقه فكانت كل أعماله جميلة مميزة ونادرة بسبب حرصه الشديد في إختياراته لأعماله وإنشغالاته الوظيفية (كقاضي) وتقلد العديد من المناصب القضائية في كثير من محافظات الجمهورية اليمنية.كان والد الفنان شريف ناجي أحمد مصعبي (شاعراً مقتدراً) من مواليد محافظة (شبوة) استوطن في مديرية لودر مركز زاره محافظة (أبين) فأصبح من مشائخها المشهود لهم بالحكمة وسداد الرأي كما أشتهر في كتابة القصائد والمساجلات الشعرية الشعبية التي ما زالت محفوظة بخط اليد عند أبنائه وبالطبع هذه المساجلات الشعرية كانت تتم بين فحولة شعراء المناطق اليمنية المختلفة في تلك الحقبة الزمنية التي عاشها.كان فقيدنا رحمه الله (صاحب كلمة وموقف) لا يحيد عنهما مهما كانت معاناته اتّسم بالوفاء.. والكرم.. والتسامح ونكران الذات بين الأوساط الثقافية والغنائية وكل من عرفه عن قرب.(نهاية المطاف) : توقف قلب الإنسان.. القاضي.. الفنان »شريف ناجي« عن الخفقان بعد مشوار طويل مضيء حافل بالإنجازات المتألقة إبداعاً ممزوجاً بالصدق والحب والمعاناة الإنسانية.. رحل تاركاً وراءه رصيداً لا ينتهي من مشاعر المحبة والتقدير في قلوب كل من عشق فنه الجميل والأصيل ورأى بسلوكه وتواضعه وعزة نفسه أسمى وأروع صورة (للإنسان).كلمة لا بد منها:-من خلال متابعتي للدور البارز والهام الذي يقدمه (الفنان والإنسان) خالد الرويشان معالي وزير الثقافة والسياحة خصوصاً فيما يشهده الوسط الفني والثقافي من حراك في المشهد الإبداعي نحو آفاق أفضل في عموم اليمن، فإنني أعلق عليه الآمال الكبيرة بتكريم فناننا الراحل القدير شريف ناجي بما يستحق ويليق بمكانته الفنية وبعطاءاته المتميزة التي قدمها للوطن..
|
رياضة
الفنان/ شريف ناجي .. القاضي الذي سكن فن الغناء
أخبار متعلقة