أحمد علي مسرععلى ناصية وسط مرتفع الهضبة قعدت القرفصاء فيما تكوم الفتيان والفتيات حولها مشكلين حلقة دائرية يجولون بحدقات أعينهم البريئة في كل أجزاء هيئة جسدها الممشوق بانتصاب مآذن صنعاء وحضرموت بعد أن نفض هذا الجسد اليماني الطاهر عن كاهله ترهلات وتقوسات وتكور مآسي ومظالم السنين الماضيات العجاف.كانت تزهو متباهية وهي تتمايل بعنقها يميناً ويساراً بكل غنج ودلال متزينة بأحلى حللها وكأنها عروس ليلة زفافها لم تسعها بهجة بلوغ المنال ومحو كثبان تراكمات حوالك الماضي السحيق ونتوءات العهد الظلامي البغيض.لم يفقه الصبايا البتة وهم يتفرسون قسمات جبينها المشع بهاءً كومض نجم الثريا سر صعودها إلى قمة الهضبة الشاهقة لتطل ترقب بأسارير منفرجة ما يغمر قلوب وافئدة الأبناء والأحفاد والنساء والشيوخ من ابتهاجات عامرة وهم يتحركون بكل همة وحيوية ونشاط ويضعون مزاهر واشجار وأدوات الزينة على كل الديار ونواصي الشوارع والمزارع والمصانع والمعامل والمدارس والكليات ومراكز العلم والتنوير والاستشفاء المشيدة بأبدانهم السمراء وقطرات عرقهم العطرة وحنكة ربان سفينتهم الفطين المبحر بهم من أتون ليالي الظلمات الحالكات السواد إلى صباحات النهارات المشعة إشراقاً ينير جغرافية الحياض المقدسة المباركة بإرادة السماء والمحوطة بأورام ودماء وحدقات أعين المنبوتين من تربتها الطاهرة.تتساءل الصبايا همساً فيما بينهن .. ترى لم هي سارحة تحدق بعينيها نحو آفاق الفضاءات الواسعة الامتداد وكأنها تستقرئ ذكريات مدونات التاريخ الموغل بين ثنايا خزائن مخيلتها .. وكمن استشفت بحدس الأم الحنون مايمور بين جوانح وخلجات صبيانها المتعطشين لنهل رشفات عذبة من منسوب الينبوع التاريخي المتدفق بين ثنايا ذاكرتها المتقدة .. وفيما كانت تهم بالتعديل من قعدتها القرفصاء دوت تنهيده قوية من بين أعماق جوف روحها الطاهرة شكرت الصبايا المتحلفات حولها مشدوهات الأفواه وكأنها تنبههن ليرهفن السمع لما ستتلو على مسامعهن أسرار رحلة سفر التكوين الاولى لانبثاق ومض الفجر السبتمبري وانتصار إرادة عشاق الحياة الحالمين بكسرة خبز ورشفة ماء نقية وكرامة مصانة دون ذل ومهانة دون قيود مذلة مكبلة بعقول وإرادة وإمكانيات الحالمين بعش يأويهم لينعموا بالسكينة والأمن والأمان دون سيوف تجندل بكل وحشية رأس من تجرأ أن يفكر أو يحلم بالعيش كبقية بني آدم العائشين على هذه المعمورة.حدقت إلى جباه الصبايا المحيطين بها من كل جانب وهي تمتم بعبارات تنطلق من فمها رقراقة وكأنه التاريخ يسرد ما بجوفه من وقائع:قبل 45 عاماً حلت العبودية والظلم والاضطهاد والفقر والتخلف وانتهاك آدمية الإنسان والمآسي بكافة صنوفها بين هذه الديار وأناسها الطيبين، استوطن الخوف المقض لمضاجع وقلوب الجميع ردحاً من الزمن، ردحاً من الزمن بليت الأمة بحكم إمامي كهنوتي عفن قضى على الأخضر واليابس .. كان الجوع ينهش البطون والجهل والتخلف يعشش في العقول وسيوف الإمامة تجز رقاب من يتجرأ على أن ينبس ببنت شفاه أو ينادي بعدالة أن يعيش الناس في أرضهم وأن تحل عدالة الله محل المظالم البشعة التي فرضت قسراً على أبناء هذه الأرض اليمانية الذين لم يرتضوا الخضوع للمظالم لذا لم يبخلوا بتقديم أرواحهم فداء على محراب الحرية ليرووا بدمائهم الزكية تربة الأرض ثمناً لحرية الإنسان وبناء المجد اليماني.وفي ذلكم الفجر السبتمبري المجيد صعد الشهيد علي عبدالمغني إلى متن الدبابة قاذفاً من فوهتها طلقات النصر المبين وإعلان زوال عهد الإمامة .. عصر الذل والخنوع وتكبيل إرادة وحرية الإنسان لتزحف جموع اليمانيين استبسالاً ودفاعاً عن قيم ومبادئ الثورة السبتمبرية وأهدافها الستة ومن حينها خاض شعبنا اليمني من خلال خيرة الشرفاء نضالاً شمل كافة الجبهات العسكرية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية والعلمية وهانحن نجني حصاد نضالاتنا وننعم بخيرات وحدتنا المحققة بفضل حنكة وفطنة إبن اليمن البار/ علي عبدالله صالح حفظه الله.
45 عاماً من مسيرة الثورة السبتمبرية المباركة
أخبار متعلقة