شكلت عطاءاته ونتاجاته الغنائية الموسيقية منعطفاً هاماً حول مسار الغناء اليمني من الأسلوب التطريبي إلى الغناء الدرامي التعبيري
لعبت الأغنية العدنية بعد منتصف الأربعينات من القرن الماضي دوراً هاماً وحاسماً في تغيير مسار حركة الغناء اليمني شكلاً ومضموناً ليصبح بعدها غناءً مؤسساً مبنياً على منهاج علمي وقواعد عرفت فيما بعد وصنفت تحت مسمى (الغناء الحديث التجديدي) فكان الاشتغال على الحداثة والتجديد هماً إبداعياً موحداً وقاسماً مشتركاً جمع بين (جيل الريادة المؤسس) بل أنه شكل فيما بينهم تنافساً إبداعياً ومعرفياً فرضته مناخات ثقافية كثيرة وعديدة ساعدت في الارتقاء بمستوى الأغنية العدنية لتؤكد على ضرورة تغيير المسار إلى مسارات غنائية إبداعية جديدة ومفتوحة.على هذا النحو الإبداعي وتحت هذا المفهوم والشعار كان الاشتغال الفني الابداعي المعاصر في الغناء الحديث، فأصبح لكل واحداً من جيل الرواد مدرسته ونهجه وأسلوبه المتميز بأغنيته التجديدية الحديثة على سبيل المثال كان هاجس الفنان أحمد بن أحمد قاسم يصب في الحداثة والتجديد في جانب الموسيقى والغناء واثراءها بعطاءاته الغزيرة المتدفقة إبداعاً حلق به في فضاءات وعوالم موسيقية ساحرة رحبة.وأستطاع الفنان محمد مرشد ناجي أن يتكئ في مشروعه الغنائي الحديث على الأصالة والموروث والفلكلور الشعبي في غنائه الجديد المعاصر، وهكذا قدم لنا رواد الغناء اليمني الأوائل سالم با مدهف/ يحيى مكي/ محمد سعد عبدالله/ محمد عبده زيدي/ خليل محمد خليل وآخرين مشروعاتهم الغنائية التجديدية على السياق الفني الإبداعي الخاص والعام. ما نحن بصدده اليوم الحديث عن تجربة الفنان الكبير إسكندر ثابت الذي يعدُ مدرسة فنية مستقلة متفردة تجسدت نتاجاتها الغنائية الموسيقية باشتغال ابداعي خرج به عن السائد والمألوف في هذه التناولة الموجزة سنحاول أن نلخص أهميتها بالنقاط والمحاور التالية :-[c1]** أولا ً: [/c]يعتبر مدرسة فنية مستقلة بحد ذاته فهو أول فنان يمني استطاع أن يُحول مسار الأغنية اليمنية من شكلها (التقليدي التطريبي) المعروف لدينا إلى شكل (غنائي درامي) جديد تتسلسل فيه الأحداث موسيقياً وتتصاعد بشكل نغمي تعبيري غاية في الروعة والجمال معتمداً على حليات صوته الشجي الصافي العذب وإحساسه الصادق المعبر كما سمعنا في أغانيه على سبيل المثال لا الحصر أغنية (كيف سخيت) وأغنية (من بعد نظرة عين) فلو استمعنا إلى هذين العملين الرائعين بتأمل وبصيرة لعرفنا ما المقصود بقولنا أنه أول فنان يمني يلحن أغانيه بشكل غنائي موسيقي درامي، والحقيقة انني اعتبر أن من أبرز تلاميذ مدرسة الأستاذ اسكندر ثابت الفنان محمد عبده زيدي تأكيداً على امتداد وتواصل مدرسته المتفردة.[c1]** ثانياً :[/c]كان يعشق (مقام البيات) و (مقام الكرد) و (مقام الراست) في ألحانه وهي مقامات شرقية أصيلة ومعروفة ، وجديراً بالإشارة أنه قدم العديد من النصوص والأشعار الغنائية الوطنية والعاطفية للأستاذ القدير عبدالله هادي سبيت ، شكلت بمضامينها وأبعادها الإنسانية والفنية نموذجاً متفرداً ، فتوحدت عطاءاتهم الإبداعية (بثنائية ناجحة ) أثرت ساحة الغناء اليمني بروائع خالدة فمن منا لا يتذكر هذه الأغنيات التي قدموها على سبيل المثال لا الحصر :1) هويته وحبيته2) باهجرك3) ياظالم ليه الظلم دا كله 4) حبيبي..حبيبي .[c1]** ثالثاً :[/c]يعتبر من الفنانين اليمنيين القلائل الذين يوحى إلينا عند سماعنا لألحانه وكأنه فنان يصنع بنتاجه الإبداعي (تراثاً فنياً أصيلاً) مضافاً إليه (عنصر التطوير والابتكار) فلو استمعنا إلى أغانيه (يابدر يا عديني) وأغنية (بين السبول) لتصورنا أن هذه الأعمال تراثاً غنائياً يمنياً لقوتها وعظمتها والحقيقة أن هذه الأعمال (خُلقت) مباشرة منه لتكون تراثاً غنائياً شعبياً فعند سماعنا إليها نشتم من خلالها عبق التاريخ اليمني وأصالة التراث اليمني الزاخر.**له إسهامات بالغة الأهمية في الغناء الوطني ضد الاستعمار البريطاني والإمامة نتذكر منها أغنيته الشهيرة (يا ظالم ليه الظلم دا كله) وأغنيته الأشهر (سلام الفين) الذي غناهما من إذاعة صوت العرب بمصر الكنانة وكان لهما مفعول قوي في إلهاب وإذكاء حماس الجماهير اليمنية للخلاص من الظلم السائد حينها ابتغاءً للاستقلال ونيل الحرية، كان هذا بعضاً من عطاء فناننا الراحل الخالد اسكندر ثابت رحمه الله الذي استطاع تحويل مسار الغناء اليمني من (الأداء التطريبي) إلى الأداء (التعبيري الدرامي ) وما يتخلله من أحداث درامية هي البداية والحبكة التي تتصاعد بها الأحداث درامياً بشكلاً غنائياً موسيقياً وتنتهي بالنهاية التي تترجم وتعبر عن مضمون النص الغنائي بمعظم ألحانه وأعماله الذي اتحفنا بها في مشواره الفني المتميز.وللعلم فإنه من الفنانين اليمنيين القلائل الذين لم (يسقطوا فنياً) رغم صعوبة كل التحديات التي واجهها أثناء حياته إلى مماته.[c1]ختاماً[/c]كالعادة مرت الذكرى المتعلقة بميلاد ورحيل هذا الرائد وما تركه من أثر فاعل خدمة للغناء والموسيقى في اليمن والجزيرة العربية وعموم الوطن العربي دون حراك كسابقاتها؟!! من الأعماق أرجو أن يحظى هذا العملاق بالتكريم الذي يستحقه ويليق بتاريخه الفني الإبداعي المشرف والرائع.