مناضلو الثورة تعرضوا للتعذيب بعد اعتقالهم
لا زالت بطن التاريخ حبلى بالعديد من الأسرار والوثائق الخاصة بثورة (14 أكتوبر 1963م).. ولم تر النور بعد! وتظل ولادة هذه الوثائق والأسرار أمراً ضرورياً كي يرى شعبنا العظيم، كم هي بيضاء وناصعة ومشرفة تلك الحقبة التي مرَّت به حتى الظفر بالاستقلال الوطني الناجز صبيحة 30 نوفمبر 1967م. بالأمس القريب.. نفض الغبار عن تقرير غير مكتمل مكون من “41” نقطة كتبه طبيب يمني، كلف بالنزول إلى حيث كان يحتجز المناضلون في سجن المنصورة.. وتحت إلحاح متواصل من المعتقلين السياسيين بضرورة زيارة طبيب يمني لهم بدلاً عن الأطباء الأجانب. ماذا كتب هذا الطبيب في مذكرته أو تقريره ؟! وأين بقية نسخ هذا التقرير أو هذه المذكرات؟!ولعل هذا الطبيب اليمني وهو يقرأ هذه الصفحات يتفضل مشكورا ليطلق سراح أوراقه الناقصة من أجل اكتمال الصورة. لم يذهب الطبيب اليمن هكذا.. بل ذهب يحمل معه تهديدا مرفقا بنكتة إنجليزية باردة “كُن على حذر لئلا يبقوك هناك”. إنها صفحات جديرة بأنْ تسجل في صفحات تاريخ ثورتنا العظيمة التي هي مفخرة كل الناس الشرفاء والطيبين في هذه البسيطة. فماذا قالت تلك الأوراق التي لم تكتمل .. ؟!1 . في يوم الخميس التاسع من يونيو 1966م اتصل بي السكرتير الدائم للخدمات الطبية وهو إنجليزي ووكيل وزارة بالمعنى اللاحق ـ الكاتب يطلب مقابلتي في مكتبه بمقر الوزارة.. وفي الساعة العاشرة والنصف صباحا.. كنتُ هناك حيث استقبلني بحرارة بالغة.2 . وبعد مقدمات بسيطة دخل في الموضوع مباشرة.. قال : إن صاحب السعادة المندوب السامي تفضل أخيرا ووافق على طلب كان تقدم به المعتقلون السياسيون في سجن المنصورة لاعتماد طبيب يمني بدلا عن الطبيب الإنجليزي الذي يقوم بالعيادة للنزلاء.3 . إنه نتيجة لذلك فقد تم اختيارك لهذه المهمة، كونكم تتمتعون بثقة بين زملائكم، ثم قال : إنه واثق من أني أقدِّر حساسية الوضع من الناحية السياسية، فهناك حوالي مائة معتقل سياسي في سجن المنصورة، وهم دائمو الشكوى والتذمر من سوء الخدمات الطبية والغذائية، ورغم أن إدارة المعتقل تلبي طلب الأطباء والزائرين منهم باستمرار، إلا أن شكواهم ظلت تتزايد مطالبة بطبيب عربي من أبناء وطنهم.4 . ثم قال السكرتير الدائم : إنه يحب أنْ يوضح لي بعض المشاكل التي قد سأواجهها، أولها وأهمها أن المعتقلين سيرددون الشكوى من أنهم عذبوا بوحشية وهذه الشكوى استمع إليها كل طبيب زارهم بما في ذلك مندوب الصليب الأحمر الذي كان منذ فترة وجيزة هناك.وقال السكرتير الدائم : إن بعضهم قد يظهر علامات جروح في يده أو وجهه أو ظهره ويدعي أن هذه آثار إطفاء أعقاب سجائر ... الخ.. وبعضهم قد يدعي إدعاءات أخرى.وقال السكرتير الدائم : إنه يجب أنْ يؤكد أن مهمتي طبية بحثة وأنه في مثل هذه الحالات كل ما أستطيع أنْ أعمله هو أنْ أفحص المريض واكتب له العلاج اللازم، ثم أبلغ كلا من مدير المعتقل والسكرتير الدائم.. بإدعاءات المعتقلين وهنا تنتهي حدود مهمتي، وأكد السكرتير الدائم هذه النقطة موضحا حساسية الموقف من الناحية السياسية.ثم ودعني متمنيا لي التوفيق قائلا وهو يبتسم : “كن على حذر لئلا يبقوك هناك”!5 . وبعد لحظات كنت أمام المعتقل من ناحية حساسية الموقف سياسيا... وكان يبدو عليه القلق من هذه الناحية.. وأخبرته بدوري أن السكرتير الدائم أوضح لي بدوره هذه الناحية. فقال : إنه يجب أنْ يؤكد أن مهمتي طبية بحتة، وأن الحديث مع المرضى يجب أنْ لا يتعدى إطلاقا الناحية الطبية، ثم ذكر بقلق النقطة السابقة التي ركز عليها السكرتير الدائم وهي إدعاءات المرضى بالتعذيب وإظهارهم بعض الآثار التي يزعمون أنها نتيجة تعذيبهم في رأس مربط.. وأضاف أن بعضهم قد يحاول إرسال معلومات إلى أقاربه أو أصدقائه في الخارج، وأن مثل هذه المعلومات يجب أنْ تبلغ له.. ثم عاد مكررا قوله إنني يجب أن أُقدِّر حساسية الموقف سياسيا.ثم ودعني مسلما إياي مساعدة تريني مكتبي في المعتقل.6 . لقد خرجت من مكتب المدير وأنا استعيد النقطة التي ركز عليها كل من مدير المعتقل والسكرتير الدائم وأتساءل عن ماذا يعني تركيز كل منهما على هذه النقطة الغاية في الأهمية!!؟7 . وبعد إجراءات التعارف الشكلية بيني وبين طبيب المعتقل الشاب الحديث التخرج الدكتور “هدسن” الذي لم يمضِ عليه في عدن قادما من ألمانيا شهران تسلّم فيها الإشراف الطبي على المعتقل.. ومساعده العريف “برازيل” وهو شاب صغير أوضح لي أنه هندي وأنه أيضا يعتبر نفسه معتقلا، لأنه مفروض عليه أنْ يظل 24 ساعة في المعتقل في طلب المرضى.. بعد هذه الإجراءات الشكلية بدأت عملي.8 . كانت أول خطوة هي أنْ أعرف طبيعة نظام الإشراف الطبي على المعتقلين.. وأوضح لي العريف “برازيل” أن عدد المعتقلين يبلغ حوالي 186 معتقلا، وإنْ كانت القائمة الطبية التي أعدها بأسمائهم حتى الآن تبلغ حوالي 134 معتقلا.. جميعهم من دون استثناء جاؤوا في فترة من الفترات لطلب العلاج الطبي لسبب أو لآخر.. وأوضح لي الدكتور “هدسن” أن هناك بطاقة لكل معتقل.. وهذه البطاقة تتضمنها المعلومات الطبية عن حالة كل معتقل، وهي بأربع مراحل :المرحلة الأولى : عند الاعتقال مباشرة حيث يؤخذ المقبوض عليه إلى قلعة رأس مربط للتحقيق وهناك يفحصه طبيب عسكري بريطاني خاص ليقرر ما إذا كان صالحا للتحقيق معه أم لا.. وتسجل في هذه البطاقة حالة المعتقل الصحية عند القبض عليه، كما تسجل فيها الملحوظات الطبية عن حالته أثناء وجوده في رأس مربط.المرحلة الثانية : عند انتهاء التحقيق ومغادرته رأس مربط إلى أحد المعتقلات الأخرى مثل سجن المنصورة، وتوضع في البطاقة معلومات كافية عن حالته الصحية أثناء مغادرته رأس مربط.المرحلة الثالثة : هي مرحلة الفحص الطبي أثناء استقباله في المعتقل الجديد، وتسجيل هذه المعلومات بواسطة طبيب المعتقل الخاص.. وتعتبر الأساس عن حالة المعتقل الصحية أثناء وجوده في المعتقل الجديد.المرحلة الرابعة : هي الحالة الصحية عن المريض أثناء فترة اعتقاله في المقر الجديد الأخير، وجميع هذه المعلومات تحفظ في مظروف خاص يكتب عليه رقم المعتقل ويلغي اسمه منذ الآن فصاعدا فلا يعرف إلا برقمه الخاص.9 . كذلك أوضح لي العريف “برازيل” وهو الممرض الخاص للمعتقل.. أن نظام الفحص الطبي يمر بمرحلتين.. المرحلة الأولى هي فترة مروره هو ـ أي العريف “برازيل” ممرض المعتقل في الفترة الصباحية على المعتقلين لمعرفة من منهم يريد مقابلة الطبيب، وعلى تقديره الشخصي لحالة المعتقل الصحية يقرر ما إذا كان المعتقل في حاجة إلى مقابلة الطبيب أم سيكتفي هو بإعطائه العلاج.. والمرحلة الثانية هي مشاهدة الطبيب للمعتقل وإجراء الفحص والعلاج اللازمين.10 . وقد أبرز العريف “برازيل” تعليقا مهما على هذا النظام إذ قال :إن هذا النظام ظل متبعا منذ فترة طويلة أي منذ بدأت حركة اعتقال المواطنين، فلم يكن من حق المعتقل مشاهدة الطبيب؛ إلا إذا قدر الممرض أنه يستحق ذلك، ولكن منذ فترة وجيزة زار المعتقل مندوب الصليب الأحمر الدولي ورفع تقريرا عن حالة المعتقلين الصحية.. اقترح فيه إلغاء هذا النظام، وقال في تقرير : إن من حق أي معتقل يريد مشاهدة الطبيب أنْ يشاهده من دون حاجة إلى تقرير الممرض، ولكن العريف “برازيل” أضاف معلقا إلا أن نظرا للعدد الكبير من المعتقلين ونظرا لكثرة عدد المدعين للمرض منهم، ونظرا لأنه لا يوجد إلا طبيب واحد للمعتقل؛ فإنه من الصعب تطبيق هذا النظام حرفيا.11 . كذلك شرح لي الدكتور “هدسن” طبيعة الخدمات الطبية في المعتقل فقال إنها لا تتعدى معالجة الحالات البسيطة كاللكمات والرضوض والسحجات السطحية والالتهابات الخفيفة وتقوية رباط الجبس.. الخ.. أما الحالات التي تحتاجُ إلى علاج أبعد مدى، فإنها تـرسل تحت حراسة عسكرية إلى مستشفى القوات المسلحة البريطاني، وهناك تحصل على العلاج اللازم.12 . كما أوضح لي أنه يحاول منذ فترة تنظيم مواعيد زيارة الاختصاصيين ـ حيث أن الدكتور “هدسن” نفسه طبيب ممارس عام ـ للمرضى، وخصوصا اختصاصي العظام والعيون والأنف والأذن والحنجرة ـ إلا أنه يجد صعوبة كثيرة تقف أمامه، فكثيرٌ من المواعيد تلغى لانشغال الاختصاصيين أو تعطل عربات نقل المعتقلين المسلحة أو نقص الحراسة على المعتقلين أو عدم وجود عرض ممرض لمرافقتهم أو تأخر المعتقلين من الوصول إلى الاختصاصيين في الوقت المناسب، كما أن زيارة الاختصاصيين إلى المعتقل تعرقلها إجراءات الأمن المشددة.13 . كذلك أوضح الدكتور “هدسن” أنه يعاني من مشكلة نقص الدواء إذ أن التموينات لعيادة المعتقل تأتي من تموينات القوات المسلحة وليس من التموينات الصحية الاتحادية وهي تشمل قائمة محدودة ولذا فإنه مضطر إلى تطبيق الدواء على المرضى بدلا من العكس كما يجب أنْ يكون.وقال : إن هذا أدى إلى أنْ أصبح المرضى يرفضون العلاج، وأنه يضطر إلى تسجيل رفضهم العلاج في بطاقاتهم الصحية.14 . وأوضح الدكتور “هدسن” أنه نتيجة لهذا فإن بعض المرضى من المعتقلين يحاولون تهريب الدواء من الخارج بواسطة أقاربهم وقد قدم لي الدكتور “هدسن” علبة عقار من نوع المهدئ للأعصاب.. حيث يستعمل كمنوم بجرعات كبيرة.. وقال : إنه اضطر إلى مصادرته من أقارب أحد المعتقلين؛ لأنه عقار سام، وقد يؤدي تناول جرعات كبيرة منه إلى الانتحار.15 . وقد أنهى الدكتور “هدسن” قوله بأنه كان يستقبل في الفترة الأولى لتسلُّمه العمل كطبيب للمعتقل عددا كبيرا من المعتقلين المرضى؛ إلا أن العدد أصبح يتناقص في الفترة الأخيرة، وقال باسما : إنه يتوقع أنْ يستغني المعتقلون عن خدماته؛ إلا أنه طالما أن هناك طبيبا عربيا يستطيع أنْ يحدثهم بلغتهم ويمنحهم الثقة بالعلاج وأن هذا يخفف عنه العمل وهو أمر يسره على أي حال.16 . وقد علق العريف “برازيل” على الوضع بأنه يعتقد أن معظم شكاوى المرضى “وهمية” وأنهم يشكون من آلام وأعراض لا وجود لها، كما أوضح أن معاملتهم صعبة وأنهم كثيرا ما يحملونه مسؤولية الإهمال في العلاج.. أو مسؤولية عدم فعالية الدواء.. أو مسؤولية إلغاء مواعيد الاختصاصيين.. إلخ .. مع أنه برئ من هذا كله وسأشاهد بنفسي.17 . وبعد هذه المقدمة الطويلة الضرورية اقترحت أنْ نبدأ بالعمل فورا.. وكان هناك مريض معتقل على الباب أمرت بإدخاله.وكان المريض اسمه “ع . ن” شاب صغير من أبناء شمال الوطن يشكو من آلام في أذنيه وضعف في السمع في الأذن اليسرى، وأوضح لي الدكتور “هدسن” أن المريض يشكو من الآلام منذ فترة طويلة، وأنه لم يستفد من العلاج، فحصي المريض.. كانت هناك آثار واضحة لإصابات قديمة في الأُذن اليسرى، وكان يشكو من الألم الشديد فيها خصوصا والألم أقل في الأذن الأخرى مع ضعف مستمر في الأذن اليسرى، وعندما سألته عن تاريخ هذه الآلام قال إنها نتيجة لعمليات التعذيب في قلعة رأس مربط.. وقال إنه طلب عرضه على اختصاصي الأذن لئلا يفقد سمعه ولكن طلبه لم يستجب حتى الآن.وقد سجل زميلي الدكتور “هدسن” ملحوظات من شكوى المعتقل، ثم قدم له بعض حبات البنسلين ليأخذ أربعة أقراص كل يوم، وقدم له علبة من أقراص أخرى لتطهير حنجرته من التهابات بسيطة.. وقد طلبت من زميلي الدكتور “هدسن” معرفة ما تحويه صيدلية المعتقل من الأدوية المضادة للآلام فقال : إن الصيدلية تحتوي على أقراص الأسبرين وأقراص الكودين ثم أقراص البندين المخدرة.وسألته هل يوجد عقار النوفلجين أو البارلجين أو السبالجين وعقار البونستان وهي عقارات ذات أثر فعال ومباشر في تخفيف الألم فقال إنه يأسف لأن هذه العقارات لا توجد وأنه لا يوجد عقار وسط بين الأسبرين وضعيفة المفعول والبندين المخدرة.18 - وتتكون الصيدلية من غرفة تحتوي مكتبا من الخشب في أحد أركانها لجلوس الطبيب وأمامه كرسي من الحديد يجلس عليه المريض وبجانبها الآخر دولاب ذو ضلعتين وضعت في إحدى ضلعاته أرفف تحتوي على بطاقات المعتقلين من المرضى وبجانبها بطاقات أخرى للمرضى من الحرس البريطانيين الذين يخدمهم الطبيب نفسه على ما فهمت .. وعلى الضلعة الأخرى وضعت زجاجات بعض الأدوية كالأسبرين والكودين والبثدين.. الخ.. وتوجد على الواجهة الأمامية للغرفة منضدة مستطيلة وضعت فوقها غلاية من الحجم الصغير، لاحظت أنها باردة غير مهيأة للعمل وسألت العريف “برازيل” عما إذا كان يستعمل الحقن لإعطاء الدواء فقال ليس كثيرا، فنحن نفضل إعطاءهم الأقراص بدلا من الحقن.وفي الركن الأخير المحاذي لمكتب الطبيب كان يوجد جندي بريطاني يحمل مدفعا رشاشا وفي وضع الاستعداد ولاحظت أن المدفع كان مصوبا طوال الوقت نحو الباب الذي يدخل منه المرضى والكرسي الذي يجلسون عليه.كما لاحظت أن غرفة العيادة تفتح على بابين مغلقين أحدهما كان يؤدي إلى مستودع صغير للأدوية والآخر إلى غرفة مكيفة تستعمل كغرفة استراحة للطبيب وكان بداخلها آنذاك كلب كبير أسود من نوع الوولف.. عرفت فيما بعد أنه كلب الطبيب.. كما لاحظت أن الطبيب كان يعتني به عناية خاصة.وقد لفت نظري أن غرفة العيادة كانت خالية من سرير للكشف على المرضى وحاجز يفصل أجزاء العيادة عن بعضها في حالة الكشف عن الأعضاء التناسلية والأدوات الطبية الكافية للكشف على المرضى.وبعد إلقاء نظرة على العيادة اقترحت على الدكتور هدسن والعريف برازيل أنْ نلقي نظرة عامة على المعتقلين قبل البدء في العمل فوافقا مشكورين لأطل على الفناء الداخلي حيث زنزانات المعتقلين.ويتكوّن المعتقل من أربع زنزانات كبار بنيت كل منها على شكل مستطيل يتوسطه فناء وقـسمت إلى أربع بلوكات سميت (A. B. C. D) وقد أغلق بلوك (A) لأسباب لم تشرح لي وكدس المعتقلون في الثلاثة البلوكات الأخرى.ولقد أثارت دخولي إلى فناء المعتقل حركة غير عادية فيه.. تجمع المعتقلون على نوافذ الزنزانات الضخمة يحللون من بين قضبانها الحديدية السميكة وتناثرت إلى سمعي أصوات مألوفة تناديني باسم وميزت من أنها أوجه عزيزة عليّ من الأصدقاء القدامى.. فبادلتهم التحية متأثرا.وكانت كل زنزانة محاطة بسياج سميك يفصل عن الفناء العام خندق متوسط العمق، قال لي الطبيب “هدسن” إنه يعتقد أن الخندق لوضع أسلاك التلفون.. ولاحظت أن الرياح تهب حاملة الغبار والتراب إلى داخل الزنزانات التي كانت خالية من أي سياج من الأشجار أو الأخشاب يحميها، كما لاحظت الحراسة العسكرية المشددة على الزنزانات من جنود بريطانيين يحملون مدافعهم الرشاشة وفي وضع الاستعداد متوجهين بها على الزنزانات.وكانت أول ملحوظة أثارت انتباهي هي تكدس العلب الفارغة والزجاجات المحطمة والأكياس الممزقة والأوراق المهملة في الواجهة الشمالية لأحد البلوكات.. وسألت هدسن.. عن ذلك فقال إن هذا الجناح.. جناح المشاغبين.. وأنهم حاولوا تنظيف هذه الواجهة؛ إلا أن المعتقلين يكررون رمي العلب الفارغة فيها.. وأضاف الطبيب هدسن أنه يعتقد أن ترك المهملات تتراكم ليس هو الحل السليم.. ولكن ما الحل؟!!واصلنا سيرنا لندخل بلوك (C) على الطرف الأخير من المعتقل، وكانت لحظة عظيمة بالنسبة لي أن أشاهد أعزاء لم أرهم منذ زمن. وكانت التحيات والسلامات، ولاحظت أن نائب مدير المعتقل والحرس يحيطون بي أثناء دخولي الزنزانات. كما لاحظت الحرس لا ينطقون بكلمة عربية واحدة أو إنني عندما حييتهم بالعربية مداعبا لم ينطق من كان بالقرب مني إلا بابتسامة مستعجبة.. إلا أن أحد المعتقلين قال لي يشير إلى نائب مدير المعتقل خذ بالك.. إنهم يعرفون العربية، وكانت هذه أول ملحوظة تلقي ضوءا على الحالة النفسية للمعتقلين في علاقتهم مع حرسهم.وكان أول ما لاحظته هو تكدس أسرة المعتقلين واحدا بجانب الآخر لا يفصلها أكثر من قدمين.. كما لاحظت أنها سرائر حديدية صغيرة أصغر حجما وأقل ارتفاعا من سرر مستشفى الملكة، (الجمهورية حاليا)، وبجانب كل سرير صندوق خشبي أو حديدي أو جلدي صغير يضع فيه المعتقل ثيابه. كما أن هناك دورة مياه في مدخل جناح الزنزانة.. وكانت رائحتها تفوح في أرجاء الزنزانة وكان جميع المعتقلين عراة إلا من فوط أو بنطلونات صغيرة، فقد كانت الحرارة مرتفعة جدا، وكان كل جناح من الزنزانة الكبيرة يفتح بمفتاح خاص.. وكان الحرس يتقدمونني أمام كل جناح ليفتحوا الباب .. وكانت الأبواب كلها حديدية ضخمة وأدوات أقفال سميكة، كما كان الحارس طوال الوقت صارما يطلب الإذن من مرافقي الطبيب قبل فتح كل زنزانة.. وكل جناح. وكانت كل زنزانة يتوسطها فناء صغير شاهدت في وسطه شبكة ممزقة في جميع جوانبها قيل لي إنها كانت تستعمل للعبة (الفولي بول).. ولكنها أصبحت غير صالحة الآن. كما لاحظت أنه توجد في الجناح لكل زنزانة صالة لألعاب (التنس بول) تتوسطها منضدة قد تكسرت أرجلها وتمزق الشبك الذي يتوسطها، وقد شاهدت بعض المعتقلين يتجمعون في اربعات يلعبون لعبة (الكيرم) القديمة المعروفة، ولم أشاهد أية ألعاب أخرى.وقد شاهدت في أحد أركان فناء المعتقل من المعتقلين اثنين وقد جلس أحدهما على الكرسي يمسك بيده موساً قديماً. وهو يحاول أنْ يجز بعض شعرات من رأسه الكثيف وعندما علقت مبتسما عن طبيعة مهنة الشاب أجابني ضاحكا إننا نساعد بعضنا فهم يبخلون علينا حتى بالحلاقة.وجدت من واجبي أنْ أجلس قيلا مع المعتقلين استمع إلى شكاهم.. كان أول سؤال وجه إلي عن طبيعة مهمتي.. هل هي مجرد زيارة عابرة أم إنني سأكون طبيبهم باستمرار، وأوضحت إني آمل أنْ أكون طبيبهم باستمرار وأن هذا بناء على رغبتهم إلى المندوب السامي في أنْ يكون لهم طبيب عربي يتولى الإشراف على علاجهم. ورغم نظرات الاستبشار التي بدت على وجوههم لوجود طبيب عربي؛ إلا أن أحدهم علق بحرارة “ما با يخلوك” .. أي إنهم لم يتركوك تستمر.وعندما سألت عن سبب تذمرهم من الطبيب الموجود.. أجاب أحدهم أن القضية قضية ثقة فلا يعقل أن أولئك الذين اعتقلونا ليعذبونا يهمهم حقا الاعتناء بصحتنا.كما أوضح لي أنهم لم يثقوا بما يتسلمون من أدوية يقدمها لهم الطبيب العسكري البريطاني وخصوصا أن أحد زملائهم وأشار إليه ـ كاد يموت بعد تناول بعض حبات دواء سلِّمت إليه.وعندما سألت الطبيب هدسن عن صحة هذه الواقعة قال إن هذا المريض عنده حساسية لكل من أقراص السلفا والبنسلين والستريتومايسين، وأن المرضى يعتقدون أن السلطات تتعمد هذا.ولقد قال لي أحد المعتقلين إنه طلب من الممرض الواقف بجانبي ذات مرة يضع حبات لمعالجة الأرق فقال له : دعْ الإرهابيين يعالجونك.كما قال معتقل آخر إن الحارس قال له ذات مرة عندما طلب استدعاء الطبيب إننا سنترككم تموتون موتـا بطيئا.ولقد شاهدت أحد المعتقلين ويده محاطة بجبس وكان يشكو من أن الطبيب رفض فك الجبس رغم مرور أسبوعين عليه، وسألت الطبيب هدسن عن حال المريض؟.. فقال إنه يشكو من كسر بسيط في أحد العظام الصغرى للرسغ الأيمن.وسألت المريض عن سبب الكسر فقال : إنه نتيجة لعمليات التعذيب.وسألت الطبيب هدسن فقال : إنه نتيجة لسقوط المريض أثناء ممارسة لعبة الفولي بول.ولاحظت أثناء الحديث أن هناك مريضا في أقصى الجناح لم يغادر فراشه مع زملائه الذين تجمعوا حولي للحديث.. فسألت الطبيب هدسن عنه فقال : إنه مريض مصاب بضيق النسم الربو وهو يأتيه في أزمات حادة، كما أنه أحيانا يبصق دماوتقدمت إلى المريض والذي فهمت أنه من أبناء العوالق من محافظة شبوة ـ متسائلا فرد علي وهو يصيح قائلا : إنهم يريدون دفننا أحياء.. فاستوضحته فقال: إنه كان مصابا بأزمات خفيفة تمر بسلام.. ولكن حدث منذ فترة وجيزة مشاجرة بين معتقلين اثنين، فإذا بقوات السجن تحيط بالعنبر مفجرة القنابل المسيلة للدموع على كل من في العنبر، ثم أردفت هذا بإغلاق أنابيب المياه لتمنعهم من خفي آثار الغازات، وقال إنه نتيجة لهذا اشتدت عليه أزمة التنفس وصار يبصق دما بعد أنْ كاد يفقد حياته يومذاك. وأردف قائلا : إنهم ـ أي الإنجليز لا يخافون الله.سألت الطبيب هدسن عن الحادث فقال : إن المعتقل رقم 146 والمعتقل رقم 147 تشاجرا في العنبر فأضطر حرس السجن لفض النزاع. ولم يورد الطبيب هدسن شيئا عن هذا.وعندما أوضحت للطبيب هدسن أن حالة المريض خطرة وأنه بحاجة إلى عناية خاصة في المستشفى أجاب المريض رفض الذهاب إلى المستشفى العسكري، لأنهم هناك يقيدونهم من أيديهم وأرجلهم ويربطونهم إلى سرير المستشفى ولهذا فهو يفضل الموت على أنْ يعامل هكذا. قال إنه يريد العلاج في مستشفى الملكة ـ الجمهورية حالياـ وهو المستشفى المدني المنطقة.وفي بلوك (B) كان الوضع مشابها. ولقد استمعت إلى مزيد من تعليقات المعتقلين.. كما لاحظت أن الحالة الصحية للمعتقلين متشابهة فجميع أدوات الألعاب الرياضية ممزقة ونظام الأسرة ودورات المياه متشابهة ونظام الحراسة واحدة.ولقد لفت نظري الطبيب هدسن في بلوك (B) إلى أحد المعتقلين ويسمى (غ . أ) وقال : إنه أُصيب بالتهاب حاد (الزائدة الدودية) منذ يومين. وأنه قرر نقله إلى المستشفى العسكري؛ إلا أن المريض رفض بعض الفحوصات هناك.. فأُعيد إلى المعتقل.. وسألت الطبيب هدسن عن الفحوص التي رفضها المريض فأجابني أنه الفحص في الشرج.. وسألت المريض عما حدث؟ فقال إنهم في المستشفى أمروه باتخاذ وضع جنسي معين وأن الطبيب أراد إدخال يده في شرجه ولكنه رفض هذا.وقد قمت بفحص المريض على سريره فوجدت أنه يشكو من التهاب الزائدة الدودية وأن هذا الالتهاب قد خفت حدته.. إلا أنه بحاجة إلى عملية جراحية لاستئصال الزائدة الدودية في وقت لاحق. وشرحت ذلك للمريض.. غلا أن أحد زملائه وهو المعتقل رقم 65 أوضح لي أن هناك أوامر من إدارة المعتقل بمنع المرضى من إجراء العمليات الجراحية ولم تتح لي الفرصة للتأكد من ذلك من المسؤولين عن المعتقل.ولقد تقدم إليّ في الجناح نفسه المعتقل رقم 65 واسمه (ف . م) وأشار إلى أحد أسنانه وهو السن الطاحن في الفك الأسفل الأيسر وقال : إنه أضطر إلى خلعه بنفسه بعد أن أصبح غير ثابت في مكانه نتيجة لعمليات التعذيب وعندما أشتد عليه الألم إثر خلع الضرس إذ رفضت إدارة المعتقل علاجه.وقد شاهدت فك المريض المعتقل فوجدت أن السن المشار إليه ليس في موضعه.كذلك تقدم إلي أحد المعتقلين وهو شاب فلسطيني اسمه ح . أشار إلى الممرض العريف برازيل وقال إنه المسؤول الأول عن كل مشاكل المرضى، لأنه يرفض السماح لهم بمشاهدة الطبيب.. وكانت في لهجة المعتقل الفلسطيني نظرات التحدي، وكان يوجه قبضته إلى وجه الممرض الذي تراجع أمام عباراته القاسية وقال المعتقل الفلسطيني إنه يشكو من آلام حادة في عموده الفقري العنقي وكتفه الأيسر. وأنه لا يستطيع النوم على جانبه الأيسر من هذه الآلام وقال إن هذه الآلام نتيجة للتعذيب في قلعة رأس مربط.. وأنه حاول أكثر من مرة طلب ميعاد مع اختصاصي النظام لمشاهدته؛ إلا أن الممرض العريف برازيل لم يحدد له هذا الميعاد.وسألت العريف برازيل عن سبب عدم تحديد ميعاد للمعتقل الفلسطيني مع الاختصاصي فقال : إنه حاول تحديد الميعاد، ولكن إدارة المعتقل ألغته بسبب لا يعرفه.ولقد تقدم إلي أيضا شاب صغير يبلغ حوالي ثمانية عشر عاما وفهمت أن اسمه (س . ع) وهو من شمال الوطن، وقال إنه يشكو من آلام شديدة في بطنه نتيجة تعذيبه بسياط جلدية في قلعة رأس مربط، وعندما فحصت بطنه لم أجد أية آثار ظاهرة لما يدعيه.. فشرحت له ذلك فقال إن الآلام داخلية وأن سلطات المعتقل في رأس مربط تحرص على ألا تكون إصابات المعتقلين ظاهرة.كما لاحظت في هذه الزنزانة عددا كبيرا من الشباب صغار السن اعتقد أنهم طلاب مدارس، وعندما سألتهم عن أحوالهم أجابوا مبسوطين فقلت باسما : كيف يكون سعيدا من يكون معتقلا؟ .. فأجابوا إنها ضريبة الثورة.ولقد حرصتُ على أنْ أشاهد الجناح الذي أسماه الطبيب هدسن بجناح المشاغبين.. ولاحظت أن الحراسة عليه مشددة.. وعندما سألت المعتقلين عن السر في معاملتهم هذه المعاملة الخاصة أجاب أحدهم أنهم يريدوننا أنْ نكون جواسيسا لهم.. كما لاحظت أن جناح العنبر تملأهُ عبارات وطنية قرأت منها عبارة : لن نهدأ حتى تستجاب مطالبنا.كما لاحظت أن هناك محاولة بسيطة لرسم صورة رجل بشعر قصير كرت وأنف طويل فهمت أنه محاولة لرسم صورة الرئيس جمال عبدالناصر، كما امتلأت جدران الجناح بحروف NLF التي ترمز إلى الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل، وهي منظمة وطنية في المنطقة، كما لاحظت هذه الأحرف على مختلف جدران المعتقل بما في ذلك عيادة طبيب المعتقل.كذلك تقدم إلي أحد المعتقلين ويسمى (ر . ش) وقال : إنه يطلب مني أنْ أحصل على إذن لهم بالعلاج في مستشفى الملكة.. وإنهم لم يثقوا بالعلاج في المستشفى العسكري الذي كان يعرف بمستشفى شاطئ خورمكسر كما أن المعاملة في المستشفى تجرح كرامتهم.ولقد لاحظت أن المعتقل يضمُ فئات كثيرة مختلفة من المواطنين فقد لاحظت أحد المحامين وهو (ع. م . خ) وأحد النقابيين وهو السيد محمد صالح عولقي ـ مناضل وكان وزيرا للخارجية عندما استشهد بحادث الطائرة المعروفة وأحد الموظفين وهو (ر . ش) وأحد التجار وهو السيد (ع . ن) وأحد الطلاب وهو السيد (س. ع . س) وأحد الجنود السابقين في الجيش الاتحادي وهو (أ . ع) كما أذكر عددا كبيرا من أبناء القبائل.كما لاحظت أنهم ينتمون على فئات سياسية متعددة وإنْ كان أغلبهم كما لاحظت من شعاراتهم ينتمون إلى الجبهة القومية.كما أنهم يأتون من مناطق مختلفة في الجنوب وإن كان معظمهم من أبناء عدن والعوالق وأبناء يافع وأبناء دثينة؛ إلا أن هناك عددا كبيرا من أبناء الشمال اليمني وعددا آخر من أبناء فلسطين والأردن.كذلك لاحظت أن المعتقلين يحاولون قضاء وقتهم الطويل فيما يعود عليهم بالفائدة.. فقد لاحظت في يد معظمهم كتبـا ثقافية وعلمية وصحفـا محلية وعربية.. كما لاحظت بعضهم من أبناء القبائل يتعلّمون رغم كبر سنهم مبادئ القراءة والكتابة من الكتب والمطالعة ـ الرشيدة ـ على يد إخوانهم من أبناء عدن من الذين نالوا حظـا من العلم.كما لاحظت الفرق الكبير في السن بين المدرس وهو طالب صغير والتلميذ وهو من أبناء القبائل الكبار في السن.كما شاهدت بعضهم يحفظ بعض المحفوظات الشعرية بينما ثاني يجمع بعض العمليات الحسابية البسيطة وفهمت منهم أنها محاولات لقضاء الوقت الطويل الممل الذي أمتد بالنسبة لبعضهم إلى أكثر من عشرين شهرا في انتظار المحاكمة.وبعد انتهاء هذه الجولة الاستطلاعية الأولى عدت برفقة زميلي الطبيب هدسن ومعاونه العريف برازيل إلى عيادة المعتقل، وكانت الساعة تقترب من الثانية عشرة ظهرا حيث اعتذر زميلي الطبيب هدسن عن البقاء وأخذ كلبه وحارسه الجندي المسلح وانصرف وبقيت مع العريف برازيل الذي أبدى كل استعداده لمعاونتي.وقد فضلت أنْ أطلع على البطاقات الطبية للمعتقلين حتى أقارن بين التعليقات التي سمعتها والتقارير الطبية الرسمية؛ لأن بعض المرضى سيأتون غدا صباحا لرؤيتي فكنت أود الاطلاع على حالتهم الصحية السابقة قبل مشاهدتهم.وقد أبدى العريف برازيل كل تفهم واستعداد لمعاونتي.كذلك أبدى كثير من المعتقلين شكواهم من سوء الطعام واشتكوا من أن الأرز يكاد يكون طعامهم الوحيد. واشتكوا من سوء الطباخة وكثرة المواد الغريبة في الطعام.. وقد سألت العريف برازيل عن هذا الموضوع فقال : إن طعام المعتقلين كان يطبخ في السابق داخل أسوار المعتقل، لكن المعتقلين اشتكوا من رداءته فاضطرت إدارة المعتقل إلى الاتفاق مع أحد المقاولين من الخارج لإعداد الطعام وأن مسؤولية الطعام تقع الآن على المقاول.. وعندما شرحت للمعتقلين ذلك قالوا إن الطعام الآن أسوأ من السابق.. وأنه يبدو أن إدارة المعتقل تتعمد ذلك.كان أول تقرير أطلعت عليه هو تقرير الطبيب الصحي المشرف على نظافة المعتقل كسكن. وهذا التقرير يعد مرة كل شهر. كما أخبرني العريف برازيل وكان آخر تقرير قدمه لي العريف برازيل يشكو من رداءة المعتقل من الناحية الصحية، وكان يتحدث عن سوء دورات المياه وكيف أن الأدوات التي تزود بها سرعان ما تختفي ولا تستبدل واقترح أنْ يكون التزويد مستمرا بالأدوات الصحية الضرورية.. وتحدث التقرير عن الأوجه الصحية التكنيكية للمعتقل وأبدى عدم ارتياحه من حالة المعتقل الراهنة.وفهمت من العريف برازيل أن هذا التقرير يكتبه طبيب عسكري بريطاني.. انتهى نص التقرير* وهنا نقف ـ مرة أخرى ـ لنقول كلمة .. نرجو أنْ يسمعها الطبيب اليمني الذي أعد هذا التقرير.. أكمل أوراقك.. فعلى الرغم من أنها خاصة بك.. إلا أنها ملك للتاريخ.. للوطن ليعرف أبناء شعبنا اليمني والعربي كيف كانت الأحوال إبان الحكم الاستعماري وكيف كان الاستعمار الذي يدعي الحضارة والتقدم.. كيف كان استعمارا جائرا.. لا يعرف من الإنسانية ومعانيها سوى مصالحه ومطامحه وبأي شكل كان.فهل تكتمل هذه الفصول هذا ما نرجوه.